مع بداية كل إجازة صيفية يبدأ لدى الكثير من خريجي وخريجات الثانوية العامة هاجس الخوف من عدم القبول في الجامعات، في وقت أصبح حلماً لا يستطيع تحقيقه إلاّ من كانت نتائج اختبار القدرات والقياس لديه عالية، ليوصد الباب أمام أصحاب النسب المتدنية، حتى وإن كانت نتائجهم في شهادة الثانوية العامة بتقدير أمتياز!. وعلى الرغم من اجتهاد الجامعات بقبول الطلاب، وفتح المجال أمامهم لمواصلة تعليمهم، إلاّ أن الآلية المتبعة تحتاج إلى "إعادة نظر"، لضمان تخريج عقول وكوادر مميزة تخدم احتياجات المجتمع في بعض التخصصات كالطب والهندسة مثلاً، فقد أثبتت الدراسات منذ زمن طويل أن حاجة سوق العمل لخريجي الأقسام العلمية تكون بنسبة (80%)، بينما حاجته للأقسام الأدبية (20%)، ومع ذلك مازالت نسبة خريجي الأقسام العلمية (20%)، وخريجي الأقسام الأدبية (80%)!. من غير المعقول تجاهل نتائج دراسة 12 عاماً واللجوء لاختبار «سرعة بديهة» و«قوة ملاحظة»! وأكد الخبراء على أن تجاهل نتائج (12) عاماً دراسياً، والالتفات إلى نتيجة اختبار مدته ساعتين غير منطقي بتاتاً، لاسيما وأن "اختبار القدرات" يعتمد على "سرعة البديهة"، مطالبين بتقسيم الاختبار على جميع المراحل التعليمية (ابتدائية- متوسطة- ثانوية)، بحيث يكون بعد الحصول على شهادة الصف السادس الابتدائي اختبار قدرات بما يتناسب مع سن الطالب، وبعد الانتهاء من المرحلة المتوسطة اختبار آخر، وبعد المرحلة الثانوية اختبار أخير، وعند التقدم للجامعة تجمع نتائج الاختبارات الثلاثة وتمنح للطالب. "الرياض" تطرح الموضوع، للبحث عن حلول من شأنها أن تسهل قبول الكثير من الطلاب والطالبات، ليساهموا في دفع عجلة التنمية ببلادهم بدلاً عن ملايين الأجانب. لماذا تحرموهم من اختيار تخصصاتهم المرغوبة؟.. «السنة التحضيرية» تحدد مساراتهم بناءً على قدراتهم بعد عام كامل إعادة نظر في البداية قال "د.يوسف العارف" -ناقد-: إن آلية القبول في الجامعات في الوقت الحالي تحتاج إلى إعادة نظر سريعة، فليس من العدل بمكان أن تهمش الجامعات قيمة شهادة الثانوية العامة، تلك الشهادة التي أمضى الطالب (12) عاماً من عمره وهو يسعى للحصول عليها، وبالتالي لا يكون لها النصيب الأكبر في تحديد نسب القبول، مضيفاً أنه لا توضع لها سوى (20) درجة فقط من درجات المفاضلة، بينما يعطى اختبار القدرات والاختبار التحصيلي (80)درجة!، مبيناً أنه يتوجب على وزارة التربية والتعليم الدفاع عن شهادتها ومخرجاتها، مع إعادة قيمة اختبار الثانوية كما كانت عليه في السابق، كما أنه يتوجب على الجامعات أن تعترف بشهادة الثانوية العامة الأعتراف اللائق بها، مقترحاً أن يكون المعدل تراكمي في كل سنوات المرحلة الثانوية، وأن تكون شهادة الثانوية العامة هي المعيار الأول والأخير في التسجيل والقبول بالجامعات، ويكون اختبار القدرات والقياس بعد انتهاء السنة التحضيرية في الجامعة، ليتحدد القسم الذي يليق به مستوى كل طالب. د.يوسف العارف وأوضح "م.جمال برهان" أن آلية القبول في الجامعات في وقتنا الحاضر تخالف كل خطط التنمية الشاملة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، حيث أن بلدنا مازال بحاجة ماسة إلى الآلاف من الأطباء والمهندسين، ومع ذلك عدد القبول في تلك الأقسام قليل جداًّ، بل ولا يتناسب مع احتياجات سوق العمل، بينما تخرج الجامعات الآلاف من طلاب الأقسام الأدبية سنوياً، والذين لا يفيدون سوق العمل، لتتزايد نسب البطالة في المجتمع، مبيناً أننا في وطن واحد ويجب أن نعمل بقلب واحد لدفع عجلة التنمية الشاملة في بلادنا، مع عدم وضع العقبات والعراقيل أمام قبول الطالب في الجامعات. د.سالم باعجاجة توافق طردي وأكد "صالح الغامدي" -مشرف تربوي- على أنه من المفترض أن يكون هناك توافق طردي بين مخرجات جامعاتنا من العقول والكوادر البشرية، وبين احتياجات مجتمعنا في التخصصات العلمية كالطب والهندسة مثلاً، وكذلك على مستوى سوق العمل واحتياجاته، مما يحقق تقدم عجلة التنمية في وطننا الغالي، مضيفاً أن هناك خللاً واضحاً يجعل كل ما يُبنى على مخرجات التعليم غير سليم, فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمسيرة الطالب الدراسية كان يجب أن يكون هناك تطبيق لاختبارات الميول والاتجاهات في سن المرحلة الابتدائية، مع تنمية تلك الميول طيلة مراحل الطالب الدراسية وكأنها بمثابة فترة تهيئة واستعداد لنوع الدراسة الجامعية، كما ماهو معمول به في ألمانيا، حيث تجري تلك الاختبارات لطلابها من الصف الرابع الابتدائي، ناهيك عن أساليب بعض المعلمين الخاطئة الذي تتتمثل في حصر الاختبارات في بعض الملخصات والملازم وتحديد المنهج في بعض الأبواب، الأمر الذي ينعكس على درجات الطالب في اختبارات التحصيل والقدرات، إضافةً إلى المفاهيم السلبية لدى بعض الطلاب عن تلك الاختبارات، إلى جانب عامل الوقت والسرعة التي لا يجيده الكثير من الشباب، وبطبيعة الحال ينعكس ذلك على النتيجة النهائية للطالب، والتي تتحكم في نوع دراسته الجامعية، والتي قد تقصيه عن بعض التخصصات العلمية كالطب والهندسة، مشيراً إلى أن ذلك يُعد إهداراً للعقول البشرية المحلية، وتعطيلاً لمسيرة البناء وعجلة التنمية. د.حسين سندي محك أساسي وذكر "الغامدي" أنه للخروج من هذا المأزق ولتحقيق العدالة والإنصاف في هذا الجانب، ولعدم إهدار الطاقات البشرية المحلية، وللمساهمة في دفع عجلة التنمية، فإنه يرى قبول الطلاب الحاصلين على تقدير جيد جدا مرتفع فما فوق في كلية الطب والهندسة، واعتبار السنة الأولى سنة تحضيرية ومحكاً أساسياً لقياس قدرات الطلاب الحقيقية، خاصةً أن ميول الطلاب واهتماماتهم تتجه في هذا السن نحو الوضوح والاستقرار، مضيفاً أنه مع دراسة فكرة تطبيق اختبارات الميول والاتجاهات لطلاب المرحلة الابتدائية ورعايتها، مع توجيه الطلاب طيلة سنواتهم الدراسية حسب ميولهم، لكون ذلك يمثل جزءاً من احتياجاتهم النفسية، الأمر الذي يضمن لنا وجود دافع ذاتي معطياته تتوافق مع الاحتياجات النفسية والميول لكل طالب، وهذا كفيل بتحصيل ايجابي، مشدداً على أنه يزداد الأمر إيجابية حينما تتوافق مخرجات جامعاتنا في تأهيل الكوادر البشرية مع الاحتياجات الفعلية لمجتمعنا ومتطلباته. م.جمال برهان أين الإمكانات؟ وعن إنخفاض أعداد المقبولين في الأقسام العلمية بالجامعات، قال "د.سالم باعجاجه" -اقتصادي-: إن الأمر يعود إلى عدم توفر الإمكانات المطلوبة في الأقسام العلمية، فعلى سبيل المثال كلية الطب تحتاج إلى إمكانات عالية جداًّ، ولعدم توفرها تضطر الجامعات إلى قبول أعداد قليلة في الأقسام العلمية حسب إمكاناتها السنوية، وبالتالي يترك القبول حسب المفاضلة لأصحاب النسب العالية فقط، حيث لا يوجد طريقة أخرى عادلة سوى المفاضلة حسب الدرجات العالية، مضيفاً أن مما يثلج الصدر أن بعض الجامعات أغلقت العديد من الأقسام الأدبية؛ نظراً لعدم حاجة سوق العمل لها. صالح الغامدي وأوضح "د.حسين سندي" أن تجاهل نتائج (12) عاماً دراسياً والالتفات إلى نتيجة اختبار مدته ساعتين غير منطقي بتاتاً، مضيفاً أن ما تفعله بعض الجامعات من تهميش للشهادة الثانوية مقابل تفضيل درجات اختبارات القدرات والقياس والتحصيلي أمر غير مبرر، لاسيما وأن اختبار القدرات يعتمد على سرعة البديهة، التي تُعد موهبة، إضافةً إلى أنه يعتمد على إدارة الوقت، متسائلاً: كيف نطالب من لم يتجاوز عمره (18) عاماً أن يكون خبيراً في إدارة الوقت، مع العلم أننا كمجتمع بأكمله نفتقر إلى الخبرة في إدارة الوقت. أقسام علمية وأشار "د.سندي" إلى أن الطالب قد يمر بظروف صحية أو نفسية تجعله يخفق في اختبار القدرات، مشدداً على أنه لا يطالب بإلغاء اختبار القدرات، ولكن يجب أن يقسم إلى أقسام، ويشمل كل مراحل الطالب التعليمية (ابتدائية- متوسطة- ثانوية)، مضيفاً أن خطط التنمية الشاملة طالبت منذ زمن طويل بربط خريجي الجامعات بسوق العمل، وأثبتت الدراسات منذ زمن طويل أن حاجة سوق العمل لخريجي الأقسام العلمية بنسبة (80%)، بينما حاجته للأقسام الأدبية (20%)، ومع ذلك لازالت نسبة خريجي الأقسام العلمية (20%)، وخريجي الأقسام الأدبية (80%). وأكد على أن الدولة سهلت كل الإمكانات، ورصدت مبالغ بأرقام فلكية لدعم التعليم، ولكن بعض الجامعات ليس لديها الترشيد الأمثل في صرف تلك المبالغ، حيث كانت تصرف في السابق على فخامة التصميم العمراني للجامعة وضخامة المباني، وهذا الأمر ترك أثر سلبياً على هذه القضية؛ لأن الطالب بالأقسام العلمية يكلف (10) أضعاف ما يكلف طالب الأقسام الأدبية، مضيفاً أن الأقسام العلمية تحتاج إلى إمكانات هائلة من معامل وتجهيزات، الأمر الذي يجعل الجامعات تحدد أعداد قليلة في القبول للأفسام العلمية، ولو أن تلك الجامعات رشدت صرف ميزانياتها واهتمت في بناء قاعات ومعامل للأقسام العلمية، لكان في ذلك الأمر خير للوطن والمواطن، لافتاً إلى أن الجامعات في السنتين الأخيرتين بدأت تتوجه إلى ترشيد صرف ميزانياتها، الأمر الذي يبشر بالخير.