أعرف رجلًا مسكوناً بحبه للنظافة ويرتاب من كل شيء تبدو عليه آثار دَنَس . وأول ما يُفتش عنه في الشقق التي يريد استئجارها ، وكذا غرف الفندق عن شكل النظافة في دورة المياه . وهذا - في رأيه - يعطيه الانطباع العام عن العناية بالضيف . لايمكن أن نرقى بالمجتمع إلا بجعل النظافة احدى مسؤوليات المجتمع. ويعمل في مدينة الرياض عدد وافر من عمال النظافة، يقومون بخدمة الكنس والتقاط الأوراق والمخلفات من الطرق والأحياء. إلا أن هناك سلبيات لشريحة من المجتمع إما أنها لا ترى ذلك، أو أنها عديمة المسؤولية وقالوا إنهم في سنغافورة يفرضون غرامة باهظة على كل من يرمي حتى ورقة صغيرة في أماكن غير مخصصة. وعندنا بعض السلبيات التي نحب أن نتعامى عنها وهاكم مثلا. في شارع عمر بن عبدالعزيز في الملز وقرب المستشفى الوطني شاهدت - ذات مرة - مركبة فخمة ضخمة...! وفيها في مقعد القيادة رجل طفق يمزق أوراقاً أمام احد المصارف، ويرمي قصاصات ورقه في الشارع. ويبدو أنه كان خارجاً من المصرف. كذلك تبدو عليه نظافة الملبس وتعديل الغترة، كذلك حذاؤه الخارج من جانب السيارة، ذو شكل استثنائي...! فهو نظيف..! بقدر ما استطاع. مررت من جانبه وبدأت في جمع القصاصات وقلت له: دعنا نساعد البلدية وبدا عليه الخجل. أقول إن هذا الخجل لم يظهر «قبل رميه الأوراق...!» ولكن «بعد» أن رمى الأوراق ووجد من يلومه. لنتصوّر أن الفرد الواحد في مدينة الرياض «ينتج معدلاً يصل إلى مائة وخمسة كغم من النفايات في اليوم الواحد بينما المجتمعات الأخرى حتى في البلدان الأقل نمواً ينتج فقط 0,5 كغم أو أقل. ولم تقصّر الأمانة من جانبها حين وضعت قرابة رُبع مليون برميل لجمع النفايات بالإضافة الى آلاف الحاويات بمختلف الأحجام. بينما في مدينة طوكيو - مثلا - والتي يسكنها أضعاف سكان المملكة لا يوجد برميل واحد..! تحتاج النظافة إلى مساهمة كل فرد. وكلّ ما ذكرته دليل او مقياس على قدرة استيعاب الناس لما ينفعهم على الصعيد الشخصي والعام . والمرء ،في كل الأحوال، لا يضغط عليه إلا وعيه، وليس ما يُشرّع من أنظمة رادعة.. في بعض الأحيان أصل إلى فكرة تقول إننا نُبذر الأموال في شراء تلك المناديل الورقية ، نستعملها في نظافتنا الشخصية ثم نقذفها من السيارات دون تردد ، وكأن صانعها أدخلها على حياتنا ضمن " مؤامرة " تلوّث كبرى .. !!