قاربت الاختبارات على نهايتها واستعدت كثير من الأسر لحزم حقائبها للسفر للخارج.. ولأن كثيرا منا يسافر دون قراءة مسبقة أو اطلاع دقيق يعود وقد فاته أكثر بكثير مما شاهده فعلا.. وفي المقابل كلما قرأت أكثر عن الدولة أو الجهة التي ستزورها حققت أكبر عائد ممكن من وقتك وجهدك ومالك.. ليس هذا فحسب، بل ستتعرف بهذه الطريقة على أسرار عجيبة وخبايا غريبة لا يعرفها أهل البلد أنفسهم - ولا حتى قريبك الذي زارها عشرين مرة قبلك -... وحين تصل لهذه الدرجة من المعرفة والتعمق تدرك أن السياحة ليست قاصرة على المولات التجارية والساحات المركزية والشوارع المشهورة - ولا حتى على الآثار التاريخية والمناظر الجميلة - بل تتجاوزها إلى الأعاجيب الطبيعية، والمواقع العسكرية، والبيوت المسكونة، والجولات السياحية الغريبة، ومواقع الجرائم المشهورة، ومعتقلات التعذيب والقبور الجماعية (كما في فيتنام وكمبوديا والبوسنة)! ... ولهذا السبب - وفي حال قررت السفر فعلا - أتمنى أن تتجاهل سياحة الترفيه والتسوق، وتجرب سياحة الاطلاع والاستكشاف التي تمنحك شعورا عميقا بالمعرفة والمشاركة والتجربة الشخصية... خذ كمثال زيارة الحدود الملتهبة بين بعض الدول، فأكثر المناطق جذبا للسياح في كوريا الجنوبية مثلا هي الحدود الفاصلة مع كوريا الشمالية (حيث أكبر منطقة ملغومة في العالم وأطول جنود رأيتهم في حياتي لاعمل لهم سوى التحديق ببعضهم البعض).. وهناك أيضا الحدود الفاصلة بين كشمير الهندية والباكستانية، وأمريكا والمكسيك (حيث يمكنك المشاركة في عملية مصطنعة لتهريب المخدرات) أو ربما تفضل شتم الإسرائيليين عبر بوابة فاطمة على الحدود الفاصلة مع جنوب لبنان!! وفي كثير من مدن العالم (كشيكاغو ولندن وفيلادلفيا) يمكنك زيارة مواقع أثرية مسكونة بالأشباح والأرواح لدرجة تشعر أنك في فيلم رعب حقيقي.. كما توجد جولات دموية أو خاصة بالجريمة تتضمن زيارة أحياء العصابات ومواقع الجرائم المشهورة والمقار السرية لزعماء المافيا.. ففي شيكاغو مثلا يمكنك زيارة منزل زعيم المافيا المشهور آل كابوني أو مواقع الجرائم التي قام بها السفاح الشهير اتش هولمز (وشاركت شخصيا في جولة ليلية تتبع خطى جاك السفاح في شوارع لندن الخلفية)... أيضا لديك الخيار في الصعود (أو الهبوط) مئات الأمتار فوق (أو تحت) الأرض.. فشخصي المتواضع مثلا لم يترك برجاً أو ناطحة سحاب مشهورة إلا وصعدها.. وفي المقابل يمكنك النزول تحت الأرض عبر المناجم والأنفاق والكهوف أو حتى مجاري المدن الكبرى .. ففي باريس مثلا يمكن - لمن يريد - القيام بجولات في أقدم مجاري العالم والتي تتضمن أيضا رفات الجثث التي نقلت في القرون الوسطى لتوسعة المدينة.. أما في نيومكسيكو ومينسوتا وجنوب أفريقيا فيمكن للسياح القيام بجولات في مناجم عميقة من صنع الانسان - ناهيك عن أنفاق كووتشي في فيتنام التي يتجاوز طولها 400 كلم ولعبت دورا رئيسيا في هزيمة الجيش الأمريكي أثناء غزوه للبلاد... وكنت شخصيا قد زرت «كهوف الثلج» خارج قرية هولشتات في النمسا التي حفرها الجليد منذ ملايين السنين.. كما اتيحت لي - في نفس العام - فرصة التجول داخل كهوف الملح جنوبالمانيا التي استعملها النازيون كمصانع سرية للطائرات ويوجد في قعرها بحيرة يمكن قطعها بالقارب .. ولكن .. رغم جمال الأولى وغرابة الثانية لا أستطيع القول إن أياً منهما تعادل عظمة وضخامة مغارة جعيتا في لبنان!! ... باختصار شديد قبل أن تحزم حقائبك ذاكر دروسك جيدا .. وقبل أن تلعب دور السائح فكّر بدور المستكشف والمغامر! ... وعشان خاطري ... لا تأخذ معك هذه المرة الكرافتة والجاكيت ...