الثورات التي عصفت بالعديد من أنظمة الاستبداد العربية ولا تزال في أخرى تحتم أدوارا جديدة للمثقف الخليجي في سبيل دعم استقرار الخليج في مواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم في المنطقة. ما حدث في دول الثورات ناجم عن سبب بسيط مؤداه أن الاستبداد السياسي والقمع وإلغاء الحياة المدنية، ولجم الأصوات المنادية بالإصلاح في الداخل، والغرور المعزز بقوة السلاح وحركات القتل الفاشية جعل تلك الدول تفيق على الثورات للتخلص من المستعمر الوطني الذي تصور بأن معادلة الاستقرار في الحاضر بالضرورة أن تسير كما كانت في الماضي. واقع دول الخليج العربي مختلف، فأنظمة الحكم لم تتولّ السلطة بالانقلابات العسكرية والحكم بالقبضة الأمنية المفرطة وهذا ما يبرر الاهتمام بالتنمية وارتفاع قدرات المواطن الخليجي على المنافسة عالمياً. دور المثقف الخليجي في هذه المرحلة يتمثل في تحسس مَواطن الخطر في الداخل ابتداء بإعداد المقترحات لتطوير الأنظمة والهياكل الإدارية مروراً ببحث السبل الملائمة لتطوير العمل الخليجي المشترك وانتهاء ببحث سبل انتقال مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد في شتى المجالات لاسيما الثقافية والابداعية والعلمية وبحث سبل التكامل الخليجي وتعزيز مناخ الإبداع والابتكار وفرص العمل والإنتاج للمنافسة العالمية مستقبلاً وهو ما يعزز من استقرار المنطقة. إن رياح الثورات التي عصفت ببعض الدول العربية وأخرى في طريقها للنجاح والتي تحرص قياداتها على الإساءة لدول الخليج يحتم أدوارا جديدة للمثقف الخليجي ولا مجال إلا لمواجهتها باستخدام القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية وتطوير الخطاب الثقافي وتعزيز الإنتاج الإعلامي المشترك والإنتاج البحثي والفكري الخليجي من خلال عقد المؤتمرات الخليجية - الخليجية، والخليجية - العالمية إضافة إلى تعزيز الحماية في ظل الحروب الإلكترونية المحتملة مستقبلاً. إن احتياج الخليج اليوم للكوادر الخليجية المؤهلة للمشاركة في دعم التنمية وتطوير منظومة الإبداع والابتكار العملية أكثر من أي وقت مضى ولا مجال لتحقيقها إلا بتطوير ثقافة المجتمعات الخليجية، وتطوير دور الإنسان الخليجي في التنمية وتعزيز التواجد في وسائل الإعلام الجديد، وتغيير محور اهتمامات المواطن من الترفيه إلى العلم والعمل ومواجهة المستقبل تقنيا ومعرفياً، وتوزيع قاعدة الإنتاج الوطنية والاستفادة من التجارب الدولية الرائدة لا سيما التجربة الألمانية والتي استطاعت تعظيم نفوذها الدولي خلال سبعة عقود من دولة تمت هزيمتها عسكرياً وتقسيمها، إلى دولة نجحت في تطوير منظومة اقتصادها وتكوين تكتلات اقتصادية انعكس على نفوذها السياسي ، تحقق كل ذلك بعد تطوير الإنسان الألماني، ولا مجال لنا لتحقيق ذلك إلا بتطوير دور الإنسان الخليجي عموماً والمثقف خصوصاً في سبيل تحقيق المزيد من الوثبات وتعزيز الاستقرار والنفوذ الخليجي الإقليمي والعالمي.