منذ أن عصفت رياح الثورات في بعض دول العالم العربي، سارعت تلك الدول التي اكتوت بلهيبها إلى اتهام جهات خارجية في التدخل في شؤونها، وبعضها الآخر ألقوا باللوم على الفيس بوك وهذا جزء من الحقيقة الذي لا ينكره أحد، ولكنهم في المقابل لم يتحدثوا عن أنين الداخل الذي لم ينجحوا في تلمسه في وقت مبكر وهذا يعني إما أنهم لم يشعروا بسوء واقع الداخل قبل الثورات أو المعلومات التي كانت تصلهم عن واقع الشعوب كانت مضللة. ما حدث كان بالإمكان تلافيه، فحقيقته هو نتاج طبيعي لاستبدال دور المواطن بدور أجهزة الأمن، والنتيجة لتبادل الأدوار استقرار في مهب الريح وعدم احترام المواطن لمواطنته ابتداء من كسر الأنظمة والقوانين وانحسار دوره في الحياة الاجتماعية ووأد مقومات الإبداع والابتكار واشتعال هشيم الإحباط نتيجة لانخفاض هامش حرية التفكير وذلك ما أدى بمرور الأيام إلى تآكل الطبقة الوسطى، وانتشار الفساد بشكل عام وفي أجهزة الأمن بشكل خاص لضعف الرقابة على أدائها وتوسيع نفوذ أصحاب المال والأعمال من خلال إشراكهم في الحياة السياسية والمجالس النيابية بشكل مباشر أو بشراء الذمم لإصدار تشريعات تضاعف من ثرواتهم، وانتشار طبقة أثرياء من موظفي القطاع العام وغض البصر عن تجاوزات التجار وانتشار الاحتكارات التي توسع مع مرور الأيام نفوذهم وثرواتهم على حساب المواطن، وتنمية الأوطان تنمية لا تضعه على عتبات التطوير والريادة خصوصا أن مقومات التطوير متوفرة في العالم العربي. إن القبضة البوليسية وعدم الاهتمام بالنخب العلمية الحقيقية التي سادت في تلك الدول ساهمت في هجرة الرواد من العلماء والمفكرين الذين كان باستطاعتهم رسم دور جديد لدولهم على خرائط الريادة العالمية وعدم الاهتمام بهم أدخلت تلك الدول في أعماق أنفاق مظلمة من التيه والفساد والتخلف. دور الإعلام في مرحلة ما قبل الثورات في إصلاح الأخطاء والتجاوزات كان متواضعا جدا ولا أقصد من ناحية حرية التعبير وإنما من حيث قدرته على الإصلاح، فوجود حرية إعلام دون تغييرات حقيقية تحدث أو عدم وجود حرية عالية للتعبير فالنتيجة سيان، لذا لم يعمل الإعلام على إنقاذ الدول من جحيم الثورات التي عصفت بأجزاء من محيطنا العربي ولا تزال. ما حدث ويحدث في بعض الدول التي اشتعلت فيها الثورات ليبيا أنموذجا يوضح معنى المواطن في عرف بعض الحكومات، فمع كل ما حدث ويحدث من قتل وتدمير لم ير النظام أن ما قام به خطيئة لذا من المهم تغيير مفهوم المواطن ليكون إنسانا عليه مهمة الانشغال بالإنتاج والإبداع وإعمار الأرض وحفظ حقوقه وكرامته. تبقى الحديث عن إرادة الإصلاح، فعدم وجودها في فترات الاستقرار كلف تلك الدول من الخسائر الكثير حيث سقف المطالب يتصاعد بشكل تدريجي وسريعا وذلك مأدى إلى ضعف قدرات الحكومات للتفاعل معها نتيجة لقصر الوقت المطلوب لتنفيذها وعدم ثقة المواطنين بوعود الأنظمة وهو ما يحتم على المواطنين التأكد من التغيير في وقته أو الثورة حرصا على سلامته من أجهزة الأمن، إضافة إلى ضعف أداء القطاع العام والاختيارات التي رسمت على أسس حزبية أكثر من كونها على أسس الكفاءة وذلك ما أدى إلى إهمال الطاقات الفاعلة وتعقد مسارات التنمية الحقيقية وتجذر البيروقراطية والمحسوبية والفساد وتصدع أبنية القطاع العام الداخلية وتقادم الأنظمة وذلك ما قلل من فائدة المواطن الذي هو جوهر عملية التنمية، وهو ما جعل المنجزات محدودة التأثير على مستقبل الأوطان نتيجة للانتهاء من تنفيذها بعد فوات الأوان. هذه جزء من حقائق مرحلة لها امتدادات سابقة وأخرى لا حقة سيكشف عنها التاريخ، وما يهم الآن في هذه اللحظة رسم معالم مرحلة جديدة في مسيرة العالم العربي محورها تغيير مجرى العالم من خلال ما هو متوفر من إمكانيات بشرية ومالية وثروات طبيعية وتهيئة المناخات للإنتاج والإبداع والابتكار. يجب أن ننجح أو ستدفع الأجيال القادمة ثمن إضاعتنا للوقت. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة