هل هو نوع من التشاؤم واستدعاء سوء الحظ أم هو نوع من الفطنة والتحسب أن نبادر بوضع المتوقع من الشرور قبل المنتظر من الخيرات في أي موقف نمر به ؟ فمثلاً لو أن أحدهم نظر في وجهك فلمح شيئاً غير معتاد وأراد تنبيهك فقد تكون مريضاً لماذا تبادره بالاستعاذة بالله من اقتراحه ؟ وإذا سمعت صوتاً عالياً خارج حدود مكانك فلماذا يكون الشر هو التوقع الأول قبل ان تستبين في الضوضاء زغاريد أو صرخات فرح ؟ بل وإذا بادرك أحدهم بما لا يتوافق مع موروثك من قيم أو عادات أو سلوكيات أو أفكار فلماذا ترفضها فوراً باعتبارها رجزاً من عمل الشيطان قد يطالك شره ويؤثر في سكينتك جديده .. شخص جديد يهل عليك زميلاً أو مديرً أو جاراً قلما ما يكون الاستبشار به خيراً ، هناك دوما تحفز وترقب ومالم يثبت خيره فإنه يظل شرا وتفسر كل تفصيلة في سلوكه أو كلامه على النحو المتوافق مع الحس التآمري الذي داخلنا حين دخل .. كلها مظاهر - في اعتقادي الشخصي - ساهمت ولا تزال في تأخر العرب عموماً ، لأنها مظاهر عربية بامتياز ، وهي دخيلة وليست أصيلة في العرب بدليل اننا أصل العلوم وأصل كل إبداع ولكن هذا كان قديماً عندما كان التفكير خارج الصندوق هو الأساس وهو المنطلق ، فلماذا انغلقنا على أنفسنا ولماذا ارتفعت حدة الشكوك في نفوسنا حتى صرنا نشك في أنفسنا وقدراتنا بل وفي ثوابتنا فنخاف عليها ان واجهت جديداً ألا تصمد أمامه لذا نحصنها بألف حجاب فنغلق العين والعقل والبصيرة ونمنع السؤال ؟ يروعني حين أراقب طفلاً ينمو ، ما يضعه أهله من عقبات أمام فضوله الطبيعي ،أراقب بحزن شديد كيف يدجن هذا الذي ولد حراً وكيف يصبح السؤال مثاراً للسخط والتخويف ، أراقب بغيظ وقلة حيلة أسبوعاً بعد أسبوع كيف يتحول الفضولي الصغير الى متخوف صغير يخاف أن ينزل به عقاب الله على كل صغيرة وكبيرة ، يخاف أن يطاله سخط أبويه على ما صغر من الأمور وما عظم ، يخاف ان يفقد حظوته والوجوه المبتسمة في طلعته إذا ما تجرأ وكسر حاجزاً من الحواجز الوهمية والتي يقوم أهله ببنائها بمهارة أمام كل أسبوع يتقدم به عمره ، فما يصل هذا المسكين إلى المدرسة إلا وقد عرف حدوده وفهم قاموس الممنوعات والعيب و الحرام والغلط وأصبح مواطنا عربيا نموذجيا يجدر به ان يلحق بقافلة المدجنين والمبتوري التفكير والخائفين من كل جديد ومن كل صوت يعلو خلف حوائطهم ومن كل فكرة تبرق ببشرى أمام أعينهم .. ليصبح مستهلكاً جديداً يضاف الى قائمة المستهلكين يأكل ويشرب و يستخدم ما يصنعه غيره من غير جبلته ولا يتوقف ليسأل نفسه حقاً لماذا يصنعون ونحن لا ، ولماذا يبدعون ونحن لا ، ولماذا ينتجون ونحن لا ؟