سبع سنوات حدثت فيها تحولات كبيرة على مستوى الوعي الثقافي والسياسي في المملكة والخليج العربي، فمنذ أن تولى خادم الحرمين الملك عبدالله - حفظه الله - الحكم، والحراك السياسي والثقافي والتعليمي والتنموي في تسارع غير مسبوق، نحن نعيش عصراً مختلفاً مليئاً بالتحديات، لكنه مليء بالإنجازات والفرص، على أن المسألة الأهم هي دعوة خادم الحرمين الشريفين في ديسمبر 2011م لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بأن يتحول المجلس إلى اتحاد، الفكرة مقبولة من حيث المبدأ والقادة لديهم الرغبة لكنها بحاجة إلى بعض الوقت من أجل أن تصل مرحلة النضج واجتماع القادة التشاوري الأسبوع الفائت يبين هذا التوجه ويدعو إليه، وهذا يعطي بارقة أمل كبيرة رغم أنه يثير بعض دول الجوار التي تتمنى أن نبقى متفرقين وضعفاء. في اعتقادي أن التوجه للاتحاد لا مفر منه ولا يمكن التراجع عنه، لأننا محاطون بالأعداء وهناك من يتربص بنا، ومن يسمع تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول التقارب الكبير بين البحرين والمملكة واحتمال أن يبدأ الاتحاد الخليجي بهاتين الدولتين يصل إلى يقين بأن الاتحاد الخليجي وصل إلى نقطة اللاعودة وأن أبناء الخليج يجب أن يعوا أنهم في فترة تاريخية تتطلب أن نفكر في المستقبل بشكل جماعي ويجب أن لا نترك أنفسنا فريسة لأطماع الآخرين. دعوة خادم الحرمين الشريفين للاتحاد تعبر عن إحساس بالمسؤولية الكبيرة التي تتحملها المملكة، ونحن على يقين بأن باقي دول الخليج تدرك أهمية هذه الدعوة وتقدرها وترى أنها آتية لا محالة. بالطيع نحن لا نريد أن نتباطأ في تفعيل هذا الاتحاد حتى لا ينفرد بنا الأعداء، كما أننا نتمنى أن لا يكون للخلافات البسيطة الجانبية بين دول الخليج دور في تعطيل الاتحاد، فقد أثبتت دول المجلس أنها عندما تعمل بشكل مشترك تصبح مؤثرة وقوية ويحسب لها ألف حساب، فهل نكره القوة وهل نرفض أن يكون لنا تأثير. في عهد خادم الحرمين الشريفين، - حفظه الله -، تشكلت سياسة جديدة في منطقة الخليج، هذه السياسة ترتكز على النفس الطويل والتعامل مع القضايا الكبيرة بحكمة وبعد نظر، وعدم إقحام المنطقة في قضايا وخلافات هي في غنى عنها، لكنها في نفس الوقت ترد على المعتدي بحزم وقوة. أبناء هذه المنطقة وحكامها يدركون أهمية الأمن ويعرفون تأثير منطقتهم على اقتصاد العالم، لذلك لم يندفعوا في يوم للرد على قول أحد، بما في ذلك إيران، حتى لو كان هذا القول فجاً وتنقصه السياسة والكياسة، فعندما يقول مدير صحيفة "كيهان" (وهو معين من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية على خامئني) بأن "الجمهورية الاسلامية الضامنة لسلامة ووحدة الأراضي الإيرانية، لها الحق في العمل على استعادة إقليم فصل عن الأمة الإسلامية" ويقصد هنا مملكة البحرين يعبر عن روح عدائية واضحة. هذه الوقاحة والتعدي على الدول المجاورة يجب أن يوقف بالاتحاد وأن يواجه بالعمل المشترك وأن يجابه بوحدة عسكرية وسياسة خارجية موحدة. يضيف مدير صحيفة "كيهان" بأن "أبناء البحرين يعتبرون أنفسهم إيرانيين وتفيد تقارير بأنهم يرغبون في العودة إلى إيران"، والحقيقة أن مثل هذا التدخل السافر لا يمكن مقابلته إلا بحزم، فإذا كان هناك قلة من أبناء البحرين يرون بأنهم "إيرانيون" فلا بأس بأن يركبوا طائرة أو سفينة ويعودوا إلى بلادهم، أما البحرين وأرضها وشعبها فهي عربية وستبقى من الوطن العربي الكبير ،وهي جزء من الاتحاد الخليجي القادم بإذن الله. التصريحات الإيرانية غير مسؤولة وزيارة الرئيس الإيراني الأخيرة لجزيرة أبو موسى الإماراتية، وغيرها من التدخلات السافرة لما يسمى بالجمهورية الاسلامية كلها مؤشرات تجعلنا نصر على الاتحاد، لكن يجب أن نعي أن الاتحاد الخليجي ليس موجهاً ضد إيران، بل موجه لخدمة المجتمع الخليجي ولتنميته. إنه اتحاد لا يعادي أحد بل يفكر في التنية والتكامل، لكن كما نعلم أن كل تنمية بحاجة إلى قوة تحميها، والتقارب بين دول المجلس في الفترة الأخيرة بيّن للجميع أن هذه الدول لا تفكر بأي حال أن تعمل منفردة وليس لديها النية أن تعمل ضد الاتحاد، لكنها ربما تتريث بعض الشيء وربما تحاول أن ترتب بيتها الداخلي لكنها تتجه في كل الأحوال إلى التكامل. ما تتمناه إيران هو أن تبقى دول الخليج ضعيفة ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فقد انتفضت مذعورة من فكرة الاتحاد بين دول الخليج ودعت الإيرانيين للتظاهر ضد الاتحاد، وهذا يؤكد أهمية أن نسعى فعلاً أن نجعل من "الكابوس الخليجي" حقيقة لدى الإيرانيين، فبهذا فقط يمكن ردعهم وإيقافهم عند حدهم. نحن نتمنى الكثير ونتوقع من قادة الخليج الأكثر، نرى المستقبل أكثر أمنا واستقراراً لكن يجب أن نعمل اليوم من أجل هذا المستقبل. نأمل في الوحدة والاتحاد، لكن يجب أن يكون هذا عبر مشروع اتحادي واضح لا مجرد فكرة تستمر ثلاثة عقود أخرى، لا نريد أن نفوت الفرصة تلو الأخرى علينا، ونتحسر بعد فوات الأوان. الأحداث والتاريخ يؤكدان على أهمية الاتحاد وردود فعل الدول المجاورة لنا تبين عداءها لنا وعدم رغبتها في أن نصبح قوة واحدة، فهذا ضد مصالحها لكنه يخدم مصالحنا، فهل نضر بمصلحتنا ونخدم مصلحة الآخرين. الاتحاد ليس مسألة عاطفية أو رغبة في تحقيق حلم الوحدة العربية، وإن كان هذا أمراً مشروعاً، لكنه ينبع من حاجة ملحة وسريعة، إنه ليس رفاهية لكنه حل ناجع لمشكلة بتنا نواجهها يومياً وهي التهديد الإيراني، فمرة ستغلق الجمهورية الإسلامية مضيق هرمز ومرة تهدد دول الجوار وتتدخل في شؤونهم الداخلية ومرة تجري مناورات عرض للقوة، ونحن نتفرج بصمت. الاتحاد هو الرد على كل هذه الترهات الإيرانية وعلى كل من تسول له نفسه الاعتداء على إحدى دول الخليج. نريده اتحاداً يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق، ويجب على قادة دول الخليج أن يحققوا هذا الحلم قبل أن يجدوا أنفسهم غير قادرين على تحقيقه. ما نأمله ونحن نعيش الذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين أن يتحقق الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه - حفظه الله -، ونتمنى أن نحتفل بهذا الاتحاد قريباً، ونتمناه اتحاداً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لأننا نعلم أن هناك اتحاداً ثقافياً واجتماعياً عميقاً بين أبناء الخليج. هذه الأمنية بحاجة إلى حكمة وعمل وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، ولنتعلم من خادم الحرمين، - أيده الله -، هذه الثقافة التي تقدم المصلحة العامة على الخاصة ومصلحة الشعوب على مصلحة الأفراد، فهذه الثقافة وحدها ستكون المنقذة لنا، بعد الله.