أطل موسم الصيف بتباشير ساخنة تنذر بموسم طارد في رحلات سفر حتى للمناطق الحارة. وإطلالة هذا الموسم هي تكرار للموال القديم الذي تتحفنا به الخطوط السعودية باستئجار خردة الغير لتصبح مراكب سفر السعوديين. وكم سمعنا عن "تيبس" مفاصل بعض تلك الطائرات عند محاولة الهبوط لعدم قدرة الإطارات على النزول. وبالرغم من أن الحكمة تقول "إذا ابتليتم فاستتروا. إلا أن خطوطنا العزيزة تجاوزت الأمر فأصبحت بعض المحطات لا تعني لها شيئا فتشحن الركاب في تلك الخردة المسماة تجاوزا طائرات. ويغيب عن ذهن القائمين عليها أن السمعة كل متكامل لا يتجزأ. ففقدان السمعة لم تعد محط اهتمام وإدارة المؤسسة، وبالتالي تم تصنيف الموضوع عندهم وفق قاعدتنا الشهيرة"كله عند العرب صابون". وتحول أمر تلك الطائرات من سوء الطائر إلى سوء خدمة الطاقم الخدمي على متنه. ولقد مررت بتجربة ذاتية على طائرة مستأجرة في رحلة بين الرياض وهونج كونج، فمعظم التجهيزات التي يتوقع الراكب أن يجدها بمتناول يده لا تعمل مثل تشغيل خدمات الترفيه. وإذا طلبت المساعدة أتاك الرد "بنفس شينة". المصيبة أن مواسم إدارة الخردة لم تعد مقتصرة على ناقلنا الجوي، بل أصبحت ثقافة تجذرت شيئا فشيئا في ممارستنا المؤسسية الأخرى. ففي موسم حج كل عام أيضا يتم استئجار بعض الباصات الخردة في النقل العام بين المشاعر, وتتكرر تلك المناظر المزعجة عاما بعد الآخر. ولم يعد يقتصر الأمر على الثقافة جلب الخردة وإنما أصبح لدينا الآن ممارسة جديدة تتمثل في تحويل الجديد إلى خردة بسرعة مذهلة. مثل تحويل أتوبيسات النقل المدرسي خلال عامين أو اقل لتصبح وكأنها من مخلفات معركة شوارع. وسرعان ما لحق بها قطارنا الجديد الذي أصابت مفاصله هو الآخر حالة من التيبس استوجبت حضور عشرات الخبراء للكشف عن علته وهو جديد. وفي تجذر ثقافي آخر لثقافة إدارة الخردة ما تقوم به بعض البنوك في شراء خردة البنوك الدولية عندما تبيع رجيع أجهزة الصرف الآلي لتصبح هي خدمة التميز عندنا. طبعا الأمر لا يقف عند هذا الحد فهناك ممارسة بيع الإطارات المستعملة التي تودي بأرواح الكثير من الناس بسبب غياب الإحساس بالمسؤولية تجاه النفس والغير. الأمر المأساوي الذي يجمع بين تلك المشاهد التي تجذرت في الخدمات المقدمة لنا هو غياب "ثقافة الأمن والسلامة". وبالتالي طرحت السؤال على نفسي لعلي اقتنع بجواب الذات فلم افلح, فمن يا ترى المسؤول عن الأمن والسلامة في تلك المناظر التي غزت حياتنا؟ وهل الأمن والسلامة إجراء احترازي أم هو رد فعل لتجنب الكوارث؟ الذي عرفته أن ثقافة الأمن والسلامة هي رد فعل أكثر منه فكر استباقي. فأجهزة الأمن والسلامة والدفاع المدني في مطار الملك عبدالعزيز بجدة رشت مدرج المطار بالرغوة حتى تنزل تلك الطائرة المستأجرة والتي تيبست مفاصلها في الجو. وقس على هذا كم من ميزانية الدفاع المدني التي تصرف على إدارة الخردة في حياتنا العامة. فهل هذا يعتبر من هدر المال العام على مؤسسات لا تعرف معنى الأمن والسلامة؟ أم نتوقع من الدفاع المدني فرض عقوبات على تلك الثقافة المستهترة مؤسسيا؟ إنها معادلة صعبة وتكمن مأسويتها في ذهاب أرواح أبرياء ينتهي بنا المطاف بالترحم عليهم وتعليق سلوكنا المستهتر على شماعة القضاء والقدر دون اللجوء إلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون". فأصبحنا الآن نتركها في الشوارع والأجواء والمؤسسات حتى المدارس لم تخلُ من الحرائق. فالوقاية والحذر وفرض الغرامات بداية لغرس ثقافة الأمن والسلامة ويتبعها الاعتراض المؤسسي والإعلامي ومكافحة الفساد على تلك الخردوات التي تجاوزت المواسم لتصبح موروثا ثقافيا تتناقله الأجيال.