أي تجربة جديدة بمشروع إستراتيجي كبير، لا بد أن تتعرض للاعتراض والنقد والتشكيك والجدل الطويل، وهذا طبيعي، وموضوع الانتقال من مجلس التعاون إلى الاتحاد الخليجي، نعتقد أنه أهم موضوع بعد أمر احتلال الكويت؛ لأنه يبحث عن مرحلة غير عادية، في زمن غير عادي، وهذه القمة، رغم أنها تشاورية، فالاهتمام بها ارتقى على كل القمم، حتى أن الندوات والمقالات، والأحاديث التي لم تقتصر على الحدود الخليجية لتكون مركز تساؤل من قبل دول عربية وخارجية كخطوة جديدة تقوم على الحوار والتراضي في خلق كيان خليجي يشكل قوة مهمة عسكرية واقتصادية واجتماعية.. لا نريد تكرار العوامل والمعطيات المشتركة التي تجعل الاتحاد ضرورة، وبمنطق الظروف القائمة، والمستقبل البعيد الذي يجعل هذه المنطقة قوة حيوية بإمكاناتها المختلفة، وبعيداً عن العاطفة، فإن الحسابات الدقيقة التي تفرض حتمية هذا الاتحاد، ولدت في مجلس التعاون عندما تم بعض الانجازات، لكن التصوّر بكيان متكامل، أخذ دوره من العديد من الدراسات والتصورات، وكانت البداية اقتصادية باعتبارها القائمة الأساسية التي تسبق غيرها من الاتفاقات، لكن الواقع المحيط بهذه الدول رفع سقف الاهتمامات للواقع الأمني والعسكري، لأنه بدون حماية ذاتية، لا يمكن الجزم بنوايا قوى إقليمية أو دولية طالما المصالح تحدد المسارات، وإلحاح هذا السبب يأتي جوهرياً وينسجم مع طبيعة مجريات الأحداث وتسارعها.. القمة لن تكون ذات طابع رسمي تصدر عنها بيانات مشتركة، لكنها بأهمية تلك القمم، وموضوع أن تكون ساخنة، يحدد سببها قيمة المشروع ذاته، لأن الإقدام على تغيير جوهري في طبيعة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها لهذه الدول لم ينشأ نتيجة ظرف طارئ، وإلا فإن الاتحاد الأوروبي لا تهدده أي مخاوف خارجية، وترعرع وقام وفق إرادة عامة التقت مع المصالح القومية لدول لا تربطها ثقافة أو تاريخ مشترك، بل جغرافيا سياسية فرضت أن يكون هذا التجمع الكبير ضرورة تلتقي مع المصالح العليا، ودول الخليج العربي، تخوض هذه التجربة بعمل يطرح أسسه، وموضوع التنفيذ قد يخضع للتدرج، وهي عملية حتى لو أخذت مدى أبعد فهي ترسم خطة طريق، سيتجاوز مع الأيام العقبات الناشئة، أو الطارئة.. لقد كان حلم كل عربي منذ استقلال معظم الدول العربية، ايجاد وحدة عربية، وقطعاً كانت أسباب موت الحلم طبيعة النزاعات التي نشأت بعد الاستقلال، وقد طرح مشروع وحدات أو كونفودراليات عربية لبلاد الشام، وحوض النيل والمغرب العربي، وغابت الجزيرة العربية عن هذا التصور، لأن المطروح كان يعتمد على فكر يصعب تنفيذه في ظل الظروف السائدة، لكننا الآن نعيد، وبقوة، اتحاداً خليجياً تتوفر له كل عوامل النجاح، وتبقى الإرادة التي تعد وتنفذ، هي المسؤولة عن وضع الأسس لحلم قابل للتحقيق، والموضوع لا يقبل القفز على الحواجز وتخطي الواقع، لكنه لا يقبل الجدل الذي يتسبب في إعاقته، طالما كل الفرص تهيىء لهذا المشروع الكبير..