لا تزال أسعار الغذاء في أسواق السلع العالمية بالقرب من أعلى مستوياتها التاريخية رغم التراجع الطفيف الذي شهدته خلال شهر ابريل الماضي. كما أن أسعار الغذاء في أسواق التجزئة في دول مجلس التعاون الخليجي تواصل ارتفاعها. وترى مجموعة بنك قطر الوطني أن أزمة الغذاء العالمية التي بدأت في عام 2007 ما تزال تراوح مكانها. وشهدت أسعار الغذاء العالمية، طبقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، استقراراً نسبياً خلال الفترة بين عامي 1990-2005. وحتى عندما ارتفعت أسعار الغذاء في تلك الفترة لم يتجاوز هذا الارتفاع نسبة %15 عن متوسط أسعار الغذاء خلالها. علاوة على ذلك، وعلى أساس الأسعار الثابتة، فإن أسعار الغذاء في عام 2005 كانت منخفضة بنسبة %50 عن أسعار الغذاء في عام 1975 نتيجةً لزيادة الإنتاج وارتفاع النشاط التجاري في السلع الغذائية. لكن بحلول عام 2007، ظهر مسار جديد في أسعار الغذاء العالمية، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة %25 خلال ذلك العام. كما واصلت الأسعار ارتفاعها لتبلغ ذروتها في يونيو من عام 2008، لتصل إلى ما يقارب ضعف مستويات الأسعار في عام 2005. وقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى عملية تصحيح قوية في أسواق الغذاء العالمية خلال فصل الخريف من عام 2008، حيث تراجعت الأسعار بمعدل الثلث. وطوال الثمانية عشر شهراً التالية، تعافت الأسعار بشكل تدريجي حتى أغسطس عام 2010. جاءت عقب ذلك موجة صاعدة أخرى لترتفع الأسعار إلى مستويات تاريخية جديدة في فبراير عام 2011 حيث تجاوزت المستويات المرتفعة السابقة في عام 2008 بنسبة %6. ورغم أن الأسعار تراجعت خلال بقية عام 2011 بنسبة %10، إلا أنها عاودت الارتفاع مع بداية عام 2012، إلى أن تراجعت بشكل طفيف (%1.4) خلال الشهر الماضي ومن المبكر جداً تحديد ما إذا كان هذا التراجع هو مجرد تذبذب في الأسعار أو مسار جديد هابط في الأسواق. ومن المتوقع أن يؤثر مسار أسعار الغذاء خلال العام المقبل على الأمن الغذائي في كثير من الدول، بل وحتى سيكون له تأثير على الاستقرار السياسي في بعضها. وهناك عاملان لهما أهمية خاصة. أولهما، تحويل المحاصيل الزراعية إلى وقود حيوي ما أدى إلى تقليص إمدادات الغذاء. وحالياً يتم استخدام أكثر من ثلث محصول الذرة في الولاياتالمتحدة (والتي تنتج %40 من المحصول العالمي) لإنتاج الإيثانول، مقارنة مع %6 فقط من محصولها في عام 2000. ويأتي هذا بسبب سياسات أمن الطاقة التي تتطلب إضافة الإيثانول إلى البنزين – ويمثل حالياً ما يقارب %10 من الوقود المستخدم في الولاياتالمتحدة كما قدمت دعما هائلا للمزارعين. وفي حال استمرت أسعار الغذاء عند المستويات المرتفعة الحالية، أو ارتفعت مجدداً للمرة الثالثة في عام 2013، فإن ذلك سيؤدي إلى صعوبات جمة في الدول الفقيرة وإلى اضطرابات. من المحتمل أن يلعب انتهاء دعم الحكومة الأميركية للايثانول هذه العام دوراً ايجابياً في تجنب ارتفاع جديد في أسعار الغذاء، وتتوقع وحدة معلومات الايكونومست انخفاض أسعار الذرة. لكن على النقيض، يمكن أن تؤدي ارتفاع أسعار النفط الخام إلى زيادة الطلب على الوقود الحيوي.