لم يكن الموقف بحاجة لأكثر من تحرك مجموعة من العقلاء كي تعود المياه إلى مجاريها في الأزمة بين المملكة ومصر. فالدولتان والشعبان يدركان مدى أهمية العلاقة المشتركة بينهما، وهما، فضلا عن ذلك، يعلمان جيدا أن في علاقتهما كثيرا من التشابك والعلائق لدرجة ان أي محاولة مشبوهة للفصل بينهما أو حتى الاكتفاء بعلاقات باردة لن تنجح بل ستؤذي الطرفين أشد الإيذاء. الحق إن هذه الأزمة لا تعدو ان تكون زوبعة في فنجان. إذ لم يكن العتب السعودي نتيجة موقف شعبي أو رسمي من مصر بقدر ما كان موجها للعقلاء الذين تركوا السفهاء لتصدر المشهد. والمفرح هو ان الرسالة السعودية وصلت فعلا إلى العقلاء من الأشقاء فحضرت كافة أطياف الشعب المصري للرياض لتثبت مقدار تقديرهم للمملكة وحبهم لها وحرصهم على صون العلاقة التي تجمعهم بها. الموقف السعودي الذي عبر عنه خادم الحرمين الشريفين في لقائه بالوفد المصري يعد درسا من دروس الدبلوماسية السعودية التي اشتهرت بالرصانة والاتزان. إذ قال الملك عبدالله للوفد ان العلاقة بين الأشقاء "تقوم في حالة الخلاف على أسس العتب لا على قواعد الخصومة، وإن العتب بين الأشقاء باب واسع تدخل منه العقلانية والوعي". ثم أضاف بشهامته المعروفة وبحسه العربي الأصيل في معرض تقديره لمسعى الوفد الشعبي المصري "أمام هذا الموقف النبيل لا يسعني غير أن أقول لكم بأننا لن نسمح لهذه الأزمة العابرة أن تطول، وكلي أمل أن يقف الإعلام المصري والسعودي موقفاً كريماً وليقل خيراً أو يصمت". هذه الأزمة العابرة، كما سماها الملك عبدالله، كان لها، على كل حال، جانب إيجابي. إذ انها أوضحت، قولا وفعلا، مقدار تثمين كلا البلدين لعلاقاتهما المشتركة، وأوضحت، كذلك، ان الصمت يتيح للأبواق المشبوهة تحريك السفهاء والغوغاء في اتجاه لا يحمد محب، مشفق على أمته، عقباه. كما أثبتت الأزمة بان المملكة العربية السعودية تقف إلى جانب مصر وشعبها في خياراتهم السياسية وتساندهم في تحقيق ما يصبون إليه للعبور من هذه الفترة الانتقالية في تاريخهم. بيد ان ما يؤلم المرء هو انزلاق بعض الوسائل الإعلامية، بحسن أو بسوء نية، لتكون مجرد حطب في نيران من يحاولون إشعال الكراهية بالبيت العربي. تلك الوسائل ينبغي عليها ان تعي خطورة الكلمة فعلى كاهلهم يقع، بوضوح، جزء كبير من مسئولية تجييش النفوس وتصعيد المواقف حتى قبل التثبت من صحتها. لا شك لدي أن مشعلي الفتن وأصحاب الأجندات الخفية يشعرون الآن بالحسرة، فالأمور تطورت إلى العكس تماما مما كانوا يرمون إليه. فالعلاقات اليوم أصبحت أصلب والقلوب أضحت أقرب.