لاحظ النقاد القدماء أن الشعراء من أبخل البشر، وأشد في هذه الخصلة من بخلاء الجاحظ، مع الفارق، فالشاعر يقول خمسين بيتاً كلها جيدة إلا بيتاً هزيلاً سقيماً فيبخل به أن يسقطه من القصيدة.. وملاحظة النقاد صائبة، فكثير من روائع القصائد لا تخلو من بيت سقيم ومع ذلك يبخل الشاعر بهذا البيت فلا يسقطه من القصيدة، بل يبقيه وكأنه جزء من ثروته مع أنه نقطة ضعف في القصيدة ووسيلة تشويه للأبيات الجميلة.. حتى شاعر العربية الكبير وجد النقاد في ثنايا قصائده أبياتاً ضعيفة لا تليق بمقامه، ورغم مراجعة المتنبي لشعره فإنه لم يحذف تلك الأبيات.. بخل أن يخسرها.. الشعراء بخلاء فهم لا يهبون أبياتهم الضعيفة لسلة المهملات! مثلاً بيت المتنبي: «جفخت وهم لا يجفخون بهابهم شيم على الحسب الأغر دلائل» أصبح أضحوكة البلاغيين، ومثالاً صارخاً للغلاظة في اللفظ، مع أن مرادف: جفخت: فخرت.. والوزن واحد!