السوق العقارية السعودية لم تستجب بشكل فعّال لقرار خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله –بإنشاء أضخم مشروع سكني في التاريخ، حيث أمر حفظه الله بتحويل مبلغ 250 مليار ريال من فائض ميزانية العام المالي 2011م إلى حساب في مؤسسة النقد العربي السعودي وتخصيصه لتمويل بناء 500 ألف وحدة سكنية إنفاذا للأمر الملكي الصادر في 13 ربيع الثاني 1432ه. وهذا القرار سيساهم بالتأكيد في رفع نسبة تملك السعوديين لمساكنهم، وهذا سينعكس على تعزيز الاستقرار من خلال رفع قدرة القطاع العائلي على امتصاص الصدمات. وضعف استجابة السوق العقارية لهذا القرار يؤكد على مدى الحاجة إلى مراجعة الوضع العام للقطاع العقاري في المملكة. فعلى المستوى الكلي للاقتصاد هناك ضعف حاد في مستوى التوازن بين القطاع العقاري وبقية القطاعات الاقتصادية لاسيما قطاع التشييد والبناء. لقد تحول معظم رواد التجارة والصناعة إلى عقاريين وبدأ قطاع التشييد والبناء بالضعف التدريجي والانحياز إلى الاستثمار في حيازة العقارات. فمعظم عمليات الإنشاءات القائمة (والمحتملة خلال السنوات القليلة القادمة) تتم على أراضٍ سكنية تمت حيازتها قبل الارتفاعات القياسية في الأسعار. والآن المعادلة مختلة تماما، فقيمة الأرض تعادل 60% من قيمة البناء، ويضاف إلى ذلك أن العائد من حيازة الأرض أعلى من عائد بنائها وبيعها أو تأجيرها. وفاقم من سوء الأوضاع وجود فراغ تشريعي شوه المدن الرئيسة للمملكة، وأضعف قدرة الطبقة المتوسطة على امتلاك منزل اقتصادي بشروط عادلة. حيث يمكن تلخيص الوضع العام للقطاع العقاري بالآتي: توجد أراضٍ غير مستغلة في أحياء مضى على إنشائها أكثر من 40 سنة، ومعظم الأحياء الحديثة لم يكتمل بناء 60% منها. ارتفاع سعر الأرض وانخفاض سعر المنزل باستثناء الثلاث سنوات الأخيرة التي شهدت فيها أسعار الأراضي ومواد البناء ارتفاعات قياسية. مركز المدينة غير مستقر ويزحف مع النمو العمراني، وانخفاض مستوى الاهتمام بالأحياء القديمة. تباين كبير في حجم المدن السعودية. وهذه الخصائص مجتمعةً تعرقل عملية التنمية وتعيق دخول المدن السعودية في مصاف المدن العالمية. ولتفادي هذه السلبيات وتحقيق التوازن بين القطاع العقاري والقطاعات الاقتصادية الأخرى ينبغي ملء الفراغ التشريعي من خلال إقرار المنظومة المالية (نظام التمويل العقاري، ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام الإيجار التمويلي، ونظام الرهن العقاري، ونظام قضاء التنفيذ). لكن يجب قبل إقرار المنظومة المالية علاج الاختلالات في السوق العقارية، وذلك من خلال فرض ضريبة على الأراضي غير المستغلة في المناطق الداخلية (داخل الدائري) للمدن الرئيسة للمملكة (الرياض، ومكة، وجدة، والدمام ...الخ). على أن لا تتجاوز 1% في المرحلة الأولى، ثم ينظر في حجم الضريبة ونطاق التطبيق. والغرض من انخفاض مستوى الضريبة في المرحلة الأولى هو اعطاء فرصة كافية للقطاع العقاري وبقية القطاعات الأخرى لاستيعاب التغير وتحقيق التوازن. وفي هذه الحالة ستكون الضريبة أهم أدوات الحكومة في توجيه السوق العقارية لاسيما بعد أن ضعفت قدرة الحكومة في توجيه السوق بسبب انتقال معظم الأراضي من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة. قرار فرض الضريبة على الأراضي غير المستغلة سيحول القطاع العقاري من قطاع معيق للتنمية إلى قطاع داعم ومساند لها. وفي نفس الوقت سيساهم في علاج مشكلة تأخر المواطنين في بدء مشروع امتلاك المنزل الذي تأخر إلى ما فوق 50 سنة، وأثر بشكلٍ بالغ في إضعاف حافز الادخار لدى الشباب الذي يندفع بشكل متزايد نحو استهلاك السلع الكمالية. * [email protected] مستشار اقتصادي