قد لا يعرف كثيرون وخاصة من الجيل الجديد عن الدكتور عبدالله الصالح العثيمين معلومات أكثر من كونه أحد جهابذة التاريخ السعودي وأميناً عاماً لجائزة الملك فيصل العالمية.. ولكن المثقفون والمطلعون يدركون أنه يشارك بفعالية في الكتابة حول قضايا الأمة وأزماتها كما يعرفون أنه من شعراء الفصحى الصادعين بقصائدهم في أكثر من ديوان. ولكني سأتحدث عن جانب آخر من شخصية هذا العملاق لم تتضح معالمه ولم يحرص هو على إبرازه أو تسليط الضوء عليه وهو علاقته الوثيقة بالشعر النبطي. والحقيقة أن العثيمين كان من القلائل الذين أدركوا أهمية الشعر النبطي كمصدر تاريخي ونشر بحثاً حول ذلك برهن فيه على مصدريته ودعا فيه المؤرخين إلى عدم تجاهله وذلك في مرحلة مبكرة كان الأكاديميون فيها ينظرون إلى هذا الشعر نظرة دونية، ثم عمل العثيمين بعد ذلك على الاستفادة منه في بحوثه ودراساته التاريخية وخاصة كتابه (نشأة إمارة آل رشيد) ولكني لم أكن أعلم أن علاقته بالشعر النبطي تمتد إلى أكثر من ذلك حتى اكتشفت أن ولع أهل عنيزة بالشعر النبطي قد أدركه ذات أمسية للأمير خالد الفيصل في القاهرة سنة 1415ه كان العثيمين عريفها وكنت أحد حضورها الذين أُشغلوا عنها بالترجمة لأحد الصحفيين المصريين القابعين بجواري! وقد قام العثيمين بتقديم الأمير بقصيدة نبطية طريفة ظريفة مطلعها: من يفك المقدّم يا حضور لى سرت ربعته مع من سرى خايفٍ يقعد بدربه غيور باع في سوق غدرا واشترى قابلته من الغد في أحد ممرات الفندق وطلبت منه نسخة من قصيدته فاعتذر بلطفه المعهود ولكني وجدت بعض أبياتها بعد فترة منشورة في زاوية عبدالعزيز الذكير في جريدة "الرياض" وما زلت احتفظ بقصاصتها. وقد قرأت له في مجلة اليمامة فيما بعد عدد من القصائد يقول في مطلع أحدها: كل العالم بيد أمريكا تلعب به طاش وما طاش وقوله في مطلع قصيدته عندما سقط الدكتور إبراهيم السعفي فوق المسرح بعد تسلمه جائزة الملك فيصل في الأدب سنة 1421ه: الحمد للي فك شيخ السعافين الطيحة اللي طاحها جت سليمة وكان قد توارد إلى أسماعي منذ فترة طويلة أن العثيمين أصدر ديواناً جمع فيه شيئاً من قصائده النبطية تحت عنوان (نمونة قصيد) فبحثت عنه في المكتبات ولم أجده فانصرفت عنه حتى جمعتني بالعثيمين إحدى المناسبات الثقافية فسمعت منه ما أطربني وسألته عن ديوانه فأخبرني أنه طبع في سنة 1416ه وأنه قد تبرع به لمركز بن صالح في عنيزة وربما يكون هذا هو السبب في عدم انتشاره، ووعدني بنسخة خاصة فوفى بوعده ورغم أن هذا الديوان الصغير لم يحتو إلا جزءاً يسيرا من قصائده النبطية فهو على اسمه (نمونة) والنمونة تعني العيّنة أو الأنموذج كما قال الضحيك: لولا أن جدك من جدودي قريب لأحط لك من كل شكلِ نمونة إلا إن هذه النمونة تعطي انطباعاً جميلاً عن تنوع مواهبه وقدراته الشعرية التي ربما تكون سابقة لشعره الفصيح بل هي تمتد إلى أيام الطلب، وقد أضاف لهذه النمونة بعداً تاريخياً بذكر مناسبات القصائد وتواريخها وأزعم أن لدى الدكتور من البوح الشعري الرقيق ما لا يريد البوح به ومما هذه النمونة قوله: من حفظ كلمتينِِِِ من كتابة خواجه قال أنا العالم اللي وخروا عن مكاني ما تعرفونني يا راكبين الحداجة ما لكم يابدو وأفكار هذا الزمانٍ وقوله: وصار ثوب الدين ما يعرف مقامه يلبسه من هو مذاهبهم وسيعة كل من كوّر على راسه عمامه قال أنا المفتي وأنا قاضي الشريعة