«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 21 - 01 - 2011

ربما يمثل هذا الحوار الوصية الأخيرة للشاعر والمربي عبد الله بن عبد الرحمن العرفج الذي عرف من الحياة بؤسها أكثر مما عرف من مجدها وزهوها، لكنه قفز بعنفوان الإنسان الممتلئ بالحيوية والمرح والأمل شاعرا بوعي جمعي متراكم من أجيال الشعراء العرب فانتصبت القصيدة شجرة عطاء لا ينضب .. العرفج الذي اشتهر بشاعر تميم وينتمي إلى بيت سيادة وزعامة فهو من آل بوعليان من العناقر من بني سعد من تميم من عشيرة حجيلان زعيم القصيم في زمنه الذين كانت لهم السيادة على بريدة مدة ثلاثمائة عام، وعمة جده (لولوة بنت عبد الرحمن العرفج) المشهورة بالعرفجية التي ثأرت لمقتل ابنها أمير بريدة آنذاك بقتل سبعة من قاتليه بسيفها دفعة واحدة .. حدثني عن أيام الترحال والبدو فكان جزلا، وتناول سنوات ركضه متعلما ومعلما في مدارس الطين فوجدته واعيا مدركا ومتذكرا تفاصيل سنواته التسعين .. اعترف بإنجرافه خلف شعارات القومية العربية، وقال بأنه خجل من رجولته أمام جهاد الجزائرية جميلة بوحريد. وصف رسالة الزيات بالجامعة واتهم في الوقت نفسه التيار الثقافي العربي بالخضوع للتسييس. وفي مجتمع محافظ جدا لم يتردد عن البوح بجرأته في المبادرة بكسر تحفظ المجتمع عندما كان مدرسا معلنا بكل صراحة أن المرأة تظل استثناء في شعره رغم قلته .. حوار يخرج من الذاكرة ويعود إليها بدأه ضيفنا بقوله:
ظللت أنام كل يوم منذ أن تفتحت عيناي على طفولتي لأستيقظ في اليوم التالي فأكتشف أنني لم أعد طفلا، فقد عشت في بيئة ميزت أهالي عنيزة عن غيرهم لتنورهم الفكري نتيجة أسفارهم الكثيرة إلى الهند ومصر واحتكاكهم بحضارة العالم الآخر فأصبح لديهم وعي ثقافي وتعليمي أكثر من غيرهم، فقد اصطحبني والدي إلى مدرسة ابن صالح وكنت قد درست قبل ذلك في الكتاتيب عند خالي عبدالرحمن السليمان الدامغ جد الشيخ محمد بن صالح العثيمين لأمه رحمهما الله ثم حضر رجل إلى عنيزة من أهلها كانت حياته ودراسته في بغداد اسمه صالح محمد الخنيني حيث درست عنده بضع سنوات ثم التحقت بمدرسة عبد العزيز صالح الدامغ وتعلمت فيها الخط والإملاء والقرآن الكريم والحساب بأجر شهري قدره ريال فرنسي والذي كان يكفي مصاريف البيت كله، تصور أن الطلي نشتريه في تلك الأيام بخمسة ريالات ويعتبر غاليا أيضا فما بالك واليوم قيمته 1500ريال، ومع المدرسة انتظمت في حلقات المساجد ودرست الفقه واللغة العربية والعلوم الدينية على يد عبد الرحمن بن سعدي وعبد الله صالح الخليفي وكان قاضيا بالجوف وهو ابن عم الشيخ عبد الله الخليفي إمام الحرم رحمهم الله جميعا وقد تعلمت منه قسمة المواريث عندما درسنا مادة الرحبية وأتذكر قصة واقعية حدثت في الجوف ليشرح لنا مسألة (عدم إرث زاهقا عن زاهق) تفسيرا لقول الرحبي:
وإن يمت قوم بهدم أوغرق
أوحادث عم الجميع كالحرق
ولم يكن يعلم حال السابق
فلا تورث زاهقا من زاهق
وعدهم كأنهم أجانب
فهكذا القول السديد الصائب
فشرح لنا القصة عن شاب تزوج فتاة في الجوف وصعدا سويا إلى نخلة في أول أيام الزواج فسقطا منها وماتا سويا ولم يعرف من سبق الآخر في الوفاة ففي مثل هذه الحالة أو في حوادث الطرق إذا لم يعرف من سبق الآخر أوفي حالات الغرق والحرق فإنهما لايرثان من بعضهما.
• إلى أي مدى شعرتم بحجم المعاناة في المراحل الأولية لتأسيس التعليم؟
أعتقد أن الملك عبد العزيز رحمه الله لم يأخذ حقه من الكتابة في موضوع التعليم فقد أولى هذا الجانب اهتماما كبيرا، وكان يرسل طلبة العلم إلى قرى وهجر البادية ليعلموا الناس، كما أوصى عام 1356ه بفتح سبع مدارس في كل من بريدة، عنيزة، حائل، الجوف، شقراء، المجمعة، والأحساء وبدأت التدريس في حائل في هذه المدرسة التي افتتحها الملك سعود رحمه الله ولم أتجاوز السابعة عشرة من عمري براتب قدره ثلاثون ريالا وعينت في تلك المدرسة ضمن عدد من السعوديين مثل سليمان السكيت وصالح الطويرب ومحمد الخلف وبقيت أعمل في مدرسة حائل السعودية إلى أن تم نقلي إلى الرس فسافرت مع والدتي رحمها الله برفقة الجمال حمد العرزون ظهر أحد أيام رمضان ولم نصل إلا بعد غروب اليوم التالي.
• واجهتم اعتراضات من بعض المشايخ على أسلوب التدريس؟
لم تشغلني هذه الاعتراضات كثيرا فقد كنت سعيدا ومقتنعا بما حققنناه وتفوقنا به على كثير من مدارس المملكة في أسلوب تدريسنا ومناهجنا وأعتقد أننا ملكنا الجرأة لنقوم بعدد من الأنشطة التي لم يعتدها المجتمع تلك الفترة حيث لعبنا رياضة الكرة قبل غيرنا في جميع مدارس المملكة عام 1365ه واعتمدناها ضمن الجدول الدراسي وكنا أول مدرسة في منطقة القصيم تدرج الرياضة ضمن برامجها اليومية كما قدمنا المسرحيات الجيدة ولا أنسى كلمة مدير المعارف آنذاك محمد عبد العزيز بن مانع عندما قال لأهل الرس عندما سمع بنقلي إلى جدة: صلوا على مدرستكم صلاة الغائب. ومن طلابي الذين تقلدوا مناصب كبيرة في الدولة د. إبراهيم محمد العواجي، صالح المالك، ابن عمه منصور المالك رئيس ديوان المظالم سابقا، فهد العريفي، صالح محمد العايد، عبد الله محمد العقل، ناصر العساف، والدكتور صالح المالك رحمه الله وغيرهم ممن لا يحضرون في الذاكرة حاليا.
• لماذا خرجت من مسقط رأسك وجئت إلى جدة رغم العروض التي قدمت لك هناك؟
أنا أول من فتح مدرسة حكومية تابعة لمديرية المعارف عام 1360ه وفي تلك الفترة أجريت مسابقة لاختيار مديري تعليم في عدد من المناطق فاحتللت المركز الرابع من بين خمسين شخصاً فقال لي سعد أبومعطي وكيل وزارة المعارف رحمه الله آنذاك: لدينا موقع شاغر لمنصب مدير تعليم في وادي الدواسر وليلى فاعتذرت منه لكون تلك المناطق بدائية جدا تلك الأيام، ولحرصي على التواجد بجوار أبنائي في تلك الفترة التي كنت فيها في الثلاثين من عمري فخيروني للذهاب إلى جدة كمشرف تربوي فوافقت لأنها مدينة متحضرة وستكون فرصة تعليم أبنائي فيها أفضل وهكذا شاء القدر لي عام 1380 ه، فجئت وعملت مع الحصين وعبدالله بوقس وإبراهيم العقيلي وكلفت خلالها بمسح الأودية والجبال وكان لي شرف فتح 50 في المائة من مدارس قرى جدة وكنا نفتح بعض المدارس في مناطق فقيرة جدا مثل المدرسة التي فتحناها في قرية (عليب) في محافظة الليث فقد صدر أمر بفتح مدرسة لهم ولم نجد مبنى لفتح المدرسة ووجدتهم فقراء لا يملكون شيئا، فقررنا فتحها في وادي حلفا ببناء من العشش وبعد بنائها اعتدى على المدرسة جيران لهم غاروا منهم فأحرقوا المدرسة فوصل الخبر إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز فأمر بسجن المعتدين وحبسهم. وبعد التقاعد الممدد في عام 1405ه استقر بي الحال بعد أن بنيت وتزوج أغلب أبنائي وزان لي المقام فيها إلى اليوم.
• وهل هذا سبب لعدم عودتك إلى عنيزة بعد التقاعد؟
أزور عنيزة والرس في العطل الصيفية وجدة اعتدت عليها وأصبحت بالنسبة لي مثل الطير الذي بنى عشه:
بلاد ألفناها على كل حالة
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتستحسن الأرض التي لا هوى بها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
• كيف أمسكت بتلابيب الشعر؟
تعلقت بالقراءة منذ الصغر وكنت حريصا على قراءة مجلة الرسالة لمحمد حسن الزيات التي كانت جامعة ويكتب فيها مصطفى صادق الرافعي وزكي مبارك، كما كنت أحب الشعر وأميل إليه قراءة وكتابة وعندما أحس والدي رحمه الله وكان لديه وعي وانفتاح فكري بعشقي لهذا اللون من الأدب اشترى لي كتاب (جواهر الأدب) لإشباع رغبتي وإذكاء قريحتي وأذكر أنني كتبت على إحدى صفحاته وكان عمري وقتذاك اثنتي عشرة سنة أبياتا من نظمي وأنا جالس في ديوانية البيت وبدأت بالشعر منتشيا بعنترة بن شداد وما قاله عمرو بن كلثوم فقلت:
ألا إني شجاع بني تميم
أبيد من القبيلة ما أبيد
تراني إن حملت على جوادي
وسيفي تقشعر له الجلود
وأحمل حازما نحو الأعادي
وأضرب بالمهند ما أريد
وأتذكر أن الشيخ صالح الخنيني عدل لي القصيدة فقال لا تقل ما أبيد ولكن من أبيد وكذلك عدل ما أريد إلى من أريد ومنها انطلقت من خلال احتكاكي بالأساتذة والشعراء من أمثال الشغدلي الذي كان أخوه قاضي حائل والشيخ عبد الله صالح الخليفي الذي كان ذكيا ويحب الشعر وكان هناك واحد من العقلا إذا جاء موسم التمر يعزم الأمير ابن مساعد والقاضي ابن بليهد ومعهم عدد من المشايخ وكان من أوائل الحضور الشيخ عبد الله وكنت من المحظيين عنده فالشيخ رأى الفواكه مطروحة واشتهى أن يأكل منها فأخذ عمامته وبشته ووضعها إلى جانبه ثم قال:
إذا كنت في ظل فسيح وبارد
فلا بأس من وضع العمامة والبشت
وإن قدم البطيخ والتين حاضرا
فلا تنتظر (والي) يجيء ولا مفتي
فإن مع الوالي جنود كثيرة
وإن مع المفتي رفيق ومستفتي
ثم طلب من الصبي تقديم الفاكهة، وحضر الأمير عبدالله بن مساعد ومعه القاضي وعندما قدم العشاء علم بقصة الشيخ وما قاله فأعجبه الموقف وكان عائدا من الصيد فعزم الجميع في اليوم التالي فلقينا خيرا من الحباري والظباء.
• هل تميل إلى النبطي أم الفصيح؟
الظروف هي التي تحكم هذه المسألة وكلاهما شعر إلا أن النبطي غير موزون ولا يتقيد بالنحو ولكنه هو الشعر بدليل أنه لم يتغير من الجاهلية إلى الآن، فقد جرت حادثتين متشابهتين في العصر الجاهلي وفي عهد الأتراك وقيل فيهما نفس الوزن من القصيدة فقد ذكر عن فرس في الجاهلية اسمها سكاب لم تشبهها فرس في ذلك الوقت فأحب أحد الأمراء شراءها فرفض صاحبها فهدده بأخذها بالقوة فكرر رفضه وأرسل قصيدة للأمير يقول:
أبيت اللعن إن سكاب علق
نفيس لا تعار ولا تباع
مكرمة مفداة علينا
يجاع لها العيال ولا تجاع
فلا تطمع أبيت اللعن فيها
ومنعكها بشيء يستطاع
مثل هذا الموضوع حدث لواحد من بيت الكروش الأصايل والخيل بيوت مثل بيوت الرجال الحمايل، فسمع أحد باشوات الأتراك بفرس عنده ممدوحة من الناس فطلب شراءها أو إهداءها وإكرامه مقابل ذلك أو أخذها بالقوة فرفض كل العروض ثم قال قصيدة شبيهة بتلك:
يابيه أنا كروش لا أعطي ولا أبيع قبلك طلبها فيصل وابن هادي
(يقصد فيصل بن تركي بن عبد الله، أما ابن هادي فكان شيخ قحطان) فهذه مثل تلك القصيدة في شبهها.
• وأين أنت من الأندية الأدبية؟
لم يدعني أحد لها، ولم أكلف نفسي بالذهاب إليها.
• تعتقد أنها تتجاهل الشعراء القدامى؟
ربما.
• قيل إنك لا تحب طه حسين؟
كان الرافعي يسميه (الخنفسانة البيضاء) لأنه أنكر كل شعر العرب ومعلقاتهم.
• في الوقت نفسه كنت مندفعا وراء القومية أيضا مع من اندفع تلك الأيام؟
كنت مهبولا بها وسافرت أول مرة خارج المملكة عام 1369ه وتحايلنا على المصريين الذين كانوا يحولون أي قادم من السعودية إلى المحجر الصحي فذهبنا إلى سورية ولبنان لعدة أيام ثم دخلنا إلى مصر ولم يوقفونا، وأتذكر أنني اشتريت محفظة من سورية فوضعت فيها كل نقودي وعندما وصلنا إلى القاهرة وجدنا مظاهرة في الشارع تهتف لجمال عبد الناصر فهتفت معهم وبعد انتهائها بحثت عن شنطة نقودي فلم أجدها فشتمت عبد الناصر فالتفت لي أحد المصريين وسألني عن السبب فأخبرته فقال لي عبد الناصر ليس له ذنب ومشكلتك أن البطالين أكثر من الطيبين .ثم حضرت مع زملائي مشاهدة فيلم «رد قلبي» لإحسان عبد القدوس في سينما ريفولي وكانت بداية الفيلم عبارة عن تشويه لفترة الملك فاروق بعرض راقصات مع وزراء في حكومته فلم تعجبني طريقة الطرح فغادرت المكان، وعندما حدثت النكسة ازددت قناعة بأننا كنا ضحية شعارات فقط.
• لكن فترة الزخم الثقافي في مصر تراجعت بعد سقوط الثورة؟
الأحوال السياسية تحكم الأحوال الثقافية والمجتمع والحياة كلها في عالمنا العربي، والسياسة صعبة ولها وجهان نافع وضار، وأعتقد أن انقطاع التيار الثقافي إما بسبب المقاومة أوعدم المناصرة.
• لا تحضر المرأة في قصائدك بشكل لافت .. لماذا؟
في سؤالك شيء من النزوع الذكوري، وربما هو مجرد استفزاز لحفزي على قول ما يمكن ألا أقول. لكن المرأة تحضر في شعري بشكل استثنائي.
• هل هناك أي صلة قرابة بينك وبين الشاعرة العرفجية؟
نعم هي عمة جدي الحكيمة العاقلة رحمها الله.
• اختلفت الروايات حول قصتها بشأن ثأرها من قتلة ابنها، فهناك من قال إنها فجرتهم بالبارود وهناك من قال إنها ذبحتهم بالسيف فأي الروايات أصدق؟
المعروف أن جماعتنا من آل عليان خرجوا من بلدة ثرمداء في الحروب التي وقعت فيها وسكنوا ضرية، ورئيسهم آنذاك (راشد الدريبي) وكانت بريدة ماء لآل هذال من شيوخ عنزة، فاشتراه منهم راشد وعمرها وسكنها هو ومن معه وذلك سنة 985ه ووثيقتها موجودة إلى اليوم وتبدأ القصة مع شخص اسمه عرفج، وهو من العرب الذين ينتمون إلى قيس بن عاصم المنقري من قبيلة تميم، وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام إنه سيد أهل الوبر، أي أهل نجد. كان موطنهم ثرمدة والوشم وحفر الباطن في القصيم. ولد لعرفج ثلاثة أبناء هم: عبد الكريم، عبد الرحمن، وحسين، أما عبد الكريم فكانت ذريته كلها بنات، وأما حسين فكان من ذريته حجيلان وعبد الله جدي، وأما عبد الرحمن فكان من ذريته لولوة (صاحبة القصة) التي تزوجت من ابن عمها حجيلان الذي كان أمير القصيم في زمن إبراهيم باشا التركي. كان محمد علي باشا في مصر يرغب بإخضاع الجزيرة العربية له، ذلك أنهم منعوا والدته من الوصول إلى الحج لأنها كانت قادمة بموكب فيه الغناء والرقص وما لا يليق بالحجاج، فأرسل له طوسون على رأس حملة كبيرة ليثأر لوالدته، ولكن العرب تصدوا له وأرجعوه. فأرسل لهم ولده خورشيد باشا فمنعوه أيضا وأرجعوه، ثم أرسل لهم إبراهيم باشا على رأس جيش كبير، وكان إبراهيم باشا ذكيا وداهية وشجاعا، فمضى حتى سار إلى الدرعية. ثم قالوا لإبراهيم باشا إنه لن يرتاح في القصيم والشيخ حجيلان فيها فنفاه من القصيم فتولى ابنه عبدالله الإمارة وقد كان أبوه حجيلان قد حذره من أبناء عمومته حيث كانوا يطمعون في إمارة القصيم. وفعلا قدموا ذات يوم على عبد الله وتحايلوا على الحارس وأقنعوه بأن معهم هدية فدخلوا عليه وهو نائم وقتلوه ذبحا. عندما انتشر الخبر في الصباح جاء رجال القبيلة إلى والدة القتيل يتعذرون وهم غير صادقين بأن لا يد لهم في ما جرى وأنهم لا يرضون بذلك، ولكن ما حدث قد حدث ويجب حقن الدم بين أبناء العمومة. فقبلت منهم عذرهم أمامهم فقط وبقيت صامتة. وتوالت الأيام وكانوا يزورونها في المناسبات وكأن شيئا لم يكن، وذات يوم دعتهم إلى الغداء فجاءوا ولكن على حذر مصطحبين معهم أسلحتهم ورجالهم وعبيدهم، قدمت لهم طعام الغداء فتناولوه ومضوا ولم يحدث شيء. في العام الثاني دعتهم إلى الغداء أيضا فجاءوا ولكن بنصف حذر، تناولوا طعامهم وسلمت عليهم وانصرفوا، وعندما عزمت على الثأر دعتهم إلى تناول الطعام في السنة الثالثة وجعلت عريشتين، واحدة لهم وواحدة بعيدة لخدمهم وعندما جاءوا قال لهم خدمها أن ابنة عمهم تريد أن تدخل عليهم لوحدهم وتسلم عليهم، ولا تريد للخدم أن يكونوا موجودين في نفس الخيمة فقبلوا، وعندما أصبحوا في الخيمة وحدهم دخلت عليهم وهي ملثمة والسيف في يدها وقالت لهم: أين عبد الله؟! (تعني ولدها) أين دم عبد الله؟! وانهالت عليهم بالسيف فقتلتهم جميعهم.
• وأصبحت مضربا للمثل بين القبائل؟
الله الله .. انتشرت قصة ثأر العرفجية لولدها من أبناء عمه حتى تغنى بها الشعراء والأبطال، منهم عبيد بن رشيد الذي كان فارس قبيلة شمر وقد كان دائم الغزو والحرب وكان يطلب المال دائما من عيسى بن جراد الذي كان مسؤول بيت المال في قبيلة شمر، وقد كان عيسى هذا يرفض دائما إعطاء المال لعبيد بن رشيد بحجة أن الحرب تستهلك المال وتفنيه. وفي يوم كان عبيد بن رشيد ورجاله يضربون في الصحراء للغزو، فاشتد عليهم الظمأ، فأرسل رجاله يبحثون عن الماء، فرجعوا إليه بأنهم وجدوا الماء ولكنه ليس له، لفقالوا له إن الشيخ موجود، فإن وردت مت وإن عدت ظمئت.
فأنشد يقول:
عيسى يقول الحرب للمال نفاد
أنشد استاد السيف ليش حانيه
إن كان ما نرويه من دم الأضداد
ودوه يم العرفجية ترويه
• لماذا تأثر شعرك بعد وفاة ابنتك نجلاء؟
توفي لي العديد من الأبناء والحمد لله، فبعد نجلاء توفي عبد الرحمن أيضا يوم العيد لكنني لم أتوقف.
• ماهي أسباب موتها؟
ابنتي نجلاء كانت تدرس في المرحلة الثانوية وكان من عادتنا أن نذهب إلى عنيزة أو أرحامنا في الرس في الإجازات الصيفية فخطبت من رجل كفؤ وكريم فوافقت ولم نحدد موعدا للزواج، وبعد أيام حضرت ابنتي حفل زواج وبعد رجوعها إلى المنزل مرضت ولعلها أصيبت بالعين ودخلت المستشفى لكن القدر لم يمهلها فتوفيت في المستشفى، وكان لوفاتها صدمة مازلت أعاني منها إلى الآن فقد كانت مقربة مني وتهتم وتعتني بي كثيرا، فرثيتها قائلا:
لعل دنيا غاب عنها قمرها
تظلم جوانبها على طول الايام
ما ينعرف في يومها من شهرها
واللي يبي لم اليمن ينحر الشام
ولعل عين شح دمعة مطرها
عليك يا نجلا تعثر بالاقدام
غديت مثل أم الحوير قهرها
قيدا وهي لحوارها ترزم ارزام
أضيق واجحد عبرتي في نحرها
يردني عن بكوتِ دين الاسلام
عليك يا تومة فؤادي قمرها
موت على كل الملا حاكم عام
موت تخير وردتي من زهرها
وهي بقلبي منبته حب واريام
• لكن الملاحظ تناولك شعر الرثاء في كثير من المناسبات وكأنك استعذبت الألم؟
الحياة (يوم تصفا لك وتكدرك أيام) والحمد لله على كل حال ، والإنسان لا يستطيع أن يتجاوز حوادث الأيام من دون ما يعلق عليها خصوصا التي تمس الأحباب والأقارب والأصدقاء وقد يكون الشعور بسوداوية القصيدة موجود لكنه شعور وعاطفة ليس إلا، ويحدث بحسب الموقف والمناسبة.
• إذا تحدثنا عن تميم وقصيدتك المشهورة في الفخر بهها. من ترى أنه يستحق لقب شاعر قبيلة تميم اليوم؟
كل شعراء تميم فيهم خير سواء الموجودون في السعودية أوخارجها، وأعتقد أن يتعاطى هذا الفن شاعر ويقول عن نفسه إنه أشعر جماعته شاعر مغرور.
• ما رأيك في موضوع الاسترزاق من الشعر الذي انتشر هذه الأيام؟
هذا أمر موجود حتى قبل الإسلام ويتعاطاه الشعراء إذا ضاقت بهم سبل العيش ومنهم المتنبي وغيره.
• لكنك لم تفعل ذلك؟
ترفعت عن هذا الطريق بعد أن أغناني الله بوسائل عيش أخرى.
• ما سر قصيدتك التي أبكت الملك فيصل رحمه الله؟
التقيت الملك فيصل رحمه الله عام 1382ه وكنت أعمل مفتشا فجاءني بعض أهالي القصيم وقالوا يا عبدالله كل مدينة لهم شاعر وخطيب إلا أهل القصيم وما لنا غيرك فانقطعت حيث نظم للملك فيصل مؤتمر بمناسبة حرب اليمن وكنت الشاعر الوحيد الذي شارك بالفصحى في هذا المؤتمر وكان الملك فهد رحمه الله وقتذاك وزيرا للمعارف حيث ألقيت قصيدة نالت من الجميع إعجابا كبيرا وقد حاول المذيع محمد حيدر مشيخ أن يمنعنا من إلقاء القصائد لكن الملك فهد كان قد اطلع على قصيدتي وأعجب بها وطلب أن تكون أول ما يلقى وكان مطلعها:
كثير من تتيمه الملاح
وتطربه إذا غنت صباح
وكم يسعى المحب إلى وصال
ويرضيه التدلل والمزاح
ولكنا نتيم بالمعالي
وتطربنا القنابل والرماح
ونحن لها إذا دارت رحاها
لنا النصر المؤزر والنجاح
إلى أن قلت:
وقلب الحكم نحن له جناح
وعاش القلب يحميه الجناح
وهنا وقف الملك فيصل فجأة أمام كرسيه وتحدث كلاما لم أسمعه جيدا تعبيرا عن إعجابه بالقصيدة التي كان لها أصداء كبيرة وعندما تشرفنا بالسلام عليه قال للشاعر عبد الله بن لويحان الذي قدم قصيدة شعبية قبلي، غلبك أهل عنيزة فما كان منه إلا أن قال: جماعتي يا طويل العمر! وبعد عودتي من المؤتمر نمت في منزلي وفي الصباح جاءني رجلان من عبد الله السليمان يخبراني بأنه طلب مقابلتي وفعلا توجهت إليه وأثنى علي قائلا: إنه لم تدمع عينه إلا من هذه القصيدة.
• لجميلة بوحريد وحرب تحرير الجزائر جزء من شعرك؟
تمنيت أن أجاهد مع الجزائريين في حرب التحرير ضد الفرنسيين عام 1962م ولكن الظروف لم تسمح لي فقمت بجمع التبرعات من سكان القصيم وتأثرت كثيرا بالدور الجهادي الذي قامت به المرحومة جميلة بوحريد وهي في عز شبابها فقلت في نفسي هذه امرأة تفعل ما لا يفعله الرجال وأنت جالس فأخذت جيبا من أهالي عنيزة وقمت بجمع التبرعات من النساء والرجال وحثثت الناس على التبرع فكانت النساء يخرجن ذهبهن من أياديهن ويضعنه في السيارة وقد وفقت لجمع أكثر من عشرين ألف ريال وهو مبلغ كبير في تلك الفترة ثم سلمته للقاضي إبراهيم السليمان رحمه الله الذي قام بإيصالها للمجاهدين الجزائريين، وكذلك الحال مع الإخوة الفلسطينيين أيضا، وساندتهم بقصائد وكتابات كنت أنشرها في الصحف تلك الأيام.
• ألم تتواصل مع شعراء الحجاز بحكم وجودك في جدة من الثمانينات الهجرية؟
كانت لي علاقات مع عدد من الشعراء البارزين مثل الشاعر الكبير المبدع محمد حسن فقي حيث كتبت ذات مرة قصيدة موجهة له فتجاوب معها بروح الشاعر بقصيدة عنوانها: (أنا والشاعر العرفج) ومنها:
طربت من العرفج المستنير
بشعر بدا كشعاع القمر!
كصفو الغدير .. كشدو الكنار
كحلو الثمار .. كنفح الزهر!
• قيل إن شعرك قادح مثل عود الكبريت؟
المشكلة أن شعري حاضر في أي موقف وهذا أمر قد يحرج الشاعر أحيانا كما حدث معي عندما كنت مفتشا في الكامل وذهبنا لزيارة مدرسة في هجرة صدر فسمعنا زيرا فقررنا الذهاب ورافقني حارس المدرسة وأحد الأصدقاء وعندما وصلنا إلى موقع اللعب وجدنا حفل زواج فجلسنا نشاهد من بعيد وحز في نفسي أنه لم يقل لنا أحد تفضلوا فحملتها في نفسي لأنها ليست من شيم الرجال وقلت هذه الأبيات:
يا حيف يا أهل صدر ياحيف
والحيف منقود الأجواد
يوم المسير لعب بالسيف
والزير يرعي مع الوادي
كانه رنين الرعد بالصيف
يسري على حسه الغادي
جيت أتمشى وأريد الكيف
واثر العرب مالهم حادي
فلقط الحارس كلامي وراح وبلغه لأهل الزواج ففوجئنا بسيارة فيها خروفان وجاء يسأل: وين ابن عرفج، فقمت له وقال: العذر من الله ثم منك وهذي قهوتك، فاعتذرت منه ولكنه أصر فاقترح رفيقي أن يضع الخروفين مع عشاء المعازيم ونأكل مع الناس فوافق الرجل وكان موقفا لا أنساه.
• هل عوضت إخفاقك في الحصول على شهادات دراسية من خلال أبنائك؟
شهاداتي دراسة مشاعة لم يكن فيها شهادات، ولم يشغلني هذا الأمر كثيرا، أما أولادي فكلهم بفضل الله جامعيون ومنهم من حصل على شهادة الدكتوراة وإحدى بناتي طبيبة وقد حرصت على أن أهيئ لهم الجو المناسب المثالي للتحصيل والثقافة والتربية والتعليم وأعاملهم كأصدقاء لي.
• كيف ترى التعليم الآن بعد 27 سنة من تقاعدك بالمقارنة مع أيامكم؟
بغض النظر عن تطور الوسائل والأساليب فإن التعليم الآن موبوء بأفكار ورؤى لأنه يعتمد على استشاريين درسوا في بلدان غربية ويتصورون أن كل ما هو غربي يصلح للتطبيق في مجتمعنا، فيما كان التعليم في السابق يسير على أسس واستشارات علماء، ومازلت أرى أن نقص المباني الصالحة المهيأة للتدريس والتي تشكل بيئة جيدة للطالب يعطل العملية التعليمية كما أننا بحاجة ماسة إلى المعلم الكفء الذي يشعر بقيمة العلم والتعلم فيخلص في رسالته.
• ماذا يحمل الغد لمتابعيك؟
لا أدري .. وربما لا شيء سوى المحبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.