الشعب السوري كريم ونبيل، وهي خاصية في تركيبته العربية التي رفعت راية القومية بمعناها المطلق عندما جاءت الأنظمة، منذ الاستقلال، أن لا منع على دخول أي عربي بدون حواجز أو تعقيدات، ولم يكتف بهذه الخاصية فقط عندما جاءه اللاجئون الفلسطينيون، بعد النكبة بمئات الآلاف، وعاشوا مواطنين بدون فرز عن المواطن السوري.. أثناء الحرب الأهلية اللبنانية آوى السوريون العديد من اللاجئين اللبنانيين وغيرهم بدون استثناء مسيحي أو مسلم أو غيرهما، وأثناء احتلال العراق وصل إلى المدن السورية أعداد مهولة من الهاربين من جحيم الحروب شبه الأهلية بالقتل على الهوية بسبب الصراعات الطائفية والقومية، وقبل ذلك، وأثناء أزمة إيلول الأسود، كانت سوريا حاضنة من هربوا من الأردن، وتحمل تبعات هذه الأعداد الكبيرة على ميزانية بلد ليس غنياً بالمفهوم العام، تضحية عالية من شعب كبير القلب.. الآن المحنة التي عصفت بالشعب السوري من نظامه الذي يقتل بدون تحديد من أجل بقائه، وينفذ مشروع تهجير وتصفيات جسدية تحسباً لبناء دولته العلوية، وإبعاد كل ما لا ينتمي لها، خلق هجرة كبيرة بلغت مليون لاجئ في كل من تركيا، ولبنان، والأردن مع إغلاق حدود العراق تبعاً لتضامنها مع حكومة الأسد، وعدم الاعتراف بالجميل عندما بقي العراقيون، وإلى الآن ضيوف الشعب السوري، في هذه المأساة يجب أن تكون مسؤولية العرب جميعاً إذ المساعدات العاجلة هي الحل المؤقت، لأن مبدأ السلطة يقوم على خلق أزمات للدول التي تؤوي الهاربين من عنف دولتهم، وما قامت به يشبه إلى حد كبير ما فعلته إسرائيل بإبعاد الفلسطينيين على أمل توطينهم في ملاجئهم، والحكم السوري خطط لمثل هذه العمليات، وعمل على خلق بيئة صراع طائفي، وقومي حتى أن الأكراد ظلوا بلا حقوق أو حتى تجنيس مما جعلهم يبادرون إلى المقاومة السلمية والعسكرية.. نعرف مدى الحالة النفسية والاجتماعية عندما تتساقط الأسلحة على الآمنين ثم يضطرون للهرب واللجوء لدول حدودية، وكيف يواجهون مصيرا قاسيا للتلاؤم مع المكان ومعاناة المعيشة والطقس، وأكثر منها الغربة عن الوطن الذي يعتبر الهاجس الأهم لأي مواطن يشرد من مكانه، وكيف يحدد وجهته وكيف يكسب قوت أبنائه وأهله، وهل يبقى يعيش على المعونات من المنظمات الإنسانية فقط؟! الأمة العربية غنية والشعب السوري صاحب حق عليها، لأنه السباق في كرم الضيافة لأي عربي، وبالتالي إذا كان الواقع خلق لاجئين يحتاجون لكل شيء، فمن العار أن تبادر الأممالمتحدة أو البلدان التي قبلت لجوء هذه الأعداد، دون دور عربي عاجل وسريع بتأمين كافة احتياجات اللاجئين، وهو واجب وليس منة، لإشعار هؤلاء بأن محنتهم ليست أبدية، وأن هناك من يقف معهم عاطفياً وعملياً..