مقولة رُبما تكون محليّة بحته قيلتْ قديما وانطبق مفهومها في عصرنا الحالي. تريدون الحق؟ هنالك الكثيرون ممن يطيرون (مجازا) مع نسمة هواء فما بالكم بالعج؛ وهو ريح قوّية العصف تحمل في دواماتها الغبار وكل شيء خفيف يتصادف مرورها به. يقول عبيدالله الورّاق: يمرّ على الناس زمان يختلط فيه الصدق بالكذب ويصعب التفريق بينهما حتى ولو تمت الاستعانة بالشيخ (قوقل) والناجي من القوم هم العُقلاء أولئك الذين يُمحصون كل قول يسمعونه. سألناه ماذا عمّن يسمع فيصدّق مباشرة قال هذا هو الإمّعة فاحذروا مجالسته أو الاستماع إليه. في اعتقادي أن أول الطائرين في (العجّة) هو ذاك الذي حين يُطلب منه توضيح مصادره يقول "سمعت الناس يقولون فقلت". إذا لقد اعتمد على وكالة (يقولون) العتيدة وهي التي يبرز نشاطها بشكل جليّ في المجتمعات التي لا يثق فيها الإنسان لا بنفسه ولا بغيره فتصبح يقينياته مرتكبة دوماً. يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984م) "إن الحقيقة تُشفي إذا قيلت في أوانها لمن يلزم ومن قبل من يكون بآن معا مالكها ومسؤولاً عنها". إن في غياب الحقيقة أو غموضها أو التأخر في قولها يعني السماح (للعجّة) بأن تبدأ في عصفها وتأخذ معها في الطريق صوير وعوير واللي ما فيه خير. في عصرنا الحالي تزداد خطورة (العجّة) ومن يطير في ركابها، وكما قال عبيدالله الوراق أعلاه نحن في عصر اختلطتْ فيه الأكاذيب الطاغية مع الحقائق المتوارية فاستغل الوضع من يُجيد النفخ في النار لتزيد اشتعالاً. حسب ظني أن أكثر من يروّج (للعجّة) اليوم بعض وسائل الاتصال كالمحطات الفضائيّة مشبوهة الدور والأهداف وكذا بعض مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. يرتع في تلك الوسائل من لا يُجيد سوى فن إشعال الفتن لهذا فهو يتنبأ كمقدمي نشرة الأحوال الجويّة بافتراضات يتخيلها عقله المريض ومن ثم يبثها على أنها حقائق فيطير في (عجتها) أصحاب العقول الفارغة المبرمجين على التبعيّة العمياء. المُحزن هنا أن أول الضحايا هم المصدقون لتلك الأكاذيب المُركّبة وربما أودت بهم إلى المهالك أو على أقل تقدير خلف القضبان. الاشتغال على تنمية الوعي وقول الحقائق في آنها هو ما يمكن أن نواجه فيه (العجة) والذين طاروا بها أو معها.