عادةً"الحصي"تظهر يومياً بعد صلاة الظهر لبيت جارتهم العجوز مزنة, تقدم لها الغداء الذي تعده والدتها بشكل يومي لهذه العجوز. هي العادة بين الجيران في تلك الحارة بتوزيع-الذواقة - فيما بينهم, "الفقير والتاجر"متساويان في تلك الحالة. هناك منصور ابن الجيران المقابلين لبيتهم ياتي في تلك الساعة - الحّزه - من متجر والده, ينتظر"الحصّي"يشتاق لرؤياها يحبها كما يقول لصديقه أحمد. وكلما صادفها يتقاطر-عرقه من دمجته, الحياة كانت أكثر طيبة واجتماعية يعمها الفرح والود. يهمس باسمها"الحصّي"وهو يتبعها الى البيت, تقف فجأة, يسارع السير, ويرفع رأسه:"الحين أمي عندكم"وهو سؤال استغربته - الحصي- لانه يعرف ان والدته في هذا الوقت لن تكون الا في منزلها, لكنها ابتسمت وفهمت المغزى من سؤاله. تتكرر هذه الحالة كثيراً مع منصور والحصي..الا ان دارت الأيام وكبر الاثنان قليلاً. الحصي جميلة جداً تحب منصور لانه نشيط ومقدام يحب التجارب وإذا نجح تمسك في نجاحه واستمر. يجتمع النساء على بساط صغير في- زقاق-الحي كلهم اسرة واحدة النساء يضعن على رؤوسهم قماشا طويلا-جلال-يحتسين الشاي والقهوة ويستمتعن بتمابعة أولادهن وهم يلعبون-الطجمة او دبجا -أم منصور تحدث أم الحصّي امام النساء. وهي تنظر لها بعين الحب, وتمد الفنجان لتعبئته من القهوة:" اقول ياوخيتي.. ترا منصور للحصّي"ووالدتها تهز رأسها:"يكون خير.. وراكم عجلين عليه توه على العرس". تقاطعهم جارتهم الأخرى أم حميد يسمونها-الدبا- وفي فمها كلام كثير حول-الحصّي-ومعاكسات منصور لها في كل يوم:" لا والله امنعوهم عن بعض..الله يكافي كل ما طليت من -الطرمه- لقيتهم واقفين في السكة يحكون". تنتفض أم منصور ويرتفع صوتها على أم حميد أمام نساء الحي والأطفال:" اقول انت يالدبا.. وش تقولين عن عيالنا, ذولي ما فتحوا عيونهم الا على بعض ولا صاير الا كل خير..لكن انتِ مدري وش فيك عليهم". تضع أم حميد يديها على الارض لتساعد نفسها على النهوض, وهي تُتَمَتِمَ في نفسها:"الظاهر أن حظ عيالي اقشر مثل ابوهم ذا الأقشر". يصل هذا الحديث للرجال, ويجتمع والد الحصي مع جاره ابو منصور في-الروشن-الذي دعا والدها اخوته. وعندما مد والد الحصّي فنجان القهوة لابو منصور, تفاجأ والدها بِرَد فنجان القهوة, وقال له:" والله يا ابو الحصّي..مانيب شارب قهوتك الا لين تعطيني طلبي". في تلك الأيام الضيف لا يردّ له طلب ويستخدمون هذه الأمور لنيل مطالبهم, ابو الحصّي, يرد وهو مبتسم يبحث في مخيلته عن طلب جاره, لكنه لا يستطيع الا القبول وهي من شيم الرجال في ذلك الزمان. ابو الحصي:" سّم فنجانك وجاك ما طلبت", يبتسم ابو منصور, ويقول:هذا خبري بك..لكن ترانا مانبي الا مناسبك وودنا توافقون على زواج منصور على بنتكم الحصي ونخلص من لسان الناس". هذا الحبّ العذري الذي نشأ في حارة صغيرة وأبناء صغار..الآن هم أجداد, كلما تذكروا زمانهم أسفوا على رحيله مع تبدل الأوضاع وأخلاقيات الناس.