لم تعد هيلة"أم الخلاقين"تأبه لحديث والدها, الذي دائماً يضجرها عن بيع الأيس كريم-العسكريم-في أيام الشتاء, تَستغل أخاها الصغير"حسين" في الترويج لهذه السلعة التي لا تباع إلا من ثلاجتهم الوحيدة في الحارة, دائماً تدفعة لجلب أصدقائه لشراء منتوجها الخليط من التوت والماء والسكر. تقول لوالدها حينما يجتمعون على الغداء, بعد عودته من"حراج الرخوم": والله يبه, أن ذا الباغات مربحتنا وفاكتنا العوزه, بس أنت ماتبينا نفكك من الحاجة وحراج الرخوم", يعود والدتها لينهرها من جديد:"ماتعرفين أن ذا الخلاقين اللي أنت لابستهم جايبينهم من الحراج..أحمدي ربك, والا والله..؟!" هيلة"الشقردية"التي تقوم بأدوار أمها المتوفاة, يطلب منها والدها أن تُدَهِنَ أخاها من الفازلين يسمونه سابقاً-الوآزلين قنينة لونها أخضر-لا تكترث هيلة لأخيها, الا إذا شاهدت الدماء تسيل من رجليه بسبب آثار التشققات"المشق" في مشط القدم.!. يجلس على"المركأ"ويدلدل رجليه أمام أخته, تقول له:" يعنوبك مافيك عقل يومك تمشي حافي في ذا الرطرط, وتوقف تحت المرازيم؟! ورا ما تلبس كنادرك أم كعب-جعله ينشلخ على راسك-أنت ما تحس بالبرد". يتنهّد ويغطي سيقانه, ويرد عليها مدلدلاً رأسه خجلاً:"والله ياوخيتي, من وين نجيب الدراهم نشتري كنادر والا خلاقين..أنت ما تشوفين الحال, أنا أوزي كنادري عشان ما تخرب من المطر". يكبر الاثنان..وتستمر حياتهما الشقية, حتى بعد زواجهما.!. يجتمعان سوياً في بيت هيلة"أم الخلاقين"مع أولادهم, إذ تقول لأخيها, حسين:"ماتعرف أحد في ذا الوزارات والا الشركات, ودي أوضف ذا الولد..عله يساعد ابوه فالمصروف". يمد حسين فنجانه من جديد, لتسكب له القهوة:"والله يقولون إن فيه"حافز"يعطون العاطلين دراهم ألين يتوظفون.!". تبحث وهو يبحث وابناؤهم يبحثون عن وسيلة لتقديم أوراقهم ل"حافز"ينتظرون..ينتظرون..لكنهم في نهاية الأمر والانتظار مُبَعدُون.! هيلة أم الخلاقين مازالت هي هي..في شكلها ومنطقها وملابسها..تقول لاخيها:"ليتني ما استشرتك..تعطلنا نحتري ذا الدراهم, وفالاخير مهنا شيء -كنها من حلال ابوهم-ما يدرون أنها عطية من حكومتنا الرشيدة الله يخليهم لنا.!, ورا ما يعطون العاطلين والا يوظفونهم." فجأة"ينط"أخوها والشرار يتطاير من عينيه:"منتيب صاحيه..ماتدرين أن الجدران لها أذاني", تعود هي لتمازحة لعله يهدأ, لتذكره بأيام"العسكريم ونشر الغسيل ودهون والوآزلين وتّوتِين الصحية", يضحك عليها, لكنه يحذرها عن الحديث فيما لا يعنيها..لكنها تعود وتقول:"الحين إذا ما قلنا اللي في خطرنا..بنموت من القهر, غيرنا يستانس..وأنحن نحتري"حافز". ينهض أخوها ليودعها, لكن بعض الكلمات مازالت تختلج في باطنته:"ياوخيتي الضاهر أنه"حاجر" مهوب"حافز"..تمسوا على خير.