وضع صعب يواجه اليمن وحكومة الوفاق الوطني التى تم تشكيلها عقب الانتخابات الرئاسية المبكرة وانتقال السلطة إلى الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي نهاية شهر فبراير الماضي. ومصدر الصعوبة هنا لا يتوقف عند مسألة الاختلالات الأمنية التى يعيشها هذا البلد والتي دفعت بالولايات المتحدةالأمريكية مؤخراً إلى مطالبة رعاياها بحمل حقائبهم ومغادرة اليمن تخوفاً من تكرار حادثة اغتيال المدرس الأمريكي جويل شرم والتى جرت في مدينة تعز منتصف الشهر الماضي كما انه الذي لا ينتهي عند حدود الأزمة السياسية العاصفة بين القوى الحزبية التي دخلت في جدل (بيزنطي) حول من يسبق الآخر الحوار أم هيكلة الجيش ولكن فان الأصعب من كل ذلك يتمثل في خطر تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يتمدد في اليمن مستبيحاً هيبة دولته ودماء أبنائه بصورة يندى لها جبين كل حر ومسلم. وليس هناك أبشع مما حدث ويحدث الآن في أبين وشبوة وعدن ولحج وبعض مناطق حضرموت من اعتداءات وهجمات ومذابح إرهابية ذهب ضحيتها مئات من الجنود والعسكريين والمواطنين اليمنيين بعد ان قويت شوكة الإرهاب وانتشرت عناصره المتطرفة في مساحة واسعة من الجغرافيا اليمنية مستغلة استمرار الانشقاقات في القوات المسلحة والصراعات القائمة بين مكونات العملية السياسية لتثبيت أقدامها على الأرض والسيطرة على أجزاء من محافظة أبين وشبوة والتحرك من هذه الأجزاء إلى محافظات أخرى بهدف ضرب الاستقرار فيها وتحويل نهارها إلى ظلام وليلها إلى جحيم لا يطاق. واضح تماماً الآن ان اليمن أصبح واجهة للإرهابيين من مختلف بقاع العالم وان هناك من يسعى إلى تحويلها إالى افغانستان أخرى حتى يتسنى له نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة برمتها. وواضح تماماً ان من يغذون النزعة الانفصالية في جنوب اليمن ليسوا بعيدين عن من يدفعون لقوافل الظلال من عناصر الإرهاب الآتية من افغانستان والصومال وغيرها نحو الأراضي اليمنية ويزداد اقتناعي الشخصي بهذا الترابط بالتقييم الأولي للتعقيدات الاستراتجية المحيطة باليمن في المرحلة الراهنة .. حيث يظهر جلياً وللوهلة الأولى ان أيادي خفية هي من تعمل جاهدة على زرع الاشقاق بين أبناء هذا البلد المخنوق اقتصادياً والمشلول مؤسسياً والمأزوم سياسياً لينساق في النهاية إلى حرب أهلية يكون المنتصر فيها تنظيم القاعدة الإرهابي ولا غيره. إن اليمن اليوم يتخبط في أزمة لا سابقة لها قد تفقده السيطرة والتحكم في الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب وواجب نخبته السياسية والاجتماعية ان تتوقف عن دفن رأسها في الرمال ،فمن غير المقبول ان يقابل البعض مايجري بالواقع بمواقف ( المغالبة) مرتهناً لأهوائه الحزبية في وقت من المفترض ان يرتفع فيه منصوب الوطنية والتحيز للوطن الذي يستظل في كنفه جميع اليمنيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والثقافية. وفي لحظة مفصلية كهذه تتناسل الأسئلة حول مواقف هذه القوى من الحرب التى تخوضها القوات المسلحة والأمن ضد مقاتلي تنظيم القاعدة الإرهابي، ليس من حيث الموقف السياسي حصراً وإنما من حيث توعية المجتمع بمخاطر الإرهاب والدعوة الى توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة العناصر المتطرفة والمارقة عن الدين والعقيدة والقيم الإنسانية النبيلة ويبرز في هذا الإطار دور العلماء والمرشدين وكذا رموز التيار الإسلامي بدءاً بمن ينتمون إلى التجمع اليمني للإصلاح ومروراً ب (اتحاد الرشاد السلفي) وانتهاءً بالوعاظ الذين يتولون الخطابة الدينية في المساجد وساحات الشباب المعتصمين منذ أكثر من عام ،حيث هذه المكونات مطالبة أكثر من غيرها بتوضيح موقفها من الحرب على الإرهاب نظراً لارتباطها المباشر بالإرشاد الديني الذى ينبغي له تفنيد الأطروحات التضليلية التى تستخدمها عناصر تنظيم القاعدة بهدف اغواء الشباب والزج بهم إلى محاضن الإرهاب والتطرف والغلو وبالذات منهم صغار السن الذين لم يكتمل لديهم النضج الفكري والذهني حيث لابد ان تفصح هذه المصفوفة مجتمعة عن رؤيتها الحقيقية تجاه ما يتصل بالإرهاب من خلال وثيقة تاريخية تكشف مساؤى (الفكر المصطنع) للعناصر الإرهابية وتصادم هذا الفكر كلياً مع حقائق الدين الإسلامي الحنيف الذى ينبذ العنف والتطرف والغلو والتعصب ويحرم تحريماً مطلقاً قتل النفس البريئة وسفك دماء المسلمين ويعتبر من يقترف هذه الأفعال خارجاً عن الملة والعقيدة ولا رابط بينه وبين الديانات السماوية. فتبني مثل هذه الوثيقة من قبل العلماء والمرشدين ورموز التيار الإسلامي وغيرهم سيسهم في حشد طاقات المجتمع اليمني في مواجهة عناصر الإرهاب وثقافته الموغلة في التشدد والانحراف وسيدفع الجميع إلى القيام بمسئولياتهم في التصدي لهذه الآفة الخبيثة بشتى الوسائل ومن دون الركون فقط على المواجهة الأمنية. وبعد كل ذلك فإن وثيقة كهذه ستسهل على أبناء الشعب اليمني التمييز بين من يقفون معه في هذه المعركة ومن يمارسون التقية ويحافظون على شعرة معاوية مع دهاقنة الإرهاب القتلة الذين ألحقوا الضرر البالغ بالإسلام والمسلمين والأمة جمعاء.