تثير قضية مقتل بعض قيادات جماعات ما يُعرف ب “الإسلام الجهادي” موجة من الترقب والتوقع لدى كثير من أوساط المحللين السياسيين والمفكرين، حيث كثر السجال حول مستقبل تلك الجماعات خاصة بعد مقتل قياداتها، متسائلين عن مستقبل تلك التنظيمات، فهل قتل قياداتها سيؤدي بالفعل إلى تقويض ما تحمله من أفكار، وتحولها في الفترة الأخيرة من تنظيمات هرمية إلى تنظيمات أفقية عنقودية متناثرة لا تعرف لها حدًّا زمنيًّا ولا مكانيًّا؟ ثم ما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت ك“الفيس بوك”، و“التويتر” على الجيل الثالث لتلك التنظيمات والجماعات وعلى رأسها تنظيم القاعدة؟ وهل ستؤدي هذه المواقع إلى حصر أفكار تلك الجماعات خصوصًا بعد قيام الثورات الشعبية في بعض الدول العربية؟ وما مدى صحة رؤية المراقبين من أنّ قتل بن لادن سيؤدي إلى إضعاف خلايا التنظيمات النائمة في مختلف دول العالم، وبالتالي بداية لانحسار مثل هذه الأفكار، وعلى رأسها فكر القاعدة وبداية عهد جديد لها من حيث طريقة التفكير والوسائل والتكتيكات المستخدمة في المستقبل مثل الإيمان بفكرة الحرية والديمقراطية والانتخابات؟ تساؤلات مطروحة نعرضها بإجاباتها في مضامين هذا التحقيق. بداية يرى الصحفي والأكاديمي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور كمال حبيب أنّ مقتل قيادات جماعات “الإسلام الجهادي” وعلى رأسهم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة سيؤدي إلى تراجع أطروحات هذه الجماعات، بالإضافة إلى تراجع الأسباب التي كانت تدعو إليها هذه الجماعات، وتتخذها مسوّغًا في أعمالها وتحركاتها، حيث كانت تشكل عنصر جذب لدى الشباب العربي والإسلامي، مضيفًا بأنّ موجة الثورات الشعبية التي عمّت العالم العربي قد ألقت بظلالها على تراجع شعبية هذه الجماعات، مشيرًا إلى أنّ ما يعرف بموجة “السلفية الجهادية” قد بلغت منتهاها بمقتل أسامة بن لادن، وأنّ الموجة السائدة في الوقت الحالي هي موجة الثورات الشعبية ذات الأطروحات السلمية التي استطاعت أن تحقق ما لم تحققه هذه الجماعات على أرض الواقع من تغيير. ويعتبر حبيب أنّ المزاج العربي والإسلامي بدأ يدرك عواقب أن يكون الإنسان مصادمًا لمجتمعه، وبدأ يفكر في أهمية الاندماج، وأن يكون جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع، وضرورة تبني ما يُعرف بالإسلام المشارك، وأن لا يقوم بعمل مجتمع موازٍ ومغاير للمجتمع الذي يعيش فيه. وحول الجيل الثالث لجماعات الإسلام الجهادي وعلى رأسها القاعدة يؤكدّ حبيب أنّ الأجيال الحديثة لهذه الجماعات تعدّ أكثر تشددًا حتى من قياداتها التي تمثل بن لادن والظواهري، فالأجيال الحديثة تميل إلى التشدد في الفهم الفكري والعقدي، والتساهل في إباحة الدماء، بالإضافة إلى أنّ هذه الأجيال لم تتشرب من المعرفة والعلم كما هو الحال عند الجيل الأول، ممّا أدى إلى توجهها نحو العنف والتشدد مرورًا بناصر الوحيشي زعيم ما يسمّى بتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، والمعروف بأنور العولقي. وحول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي مثل: “الفيس بوك”، و“التويتر” على الأجيال الثالثة لجماعات الإسلام الجهادي يردّ حبيب قائلاً: “يمكن أن يكون لها تأثير على الجيل الأول والثاني، لكنّ الجيل الثالث ليس لديه مثل هذه التهيئة للتفكير في التغيير على الأقل، فوجوده على مثل هذه المواقع سوف يوحده ويجعله أكثر تواصلاً مع قياداته، موضحًا في نفس الوقت بأنّ كاريزما بن لادن ستؤدي بطبيعة الحال إلى التأثير على مسار التنظيم، لكن الفكر السائد لدى هذه الجماعات لا يزال موجودًا، حيث تبقى الفكرة هي الأساس لما يعرف ب “السلفية الجهادية” من مواقفها تجاه ضرورة الدفاع عن العالم الإسلامي، والقضية الفلسطينية، إضافة إلى أنّ الموقف الأمريكي والإسرائيلي المتخذ من المنطقة يلعب دورًا في بلورة هذا الفكر، فهذه الأسباب مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى بقاء الجماعات في الاستمرار على فكرها ونهجها وطريقتها وأساليبها المستخدمة، بل إنّ التعاطف العام سيبقى مع أفكار هذه الجماعات حتى بعد مقتل بن لادن، مشددًا على أنّ المركب الأمريكي - الإسرائيلي وسياستهما تجاه المنطقة مهمة جدًّا في نزع أفكار القاعدة وتهدئة عناصره في العالم الذي يشهد في الفترة الحالية حالة من الغليان. المشروع الصهيوأمريكي من جهته يؤكدّ الخبير القانوني في شؤون الجماعات الإسلامية منتصر الزيات أنّ هناك فكرتين أو ملحوظتين تتعلّقان بهذا المحور، الملحوظة الأولى أن جماعات الإسلام الجهادي ترتبط نشاطًا وخمولًا بمدى تغّول المشروع الصهيوني والأمريكي في المنطقة، ذلك الذي يوظف لها غطاءً شعبيًا يتيح لها القدرة على العمل والحركة ويتيح لها أيضًا تجنيد عناصر جديدة، فقد تراجعت فكرة القيام بعمليات عنيفة داخلية أي موجهة ضد أهداف محلية في بلادنا العربية والإسلامية، موضحًا بأنّ ذلك الفكر منذ أواسط التسعينيات انشغل بحالة المراجعة ومنظومة النقد الذاتي للأسانيد الشرعية التي كانت تبرر القيام بعمليات عسكرية تستهدف مسؤولين أو ضباط كبار في المؤسسات الأمنية في بعض الدول العربية التي توترت العلاقة فيها بينها وبين بعض أبنائها من الجماعات الإسلامية، وهذا الذي يبرر اختلاف مرجعية بعض العمليات في السنوات العشر الأخيرة حتى لو جرت داخل بعض البلدان العربية لكنّها موجهة ضد أهداف خارجية ترتبط بمصالح أمريكية، أو هكذا غلب الظن مثلما حدث في مصر من خلال تفجيرات سيناء وفي المغرب العربي والقرن الإفريقي من خطف الرهائن الفرنسيين ونحو ذلك. ويضيف الزيات قائلاً: العمليات المسلحة التي كانت تعد جهادًا ضد الأنظمة العربية اختفت أو ندرت، وفي الأفق القريب على الأقل لا يتوقع نشاط الجماعات الجهادية في هذا الصدد فالثورات الشعبية أعادت إلى الواجهة مضامين العمل السلمي النضالي كما في تونس ومصر وثورات الشعوب التي أثرت على مرجعية الجماعات الجهادية وعلى قدرتها على كسب أنصار جدد لأفكارها ومعتقداتها، أمّا بالنسبة للملحوظة الثانية والتي يشير إليها الزيات فإنّه يعتبر بأنّ هناك أمرًا لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار وهو أنّ الأفكار لا تموت بموت أصحابها، فقتل القيادات لا يعنى بالضرورة موت أفكارها. وحول رؤية البعض في أنّ قتل بن لادن سيؤدي إلى تشدد خلفائه وجماعات الإسلام الجهادي لتكون أكثر ضراوة، يعلّق الزيات قائلاً: ربما يكون ذلك صحيحًا، لكنّ السؤال يتعلق بمدى قدرة هذه القيادات الاستمرار في تنفيذ عمليات على هذا النوع من الغلظة والعنف والتأثير، ومدى قدرتهم على تحريك الشباب هنا أو هناك واستنفارهم لتنفيذ مثل تلك المهام، أتصور أنّ هناك عقبات ستواجه القاعدة وجماعات الإسلام الجهادي أهمها تراجع القدرة على استخدام الإعلام لنشر وتسويق هذه العمليات الانتقامية. ونوه الزيات إلى ضرورة عدم نسيان أنّ القاعدة في بلاد الرافدين تراجعت بشكل كبير، ووقعت في أخطاء قاتلة بعد مقتل زعيمها هناك، فباشر قادتها عمليات انتقامية عنيفة دون أن تلتزم الحذر الأمني المعتاد فوقعت في الفخ ممّا مكّن القوات الأمريكية من استهداف قادتها في ضربات متلاحقة أثرت بشكل كبير على قدرات القاعدة في بلاد الرافدين، وهذا يمكن أن يتكرر لو تسارعت القاعدة في تنفيذ عمليات انتقامية لمقتل زعيمها الأبرز أسامة بن لادن. ويرى الزيات أنّ القاعدة لن يكون لديها فرصة استخدام الشباب بشكل واسع بعد نجاح الثورات الشعبية في تونس ومصر واستمرارها في بعض الدول إلاّ بالقدر الذي يتعلق بمواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة خصوصًا مع الاعتقاد عدم تغيره مستقبلاً واستمرار السياسات الأمريكية التي تثير غضب الشعوب العربية المسلمة، موضحًا بأنّ هناك فارقًا يميز نطاق عمل القاعدة والجماعات الجهادية عن نطاق عمل الثورات الشعبية يمنع من الربط في بحث مستقبل كليهما، فالقاعدة أو الجماعات الجهادية المرتبطة بها لا تحتمل أدبياتها معاني تداول السلطة أو الإصلاح السياسي، ومن ثم فهي لا تعمل وفق هذه الأهداف وإنما تواجه “الاستعمار الجديد” بحسب أدبياتها المعلنة وتواجه أيضًا “احتلال ديار الإسلام” وعلى هذا فلا ينبغي الربط بين منطلقات الاثنين لأنها مختلفة شكلاً وموضوعًا.ويختتم الزيات حديثه بالتعليق عن كاريزما ابن لادن الذي كان بحسب الزيات متصالحًا مع الكاميرا فله كاريزما ربطت بينه وبين الشعوب العربية التي عانت القهر والاستبداد، وعانت أيضًا من الانهزام كأمة أمام المشروع الأمريكي والغربي ولا شك أنّ غيابه سيؤثر بطريقة وأخرى على امتدادات القاعدة الإقليمية لكن لا يتوقع انحسار هذه الجماعات، بل ربما ستضعف وستبقى وهي سنة الحياة مدًا وجزرًا. تأثير محدود من جانبه يعتبر الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن الأستاذ زكي بني رشيد أنّ جماعات “الإسلام الجهادي” يمكن أن تتأثر بقتل قياداتها وتمر في فترة من الركود أو السكون، ولكنها لن تنتهي على الأقل مرحليًا مع مراعاة أنّ السبب الرئيسي لنشوء هذه الجماعات والأفكار هو غياب الحرية والتعبير والاهم الغطرسة التي تمارسها الإدارة الأمريكية وانحيازها الكامل لإسرائيل وهذا يعني أنّ أسباب نشوء الأفكار وانتشارها مستمر مع الظلم والاستبداد والفساد. وحول الرؤية السائدة التي تقول بأنّ قتل بن لادن سيؤدي إلى تشدد خلفاء بن لادن وجماعات الإسلام الجهادي لتكون أكثر ضراوة، يقول بني رشيد: نعم هذا رأي له وجاهته، والمسألة متعلقة بقدرة هذا التنظيم على تنفيذ الانتقام، وأقدّر بأنّهم سيحاولون، مع التأكيد على أنّ نجاح الثورات الشعبية أفقد القاعدة كثيرًا من التأييد وقدرتها على التغيير، منوهًا على أننا قد نشهد انحسارًا في فكر جماعات “الإسلام الجهادي” ولكن لن نشهد انتهاء تلك الأفكار في المدى المنظور. خروج علي الوسطية ويتفق عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور عبدالمعطي بيومي على أن أي فكر يخرج عن وسطية الإسلام مردود عليه وأن احتكار القاعدة للفكر الجهادي دون أن يكون لها مشروع أوسع وأشمل يحمل معاني الإسلام الحقيقية لن يحقق لها وجودًا في الأمد البعيد خاصة أن الإسلام هو دين الوسطية، وأن دعوة النبي قامت على الحسنى، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن القتال استثناء في الإسلام لرد الظلم أو مقاومة العدو ولكن القاعدة في الإسلام هي التعايش والبناء وإعطاء الناس حقهم في اختيار دينهم وعقيدتهم، وإذا أحسن المسلمون فهم الإسلام لحملوا إلى العالم بديلاً حضاريًّا لا شائبة فيه، فكل الأخطاء هي أخطاء المسلمين في الفهم والتطبيق ولكن الله غالب علي أمره وهناك توسع في الاهتمام بتعاليم الإسلام وفهم غاياته حتى إن مكيدة الأعداء لن تنفع مع سنة الله في كونه، ولقد كانت القاعدة فزاعة يستغلها أعداء الإسلام لوصفه بما ليس فيه ويجب أن يندثر هذا الفكر ويلجأ المسلمون جميعهم لمنهج الوسطية الذي يبني الأمة على أسس سليمة لا مغالاة فيها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عبر السنين حتى بني أمته على أساس من الوسطية والفهم الصحيح للإسلام. ويرى بيومي أن ظهور القاعدة كان وليد مناخ معين وقد لا يكون هذا المناخ موجودًا ومن ثم قد تتعطل أهدافها خاصة في ظل تغير الدور الأمريكي وترجع اليمين المتشدد وظهور ملامح إصلاح إسلامي في كثير من الدول الإسلامية لم يعد ينظر إليها نظرة عداء بل مشاركة حقيقية في الواقع المعاش، ومن ثم وجب على المسلمين أن يقدموا بديلاً حضاريًا حتى ينصت لهم الآخرون. تجاوزت المرحلة أمّا الدكتور أكرم حجازي، الأكاديمي والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية فإنّه يعتقد بأنّ هذه الجماعات يمكن أن تنجح أو تفشل في تحشيد الأمة من حولها، لكن القول بأنّه يمكن القضاء عليها عبر القضاء على رموزها قتلاً أو اعتقالاً فهي مسألة أبعد ما تكون عن الحقيقة، وهذا يرجع إلى إقبال جزء من الشباب على نمط جديد من التفكير والعمل غير المسبوق ولا المألوف، والثابت أنّ تلك الجماعات وعلى رأسها تنظيم القاعدة قد تجاوزت مرحلة التصفية أو الإبادة، ولو كان لمثل هذا الأمر أن يجدي لنجحت الولاياتالمتحدة فيه منذ غزت أفغانستان، وأعملت قتلاً في قياداتها وكوادرها وعناصرها من شتى أنحاء العالم سواء كانوا من القاعدة أو من طالبان أو من أية جماعة أخرى وجدت على الساحة الأفغانية أو الباكستانية، مستشهدًا بحركة طالبان والتي استطاعت بناء قوتها ولملمة شتاتها وتخوض حربًا ضروسًا ضد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. ويضيف حجازي قائلاً: “الولاياتالمتحدة تعتقد كما غيرها أنّ تصفية الرموز يمكن أن يؤدي إلى انهيار مثل هذا التيار وربما اندثاره أو على الأقل تخريب مخططاته لسنوات طويلة وضربه في الصميم، ولكن لأننا نعتبر أنّ الظاهرة غير مألوفة فمن الطبيعي أن تكون سبل المواجهة التقليدية معها غير مألوفة وإلا فهي أقرب إلى الفشل من أي نجاح محتمل”. ويبدي حجازي استغرابه من ربط بعض المحللين السياسيين مسألة المظاهرات والثورات الشعبية التي عمت العالم العربي مع قضية تراجع أفكار هذه الجماعات قائلاً: “الربط في الموضوع خاطئ، ثمّ إنّ الجماهير العربية التي أسقطت النظام المصري والتونسي ألم ترفع شعارات إزالة الظلم والطغيان والتي كانت تدعو إليهما القاعدة”. التنظير ضعيفًا وفي السياق نفسه يؤكدّ الدكتور محمد ظريف الخبير في الجماعات الإسلامية في المغرب، أنّ زعيم القاعدة أسامة بن لادن كان رمزًا من رموز ما يعرف بالتيارات الجهادية، وأكسبها نوعًا من التعزيز، لكن لابدّ أن لا يتم نسيان أنّ هناك رموزًا أخرى لهذا الفكر مثل: أيمن الظواهري الذي كان يرأس تنظيم الجهاد سابقًا، مشيرًا إلى أنّ المستوى التنظيري لدى شخصية بن لادن يكاد يكون ضعيفًا، فهو ليست لديه كتابات تنظيرية للعمل الجهادي على غرار أبو قتادة الفلسطيني (صاحب التنظيرات العديدة للقاعدة)، وأيضًا الظواهري الذي كان معروفًا بتنظيراته العديدة على مستوى القاعدة وجماعات الإسلام الجهادي، مضيفًا بأنّ بن لادن كان في مرحلة يرمز فيها إلى ذلك الموقف الذي اتخذه من الغرب واستهداف الولاياتالمتحدة في عقر دارها، ومن ثم أصبح فيما بعد مطاردًا. ويوضح ظريف بأنّ الفكر الجهادي ليس مرتبطًا بتنظيم أو شخص معين بحد ذاته، وأصبح فكرة عامة يعتقد بها كل شخص يسعى إلى تنزيل هذا التنظير على أرض الواقع، حيث نفذت العديد من العمليات التفجيرية من قبل جماعات وأفراد تدعو إلى هذا الفكر ولم تكن مرتبطة بتنظيم هرمي، فالمرحلة في الوقت الراهن تقتضي عند هذه الجماعات ما يعرف ب “الجهاد الفرضي”. ويبيّن ظريف بأنّ الفكر الجهادي بدأ بالتراجع لأنّه قد أثبت عدم جدواه وعدم وجود مصلحة نفعية من ورائه، والأطروحة لهذا الفكر تعتبر بأنّ التغيير لا يمكن أن تتحقق إلاّ عبر العنف والقيام بعمليات عنيفة تهدف إحداث الشلل في الأنظمة العربية ثم تتهالك ويؤدي ذلك إلى سقوطها وهذه هي أحد الإستراتيجيات التي يدعو إليها الظواهري ويتبناها، وهذا أدى إلى اعتقاد الكثيرين بأنّ مثل هذا الأطروحات مفلسة لأنّ التغيير يمكن أن يتحقق من خلال الوسائل، مرجحًا بأنّ هؤلاء الذين يدافعون عن إمكانية التغيير عبر الوسائل السلمية ربما يحاولون أن يراجعوا أنفسهم بعد ملاحظتهم بأنّ ما يجري حاليًا في ليبيا، وقد لا يؤدي إلى النجاح كما حصل في مصر وتونس من قبلهما، فالذي ينجح في مصر وتونس ربما قد يفشل في دول أخرى وليس بالضرورة أن يكتب له النجاح في دول أخرى، والمؤشرات تشير إلى أنّ الأحداث في ليبيا تتجه إلى حرب أهلية، وبالتالي يمكن أن يؤدي الفشل بالتغيير عبر الوسائل السلمية إلى إعادة النظر مرة أخرى فيما يطرحه هؤلاء الجهاديون واعتبارها أنّها هي الحل ومحاولة إعادة تبني أفكارهم وتطبيقها على أرض الواقع. تراجع منذ 4 شهور من جانبه يرى الدكتور خالد الدخيل، الأكاديمي والناشط السياسي أنّ جماعات “الإسلام الجهادي” قد تراجعت منذ 4 شهور وقبيل مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وهذا يعود إلى اكتساح ظاهرة الثورات العالم العربي، لكنّ مقتله لن يؤثر كثيرًا على سير هذه الجماعات وفكرها الذي تعتنقه، معتبرًا بأنّ شبكات التواصل الاجتماعي مثل: “الفيس بوك”، و“التويتر” يجعل الجيل الثالث لهذه الجماعات إمكانية التواصل مع الآخرين وعمليات تواصلهم أكبر منذ ذي قبل، مشيرًا إلى أنّ الجيل الثالث سيكون أكثر انفتاحًا وهو جيل جديد يشهد تحولات سريعة، لأنّه يتمتع بعلاقات واسعة مع اتجاهات التفكير الأخرى، ولن يكون مثل الجيل الأول الذي تشكلت عنده رؤية واضحة ومتينة حيال الأحداث، فهذا الجيل هو جله من فئة الشباب الذي يبدأ بمراهقة ومن ثم يدخل في عملية مراجعة فكرية حتى تتبلور لديه أفكار ناضجة وواضحة مع مرور الوقت. ويضيف الدخيل قائلاً: “في مرحلة السبعينيات والثمانينيات شهد العالم موجة من الأفكار الماركسية وبلغ أعلى مراحل هيبته وغزارته في تلك الفترة، وكان جلّ المحافظين الجدد في أمريكا يحملون هذا الفكر حتى أدى إلى تراجعهم عنه في الفترة الحالية التي نشهدها، وهذا ما ينطبق على الشباب الذي يحمل الفكر المتطرف الجهادي، فمسألة تغيير أفكارهم والتحوّل عن أفكارهم إلى أفكار حتى غير إسلامية أمر وارد جدًا، وكذلك مسألة أن يبقوا على فكرهم الحالي، بل وأن يزدادوا تطرفًا أمر متوقع”. المسمار الأخير وفي سياق متصل يعتقد الأستاذ نجيب اليافعي، الباحث والصحفي السياسي اليمني والباحث في شؤون القاعدة، أنّ ثورات الشباب التي حصلت في المنطقة كانت هي المسمار الأخير التي دقت في نعش كل الأساليب التي تتبعها جماعات وتنظيمات “الإسلام الجهادي”، وهذا يعود إلى أنّ تأثير الجوانب السلمية التي تعدّ أكثر فعالية ونجاحًا من الوسائل المتبعة في تلك الجماعات، إضافة إلى أنّ إمكانية التغيير بأقل الخسائر كانت واضحة في هذا الثورات مقارنة بحجم الخسائر التي أحدثتها الجماعات الجهادية التي تعتمد العنف والقوة في التغيير. ويرجع اليافعي أسباب تبني نظرية العنف والقوة في نهج هذه الجماعات إلى الوجود الأمريكي-الصهيوني في المنطقة، وهذا الذي أعطى الذريعة والشرعية في استخدام العنف، مؤكدًا بأنّ ما من مستقبل ينتظر هذه الجماعات التي تتبنى الفكر الجهادي المتطرف، وسوف تكون مرفوضة نسبيًا لأنّه لم يعد يلقى قبولاً ورواجًا على المستوى الشعبي في العالم العربي والإسلامي، إضافة إلى أنّ هذه الجماعات كانت تستخدم من قبل بعض الأنظمة السياسة العربية كورقة ضغط أمام الغرب لإقناعه بأهمية تلك الأنظمة في قطع هذه الأفكار وتجفيفها. ويبيّن اليافعي أنّ الجيل الثالث لجماعات العنف بدأ يتأثر بشكل سريع بوسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت، ويبدو أنّ هناك تحوّلات تتم بشكل متواصل من قبل هذا الجيل، فبعد أن كانت تيارات العنف منغلقة على نفسها، ولم يكن لديها تواصل مع الآخرين، أصبح الجيل الحالي قادرًا على الانفتاح والتواصل مع الجميع، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى خلخلة الفكر المتشدد ويسهم في التقليل من حدة العنف لديهم لأنّهم سيجدون أنفسهم أمام سيل من الأفكار اليومية المغايرة لهم، وبالتالي سيحدث تغيرات ومراجعات جذرية من خلال الإيمان بفكرة المشاركة الشعبية والإيمان بمبادئ الديمقراطية التي من شأنها أن تؤدي إلى مناهضة التغريب والهيمنة الغربية في المنطقة، وعلى أثر ذلك سيتبنون التغيير بالوسائل السلمية والانخراط في المجتمع المدني وقبول الطرف الآخر. ويضيف اليافعي قائلاً: “لا شكّ أنّ هذه الجماعات كانت ولا تزال تؤمن بأعمال العنف والقتل والقوة في التغيير، ولكن في الفترة الأخيرة ظهر هناك تغيير كبير في المفاهيم، حيث نشهد في الوقت الحالي تغيرًا كبيرًا عبر الوسائل السلمية والنهضة العربية ممّا جعل هذه الجماعات تتأثر بشكل واضح في شعبيتها وفكرها وأساليبها، وأنّ عليها أن تؤمن بوسائل جديدة للتغيير”، مشيرًا إلى أنّ مقتل بن لادن يعد بداية لنهاية فكرة الصراع العالمي، لكنّ لن يؤدي هذا إلى تراجع كبير في أفكار هذه الجماعات خصوصًا المواقف المتخذة تجاه مبادئ الديمقراطية وقضية الانتخابات وقبول الطرف الآخر فهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تقوم هذه الجماعات بإعادة مراجعة مواقفها تجاه مثل هذه القضايا، لكن سيضطرون حتمًا في يوم من الأيام إلى الإيمان بها مع مرور الوقت. تراجع كبير من جهته يرى الأستاذ حسام تمام، الباحث والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أنّ جماعات “الإسلام الجهادي” تشهد أفول سوى بعض المحاولات من هذه الجماعات للتعبير عن الوجود، وتنظيم “القاعدة” شهد تراجعًا كبيرًا قبل مقتل زعيمه أسامة بن لادن، ولم يعد قادرًا على الرجوع إلى سابق عهده بسبب غياب المبررات والأسباب التي عملت على إيجاده، منوهًا على أنّ الجماعات والتنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم “القاعدة” تشهد حالة من التصدع بسبب مقتل كثير من قيادات الصفوف الأولى واعتقال العديد منهم، إضافة إلى انسحابها من مناطق النفوذ التي كانت تسيطر عليها، وأنّ فئة الشباب لم تعد لديها الجاذبية والحماسة لهذه الأفكار، حيث أثبتوا نجاحهم في التغيير عبر الوسائل السلمية كما حصل في مصر وتونس، ونستخلص من هذا بحسب رؤية تمام بأنّ مشروعات الجماعات الجهادية ماتت قبل موت قياداتها وزعاماتها ولم يبقى منها إلاّ شعاراتها المرفوعة. ويعتبر تمام أنّ الأجيال الجديدة لهذه الجماعات الجهادية ربما تكون أكثر تشددًا من قياداتها بسبب قلة الخبرة والمعرفة لديهم، لكن في المقابل لم تعد تشكل هذه الأفكار أي نوع من القبول والرواج بين أوساط الشباب، مع بقاء تأثير هذه الأفكار ضئيلاً عليهم وهذا يعود إلى الفشل الواضح الذي مني بها المشروع الجهادي، كما جرى فيما يسمى ب “دولة العراق الإسلامية” وفي مناطق النفوذ التي كانت “القاعدة” وهذه الجماعات تسيطر عليها حتى تحولت مشروعاتهم إلى “عدم سياسي” ليس لها أي وجود على أرض الواقع، مضيفًا بأنّ مجموعات صغيرة من هذه الجماعات ستبقى قائمة وهذا يعود إلى التدخل الصارخ للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة، مع التأكيد بأنّها لن تعود إلى قوتها وسابق عهدها في التأثير على الجماهير كما كانت عليه قبل أكثر من 4 سنوات. لن تتغير أمّا الدكتور عبدالله الكعيد، الإعلامي والكاتب الصحفي، فإنّه يعتقد بأنّ جماعات “الإسلام الجهادي” لن تتغير بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة وهذا يعود إلى الفكر الأيدلوجي السائد لدى هذه الجماعات وأنّها ليست مرتبطة بشخصيات محددة، حيث نرى الآلاف الأشخاص يعتنقون مثل هذه الأفكار دون الحاجة إلى الدخول في التنظيم والذي لا يحتاج بحسب الكعيد إلى إجراءات معينة لدخوله. وحول رؤية بعض المحللين السياسيين القائلة في أنّ رحيل بن لادن سيؤدي إلى تشدد خلفائه من بعده وجماعات الإسلام الجهادي لتكون أكثر ضراوة يشكك الكعيد في هذا الكلام قائلاً: “لا أعتقد ذلك لأنّ بن لادن كان يحمل كاريزما شخصية تختلف عن شخصيات أخرى، ولا أعتقد أنّ هناك شخصية محددة تحظى بإجماع من قبل أعضاء التنظيم مثل ما حظيه بن لادن من قبل، والشخصيات الموجودة في الوقت الحالي بم تؤدي دورًا كالذي أداه بن لادن في مسيرة عمل هذه التنظيمات”. ويؤكدّ الكعيد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت من مواقع “الفيس بوك” و“التويتر” وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها أن تلقي أثرًا كبيرًا على من يعتنقون الفكر الجهادي المتشدد، لكن الفكر الذي يحمله هؤلاء لن يتغير على حد الكعيد، وإنّما سيكون التغيير مقتصرًا على الوسائل والأدوات المعتمدة في التجنيد، منوهًا على أنّ فكر القاعدة وفكر التنظيمات المسلحة يتمحور حول “الدعوة بالسيف” ولن يؤدي إلى أي تغيير في طابع هذه الأفكار سواء كان من ناحية التشدد والتطرف أو الخفض من حدتها. ويضيف الكعيد قائلاً: “أعتقد بأنّ الخلايا النائمة ستبقى على نفس أفكارها، وستظل كما هي، وستسمر العمليات والمخططات الموجودة مسبقًا من قبل أفراد هذه التنظيمات”، مشددًا على أنّ مبادئ الديمقراطية، والإيمان بالطرف الآخر غير موجودة في عقول وأذهان مثل هذه التنظيمات. تقويض شوكتهم بدوره يؤكدّ الدكتور ناصر العريفي، الأستاذ المساعد في علم النفس الجنائي، وعضو لجنة المناصحة، أنّه وبعد مقتل زعيم القاعدة بن لادن الذي كان يعدّ العامود الأساسي من الناحية المالية للتنظيم سيؤدي إلى تقويض شوكتهم وتحركاتهم بحسب العريفي، سواء كان ذلك على المستوى العالمي أو على المستوى التنظيمي، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تقليل الدوافع الموجبة للعنف بعد انتهاء الممول المالي ورحيل الأب الروحي للتنظيم أيضًا، منبهًا على أنّ ذلك لا يعني القضاء التام على مثل هذا الفكر، لكن سيبقى صوتها خافتًا حتى بعد مقتل أكبر رؤوسها. ويوضح العريفي بأنّ غالبية زعماء تنظيم القاعدة قد تمّ قتلهم وهذا دليل على أنّ هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتشددة بدأ يتقهقر في كل مكان، وباتت هذه التنظيمات مجرد كلمات تنطق وشعارات ترفع، لكنّ العريفي يشدد على أنّ الاحتياط وتحسّب الخطر واجب وضروري جدًا في مواجهة هذا الفكر، مشيرًا إلى أنّ التشدد والتطرف، ومسألة التساهل في القتل العشوائي بين أوساط الأطفال والنساء والشيوخ لا يزال موجودًا في هذه التنظيمات، وهذا لا يقبله الإسلام الذي هو دين الوسطية والاعتدال في كل شيء. ويرى العريفي أنّ حلفاء بن لادن والقيادات الحالية الموجودة للتنظيم والتي من المتوقع أن تستلم القيادة من بعده، لن تستطيع الاستمرار في أعمالها وهذا يعود إلى أنّ قيادات القاعدة مثل: أيمن الظواهري وأنور العولقي وناصر الوحيشي كانت تعتمد على الدعم المالي لبن لادن، وبدون هذا الدعم لا يمكن للقيادات أن تتحرك، ولن يكون بإمكان أفراد وعناصر هذه التنظيمات أن تتحرك من دون تأمين احتياجاتهم ودعمهم من الناحية المادية، مبديًا استغرابه من ما يردده البعض من أنّ هذه التنظيمات سوف تتجه نحو التشدد والتطرف بشكل أكبر بعد مقتل بن لادن قائلاً: “هل هناك أكثر من التشدد السابق الذي كان ولا يزال يحمله ويقوم به قيادات التنظيم”؟. ويتوقع العريفي أنّ التواصل الإعلامي بكل أشكاله سواء كان عن طريق شبكة الإنترنت أو الوسائل الإعلامية الأخرى ما من شأنه أن يفتح باب الحوار أمام الجميع، فهناك جهود تبذل عبر مواقع الإنترنت وغرف الحوار مع أصحاب هذا الفكر للتخلّي عن التطرف والتشدد الذي يعانون منه أو على الأقل التخفيف من حدته، منوهًا على أنّ التشدد الذي حدث في السابق كان ناتجًا في السابق عن أسباب كثيرة منها: سيطرة هذه الجماعات على عقول الشباب وتغذيتهم بهذه الأفكار المنحرفة، مشيرًا إلى أنّ الشباب في الفترة الحالية باتوا أكثر وعيًا وعرفوا أهداف تنظيم القاعدة التي وصفها العريفي بأنّها غير إسلامية ومغلّفة فقط بالغلاف الإسلامي، حيث إنّ أهدافها بالدرجة الأولى تعدّ سياسية من خلال إيمانها بإلحاق الأذى بالطرف الآخر، مطمئنًا في نفس الوقت أنّ الشباب أصبحوا في وعي مستمر بعد أن تجلّت كثير من الأمور داخل هذه التنظيمات والتي تدعو باستمرار إلى الخراب والإرهاب والدمار والإضرار بالإسلام. عشقي: هذه الخلايا كانت ولا تزال مرتبطة بالدرجة الأولى في شخصية بن لادن وعلى الصعيد نفسه يعتبر الدكتور أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية، أنّ التطرف هي سمة من سمات الثقافات العالمية بشكل عام، فكل ثقافة فيها تطرف وإفراط مادامت السموات والأرض، فهناك من ينظر إلى أهمية التطرف، ويستطيع أن يجذب إليه بعض الناس، منوهًا على أنّ المملكة العربية السعودية على سبيل المثال بها من يتعاطف مع بن لادن ليس من أجل فكر القاعدة والإرهاب، لكن إعجابًا بشخصية وقفت ضد الهيمنة الأمريكية في المنطقة، موضحًا بأنّ التغيير بواسطة الإرهاب لن يلقى أي قبول ورواج بين أوساط الناس وأنّ الفشل سوف يكون النتيجة الحتمية له، مؤكدًا بأنّ التوجه الحالي هو إحداث التغيير بالطرق السلمية عن طريق المفكرين والنخب المثقفة وليس استخدام وسائل وأدوات العنف. ويعتقد عشقي أنّ شخصية بن لادن كانت تتمتع بكاريزما خاصة بسبب تميزه بهدوء شخصيته، والأموال التي كان يملكها إضافة إلى نشاطه التجاري غير المعلن والذي استطاع عن طريقها أن يدوّل الإرهاب (يصبح دوليًا) ويكسب المؤيدين والأتباع، موضحًا بأنّ مقتل بن لادن يعني انتهاء الإرهاب الدولي، وبمقتله يعني التوجه نحو التغيير بواسطة الطرق السلمية، وكذلك فإنّ العناصر المنتمية إلى القاعدة من الأصول السعودية واليمنية لن توافق بأي حال من الأحوال بحسب عشقي أن يكون أيمن الظواهري الزعيم البديل للتنظيم لأنّه شخصية انفعالية وليست لديه الأموال كما كان عليه بن لادن، ملمّحًا بأنّ الشخصيات الحالية للقاعدة مثل: الظواهري، وأنور العولقي، وناصر الوحيشي لا تستطيع أن تكون شخصيات بديلة عن بن لادن الذي كان يتمتع بصفات أهلته ومنحته قيادة التنظيم. ويوافق عشقي ما يطرحه البعض من أنّ شبكات التواصل الاجتماعي ك“الفيس بوك”، و “التويتر” ستؤدي إلى تخفيف حدة التطرف الموجودة لدى فئة الشباب في جماعات “الإسلام الجهادي” المتشددة، شريطة أن يكون لدى هذه الدول خططًا تعمل فيها على مواجهة هذا الفكر، مؤكدًا بأنّ الخلايا النائمة لهذه التنظيمات كانت ولا تزال مرتبطة بالدرجة الأولى في شخصية بن لادن وهذا يعني أنّها ستتراجع في أدائها بعد موته، مضيفًا بأنّ الأجيال القادمة لهذه التنظيمات ستشهد مزيدًا من الانفتاح وتراجعًا لحدة التطرف والتشدد بين أوساطهم، وهذا يعود إلى ارتفاع سقف الحريات في العالم العربي، مشددًا على أنّ الحريات لابدّ لها من قوانين وتشريعات تحكمها حتى لا تتحوّل إلى فوضى، فلابد من إحداث التوازن بين الحريات والمسؤوليات، وهذا لا يأتي إلاّ عن طريق النخب المثقفة والتي بإمكانها أن ترفع من سقف الحريات وتعمل في نفس الوقت على توجيهها حتى لا تخرج عن مسارها وتتحوّل إلى فوضى. عويس: الواقع الإسلامي الجديد لن يجعل للقاعدة أي وجود وبدوره يؤكد الدكتور عبدالحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي أن تنظيم القاعدة خرج من عباءة جماعة الجهاد المصرية وأن انضمام أسامة بن لادن لها أعطاها صبغة عالمية وقوّى وجودها في آسيا خاصة بعد أن انضم إليها كثير من المجاهدين ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان وقد أسهمت الولاياتالمتحدةالأمريكية في خلق هذا التنظيم ليحارب الوجود السوفيتي في أفغانستان، ويعطي مبررًا للوجود الأمريكي في هذه المنطقة خاصة في باكستانوأفغانستان، ومن ثم فإن ظروفًا إسلامية ودولية هي التي أوجدت هذا التنظيم وجعلت صوته يعلو خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلاّ أن هناك تغيرات جذرية حدثت وتحدث سواء في قلب العالم الإسلامي أو على المستوى الدولي تحول دون أن يكون للقاعدة نفس الرونق الذي كانت عليه. ويمضي عويس قائلاً: يلاحظ أنه ومنذ سنوات خفت صوت القاعدة رغم وجود أسامة بن لادن لأن الظروف تغيرت والشعوب تبحث عن الحرية التي تتيح للإسلاميين أن يكون لهم صوت مسموع، ومن ثم فإن خلق كيانات سرية لم يعد له ما يبرره مثلما كان في السابق. ومعلوم في التاريخ الإسلامي أن فكر الغلو مردود عليه، وأن جماعة الجهاد المصرية راجعت أفكارها وتبنت فكرًا جديدًا يقوم علي الوسطية والحوار مع الآخر، ولا يعنينا مزيدًا من الشتات الإسلامي بقدر ما يعنينا أن يراجع هؤلاء الشباب أفكارهم ويطوعونها لخدمة دينهم لأن تنظيم القاعدة خلق حالة كبيرة من العداء والتخوّف من الإسلام، وأعطى فرصة سانحة لأعداء الإسلام ليتربصوا به عن عمد وعن جهالة. ويشير عويس إلى أن النماذج التي اعتمدت النهج الحضاري من خلال المفهوم الشامل والواسع للإسلام حققت أهدافها وهناك صحوة حقيقية تجوب العالم الإسلامي وتفرض نفسها ليكون الإسلام بديلاً حضاريًا يحترمه الجميع مع تأكيد أهمية نشر الفكر الوسطي ونبذ الغلو لإبراز قيم الإسلام الأصيلة وإعادة اللُّحمة الحضارية للإسلام إلي الواقع. رشوان: مبررات وجود القاعدة لا تتفق ومبررات بقائها ويؤكد المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات الدكتور ضياء رشوان أن الذين شربوا من فكر ونهج القاعدة من الصعب أن يحيدوا عنه ومن ثم يمكن لهذا التنظيم أن يستمر لسنوات مقبلة حتى ينتهي الجيل الأول الذي لازم بن لادن والظواهري، ولكن لن يكون في المستقبل وجود للقاعدة بالمعني الذي عرفناه وبخاصة إذا أمعنا النظر في مجمل التحوّلات التي يشهدها العالم الإسلامي والاتجاه نحو ترسيخ قيم الحرية والعدالة بما يتيح مشاركة أكبر للإسلاميين في العمل العام يحول دون إنشاء تنظيمات سرية كما كان في السابق. ويؤكد رشوان أنه لا شك أن وجود أسامة بن لادن كرمز لتنظيم القاعدة أعطي هذا التنظيم قوة وأضفي عليه عالمية خاصة أن بن لان كان لديه من الكاريزما والإمكانات ما يهيئ لدور عالمي للقاعدة، ولكن من الصعب أن تكون لهذا التنظيم نفس القوة في ظل القيادة القادمة، ويرى أن مبررات وجود التنظيم قد تختفي تمامًا مع التحوّلات الجارية الآن ولن يكون هناك حديث ذو موضوع إذا ما تحقق للإسلاميين مرادهم في الوجود الآمن والمشاركة في الحياة العامة، وقدّم المسلمون نماذج عملية ومقبولة تكون بديلاً للحلول الغربية المناقضة للإسلام.