خروج الصين من قمقم العبودية الاقتصادية جاء بتخطيط محكم يرمي إلى بدء الخطى في مسار الحرية التجارية في دروب الحياة الدولية بهدف مقايضة سوق الصين الذي تتطلع إليه الدول الصناعية بالسوق الدولي الذي تسعى إليه الصين. تحذر واشنطون الدول جميعاً من مشارق الأرض ومغاربها، من خطر الصين على اقتصاديات العالم، بعد أن لاحظت غزو بكين لأسواق أمريكا، وغيرها من الأسواق العالمية بمنتجاتها المختلفة المتقنة الصنع والرخيصة الثمن، التي أدت إلى بوار مثيلاتها من السلع المصنعة في مختلف أنحاء العالم. الخوف من الصين في ثوبه الأمريكي،الذي يرمي إلى تحجيم صادراتها إلى الأسواق العالمية، سبقه الخوف منها في ردائه البريطاني الذي اغتال قدرات الصين الهائلة بالأفيون، ليظل العملاق في «سبات عميق» بفعل المخدر، فلا يدرك ما يدور من حوله ويعجز عن التعامل معه، وظل هذا الوضع مستمراً حتى قيام الثورة الشيوعية في الصين عام 1950م بزعامة موتسي تونج، الذي عمل على إفاقة الشعب الصيني من الأفيون بسياسات صارمة، ولكنه حذره من حيث لا يدري مرة أخرى بالثورة الثقافية، التي جعلت الشعب الصيني يدور حول نفسه دون أن يستطيع الوصول إلى حركة التجارة الدولية، مما جعل الصين تواصل الاستمرار في عزلتها عن العالم، مما جعل كثيراً من المعارضين الصينيين في المنفى يصفون الثورة الثقافية بالمخدر لشعب الصين من الداخل بيد موتسي تونج، ويقررون بأنها امتداد واستمرار لتخدير شعب الصين من الخارج بالأفيون بيد بريطانيا، ويصلون إلى أن الاستعمار البريطاني، والثورة الشيوعية حاربتا الإنسان في الصين، وانتهكتا حقوقه الطبيعية لتلغي دوره في الأرض. غير أن الصين خرجت من «القمقم» الذي حبسها فيه موتسي تونج بثورته الثقافية، وجاء خروجه منه بواسطة «عفريت» المجمعات الصناعية والتسويقية التي أقامتها بكين في العديد من المناطق المختارة بالقرب من المدن المختلفة، لتفرض داخل تلك المجمعات نشاطاً صناعياً مميزاً، ومساراً تجارياً دولياً نشطاً، يتمشى مع طبيعة معطيات الزمن المعاصر، وحتى لا يفقد الإنسان الصيني قيمه ومثله ومبادئه الموروثة من آلاف السنين، فرضت عليه الحياة المزدوجة بالعيش في داخل المجمعات الصناعية والتجارية التي أكسبته قدرة الحركة على المستوى الدولي، وفي داخل المدن المجاورة لتلك المجمعات لتحافظ له على نمط الحياة التقليدية الصينية تختلف تماماً مع المناداة من بعض دول العالم الثالث التي تطالب الأخذ بتجربة الصين في الصناعة المميزة والتجارة الدولية الواسعة، لأن هذه التجربة الصينية غير قابلة للتطبيق عند غيرها من الدول، لما لها من خصوصية تتعلق بالصين وحدها، وهذا يجعل من المناداة بتطبيقها في دول العالم الثالث يوصف «بالتقليد الأعمى» بكل ما يترتب عليه من نتائج «تضر ولا تنفع» فنجاح التجربة الباهر في الصين بالمجمعات الصناعية والتجارية، يؤدي عند تطبيقه في غيرها من الدول إلى نكسات صناعية وعراقيل تجارية لاختلاف المناخ الاقتصادي، وتباين مسارات الحياة السياسية، وتناقض التركيب الاجتماعي بكل ما يرتبط به من اختلاف في القيم والمثل والمبادئ التي تفرض تباعداً في مسالك الحياة المدنية، بجانب الاختلال في الثقل الدولي بين الصين التي يعيش فوق أراضيها ألف وخمسمائة مليون نسمة، وبين مجموعة دول العالم الثالث التي يعيش بها ثلاثمائة مليون نسمة وهي تمثل نسبة 20٪ من سكان الصين. خروج الصين من قمقم العبودية الاقتصادية جاء بتخطيط محكم يرمي إلى بدء الخطى في مسار الحرية التجارية في دروب الحياة الدولية بهدف مقايضة سوق الصين الذي تتطلع إليه الدول الصناعية بالسوق الدولي الذي تسعى إليه الصين، وبدأت تتضح معالم هذه المقايضة بين السوقين فوق أرض الواقع وظهرت نتائج ذلك من خلال التعامل التجاري الدولي المتبادل بين دول العالم مجتمعة، وبين الصين وحدها، التي حصلت على سوق أكبر اتساعاً في الحجم من سوقها، وأكثر عدداً من المستهلكين القادرين والراغبين في الشراء من السوق الدولي، عن المستهلكين غير القادرين وغير الراغبين في الشراء بالسوق الصيني، فباعت الصين منتجاتها لخمسة أسداس السكان بالأسواق الدولية، مقابل محاولة بيع غيرها من الدول لمنتجاتها لسدس سكان الأرض بالسوق الصينية. فشل محاولة البيع للبضائع الأجنبية بالسوق الصينية لامتناع معظم الناس عن شراء البضائع الوافدة إليهم لارتفاع ثمنها، ونجاح بيع البضائع الصينية بالأسواق الدولية لتلهف الناس عليها لجودتها ورخص ثمنها، حقق فائضاً مالياً بخزائن بكين يدور حول تريليون دولار أمريكي، وقد أكسب «دفء المال» الصين قوة جعلها تتعمد التلاعب بقيمة الدولار الأمريكي في أسواق الصرف الدولية، وتدل المؤشرات في غرف مراقبة حركة العملات بالبنوك، على ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، وانخفاض قيمة اليورو الأوروبي، ويؤكد خبراء المال في العالم استمرار ارتفاع قيمة الدولار، وانخفض قيمة اليورو، ليصل كلاهما بالارتفاع والانخفاض إلى نسبة 25٪ من قيمتهما الحالية بكل تأثير ذلك على حركة التجارة الدولية. لم تقف الصين عند حدود توظيف فائض مالها بين الدولارات الأمريكية في التأثير فقط على حركة التجارة الدولية، وإنما اتجه التفكير عندها بتأثير دفء مالها، إلى إقامة تكتل اقتصادي آسيوي قوي حتى يتعذر على منافسيها من الدول ضرب اقتصادها المتميز بالتفوق على اقتصاديات غيرها، ووجّه هذا التفكير عندها تجربة النمور الآسيوية كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان، وماليزيا، التي أخذت تشكل ثقلاً اقتصادياً وتجارياً دوليين فوق المسرح العالمي يتحدى الثقل الصناعي والتجاري الغربي، الذي تعمد أن يضرب هذه النمور الآسيوية حتى يقضي على دورها الصناعي الكبير تحت مظلة الامتيازات الصناعية ونشاطها التجاري الذي غزت به الأسواق العالمية. إن وصول الصين إلى قيادة التكتل الاقتصادي الدولي فرض عليها تبديل القيادات السياسية التقليدية في بكين ليصل إلى السلطة الشباب القادرين على التعامل مع الشباب الذين يشكلون أغلبية الشعب الصيني فوصل إلى سدة السلطة والحكم في بكين هو جين تاو، الذي أخذ يتحرك بنشاط لاستقطاب دول آسيا إلى التكتل الاقتصادي الآسيوي وتأتي في مقدمة هذه الدول الهند والباكستان واندونيسيا والنمور الآسيوية، وغيرها من الدول في قلب آسيا أو في جنوب شرق آسيا وبدأت تتضح مؤخراً معالم التكتل الاقتصادي الآسيوي بقيادة الصين حدد رئيس الصين هو جين تاو أهداف التكتل الآسيوي بقوله: إن المرحلة التاريخية المعاصرة قد تجاوزت التكتلات العسكرية التي قامت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بعد أن خلعت التحديات زيها العسكري، وأرتدت التحديات الدولية المعاصرة الثوب الاقتصادي بالدعوة إلى العولمة، وارتباط كافة الدول بمنظمة التجارة الدولية، وهذا يفرض علينا إقامة التكتل الاقتصادي الآسيوي، لنواجه من تحت مظلته التحديات الدولية الموجّهة لنا وإلى غيرنا من الدول. أكد رئيس الصين هو جين تاو ان بلاده لا تسعى إلى فرض هيمنتها على غيرها من الدول، وترفض بقوة فرض هيمنة غيرها عليها، وهذا يجعلنا ندعو إلى تعدد الأقطاب في الحياة الدولية لأن طبيعتها الحالية تجعل من المستحيل استمرار فرض سيطرة قوة واحدة إلى الأبد على العالم مهما عظمت هذه القوة، إننا نريد من تعدد القوة الاقتصادية فتح أبواب التعاون مع الدول النامية حتى يتطور العالم كله بصورة متزامنة ليصل إلى التفوق الاقتصادي ليمثل ركيزة التوازن الدولي الذي يقوم على دعائمه السلام العالمي، وتتم المحافظة عليه من خلال تنمية كل دول العالم استناداً إلى قدراتها البشرية، ومواردها الطبيعية ليتحقق التكامل في الإنتاج بين التكتلات الاقتصادية والاقليمية لتتعاون بدلاً من أن تتصارع، ليقود ذلك التعاون إلى طريق فتح أبواب الديمقراطية في العلاقات الدولية بالحوار بين الدول على مصالحها القائمة على أساس «خذ وهات»، ومن الطبيعي أن تنتقل الممارسة الديمقراطية على الساحة الدولية إلى داخل الدول حتى تستطيع الاستمرار في الحوار الديمقراطي حول مصالحها الدولية المتعددة والمتداخلة فوق المسرح العالمي.