تفننت أمة البلاغة في تسمية فنونها, فكانت بعض المصطلحات البلاغية تقوم على التشبيه فيقرب المصطلح الإحساس بالجمال الذي نجده في أدبهم, ومن هذه التسميات (التوشيح), ومعناه أن يكون معنى الكلام يدل على لفظ آخره, فالمعنى مثل الوشاح يجول على أول الكلام وآخره. ففي الشعر يكون أول البيت شاهدا بقافيته, ومعناه متعلقا به, حتى أن الذي يعرف قافية القصيدة التي منها البيت إذا سمع أول البيت عرف آخره وبانت له قافيته, كقول النميري: وإن وزن الحصى فوزنت قومي وَجَدت حصى ضريبتهم رزينا فإذا سمع الإنسان أول البيت وقد تقدمت قافية القصيدة استخرج لفظ القافية ف (وزن الحصى) سيأتي بعده رزين بناء على قافية القصيدة. وهناك أمثلة أخرى للتوشيح, أثق بأنّ القارئ سوف يكمل الكلمة الأخيرة منها, وهي من قصيدة لابن زريق البغدادي الذي كان يحب ابنة عمه حبا شديدا وقد فارقها إلى الأندلس ليمدح أبا الخير فما حصل إلا على عطاء قليل, ثم تذكر فراق ابنة عمه وقال قصيدة من أبياتها: لا تعذليه فإن العذل يوجعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه جاوزت في لومه حدا أضرّ به من حيث قدرت أن اللوم------ ويقول: أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني لا ------ وينطوي التوشيح على إشارة بلاغية مهمة لم يغفل عنها علماء البلاغة وهي العلاقة الوثيقة بين المعاني والألفاظ التي تساق لها في فهم أمور دقيقة قد تغيب عمن لا يتدبرها, هناك قصة حكاها الأصمعي قال: كنت أقرأ:"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله" "والله غفور رحيم", وبجانبي أعرابي فقال: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله, قال: أعد. فأعدت فقال: ليس هذا كلام الله. فانتبهت فقرأت: "والله عزيز حكيم" فقال: أصبت, هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. فقلت من أين علمت؟ فقال: يا هذا, عزّ فحكم فقطع, ولو غفر ورحم ما قطع. * محاضرة في اللغة العربية