في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي الأسود (ايما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا ثلاثة قال وثلاثة قلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد) استحضرت هذا الحديث وأنا أسمع ثناء النلاس على الشيخ محمد بن عبدالرحمن الدوسري إمام جامع ابن تركي جنوب مدينة بريدة والذي وافاه الأجل يوم الأحد 18 ربيع الآخر وذلك بعد معاناة مع المرض، فاللهم لك الحمد لا راد لقضائك ولا معقب لأمرك وحكمك، ومن يتأمل سيرة حياته المباركة يجدها زاخرة بمآثر جليلة وعظيمة في ميادين العلم والخير محفزة ومشجعة ومعشقة لنيل المراتب العليا، فكما قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة: (ليست هي تراجم لذكر الولادة الوفاة فهي تراجم قوادح للعزائم للصبر والدأب لنيل المقامات والمغانم) وفي هذا المقام أورد بعض اللمحات المتفرقة من سيرته يرحمه الله: 1 - قضى أكثر من أربعة عقود في إمامة جامع ابن تركي فكان له دور فاعل داخل الحي وأنموذجاً للإمام القدوة محل ثقة أبناء الحي ومحل استشارتهم معالجاً مشاكلهم عبر منبر الجمعة. 2 - كان حافظاً متقناً للقرآن وقد لازمته في قراءة القرآن سنوات فكان له أساليب بديعة في التربية ومنها التربية بالقدوة فنتأثر بأفعاله قبل أقواله ونستمد من سمته وحلقه وأدبه ونأخذ بتوجيهاته وارشاداته. 3 - من أساليبه محبته للرفق وكرهه للعنف ويستعمل أهون العبارات مما جعله قريباً من تلاميذه لا يعاتب مباشرة مستحضراً تبويب البخاري في كتاب الأدب (باب من لم يواجه الناس بالعتاب). 4 - كان حريصاً على تربية الصغار وتوجيههم من خلال تعليمهم القرآن وهذه أمن السياسة الشرعية ومن خلال ذلك يؤكد على بر الوالدين والحرص على الصلاة وكثيراً ما يردد الحديث الذي ساقه البيهقي بإسناده في السنن الكبرى (علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين وأضربوه عليها ابن عشر). 5 - كان مظهراً للسنة على منهج السلف الصالح يتجنب مواطن الخلاف الذي يؤدي إلى التنازع ويوصي بالوسطية ويؤكد على احترام الولاة والعلماء والترحم على أصحاب المتون قبل القراءة عليه. أسأل الله العلي القدير بُمنه وكرمه أن يغفر لشيخنا الدوسري وأن يربد مضجعه وأن يمطر عليه شآبيب الرحمة والرضوان وأن يبارك في ذريته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.