هذا الطريق لا يذكّرني إلا بك ، وهذه الشوارع لم أعرفها إلا وأنا عائد منك أو ذاهب إليك ، بل هذه المدن بأكملها تذكّرني بك دائما ، لكنك لست مجرد صديق ارتحل عن دار الفناء إلى دار الخلود ، لكنك أخ حقيقي ، عرفت على يديه معاني الأخوة في أسمى صورها ، وقيم العمل والإنجاز والعطاء والتكاتف والمروءة في أنقى وأسمى معانيها . الرسالة التي وصلتني ليلة غيابك لم يجب عنها صوتي ولا رسالتي ، لكن أجابت عنها دموعي ، فكيف لي أولًا أن أستوعب غياب رجل مثلك ، ملأ حياتنا نحن أصدقاءه وإخوته بالحضور والبهاء والصدق وبياض الروح ونقائها ، كيف لنا أن نستوعب أنك لن تكون بيننا بعد تلك الليلة ؟ وأنت الذي كنت معنا ولنا كل يوم وكل ليلة . كنتَ معنا بذاتك التي تحيط بنا جميعا ، وبوفائك وقلبك الذي اتسع لنا جميعا ، وبصفاء روحك الذي علّمنا النقاء والخير والعطاء ، وبذر فينا وبصمت كيف يكون الخير الذي يهبه الله لعباده فاتحة للخير وطريقا للعطاء وبابا للخير والرحمة . عرفتك نموذجا لكل ذلك العطاء ، ورجلًا استغل ما منحه الله من خير ورزق ليجعله بابا ومدخلا لسعادة الآخرين ، وحديثي أنا عن أخلاقك وطيب ذاتك وعن سعة يدك ، ليس حديث من سمع ، ولكن حديث من رأى وعايش وعاصر كثيرا من تلك اللحظات والمواقف. عبدالرحمن الفهد السعيد ، كم كنت تعتز بمن حولك من إخوتك وأبنائهم ، وطالما قلت لي بأن رأس مالك الحقيقي هو اجتماع كلمتكم واجتماع رأيكم ، ووجودك معهم وبينهم ، وكم قلت لي بأن قوتك ومصدر اعتزازك ما عليه إخوتك وأبناؤك وأبناء إخوتك من اجتماع وتكاتف وأخوة ، وتلك هي الصفة التي ظل كلّ من حولك يقتدي بك فيها ، ويجتهد ليكون مثلك . منذ أن بدأت في مجال العمل الحر والاستثمار العقاري ، وأنت تجعل من الجميع شركاء لك في الخير ، وتتحمل عنهم كل خسارة ، ولقد وفقك الله لتكون ناجحا بحبك للخير ، وحبك لمن حولك ، وصدقك معهم وصفاء نيتك ، وبياض قلبك. سنوات قضيتها بجوارك أتعلم من كل يوم شيئا جديدا وأرى فيك نموذجا للمستثمر الوطني الذي يشعر بمسؤوليته لوطنه ولثقافته ولأهله ولمحبيه ، ونظرتك المستقبلية وبعد نظرك دائما بفضل الله ، وفي مجالات استثمارية غالبا ما تشيع فيها الخصومات والتحالفات إلا أنك كنت خصما للظلم فقط ، وكنت متحالفا مع الصدق والإخلاص فقط . ولأن تلك كانت خصومتك وتلك كانت تحالفاتك فقد استطعت أن تربي من حولك أبناءك وأبناء إخوانك على كل تلك الصفات ، وتشهد على ذلك سيرتك وسمعتك وسمعة شركاتكم التي لم تكن في يوم من الأيام طرفاً في نزاع أو في أزمة، ولم تتعرض لأي شكوى ، لسبب يسير أنك كنت تقدم حقوق الناس على ذاتك ، ودعواتهم لك تلهج بها ألسنتهم ليل نهار . لقد جعلت من عمل الخير مهمة أولى ورئيسية في حياتك ، بدءاً من الأقارب والمحيطين وصولا إلى البعيدين ، فمثلك من الرجال المؤمنين بالعمل الخيري ، لا يفكرون في اتجاه الخير ولا في اتجاه العطاء بقدر ما يفكرون في القيام به . لقد كنت على استعداد دائم لترك كل التزاماتك والموقف مع المرضى من أهلك وأصدقائك ، والبقاء معهم داخل المملكة وخارجها ، ولطالما - ومن تجربة شخصية - شعرت بصدقك وقربك حين كنتُ في رحلتي العلاجية خارج المملكة ، وسؤالك واتصالاتك المستمرة كانت تجعلني أحمد الله دائما أن وهبني أخاً مثلك . لقد عودتنا أن فعل الخير والعطاء هو الاستثمار الفعلي ، وهو الادخار الذي لا يفنى ، وكم كنت تحرص على أن يظل اسمك بعيداً عن كل ما تقدمه ، مقتدياً بصفات المؤمن الذي ينفق بيمينه ما لا تعلم شماله . شخصيتك المتواضعة والقريبة من الناس ملأت القلوب حولك اعتزازاً بك ، في رمضان الماضي وحين كنتَ في ولاية فلوريدا الأمريكية كنت تعد وجبات الإفطار بنفسك وتقوم بحملها للمسجد وتوزعها على الجاليات الإسلامية هناك ، في واحد من مواقفك في خارج المملكة التي كنت فيها نموذجا للمسلم والمواطن المعتز بدينه وقيمه . إن عزائي الوحيد أن حولي من إخوتك ومن أبنائك من أركن إليهم إخوة وأصدقاء ، نشترك كلنا في حزننا على غيابك ، مثلما اشتركنا في محبتنا لك وتعلمنا منك ، وسيظل كل شيء حولنا يحملنا إلى ذكرك وإلى اتباع نهجك في العطاء والخير ، والذين امتلأت حياتهم مثلك بكل ذلك العطاء ، لا يغيبون وأن غادروا هذه الدار الفانية ، لأنهم يظلون أحياء في قلوب الناس. ستظل حياً في قلوبنا ، وستظل دعواتنا لك بالرحمة والمغفرة تحيط بك وبذكراك ، فرحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وأعاننا على أن نكون جميعاً أبراراً بما تعلمناه منك من طيب وكرم خلق . اللهم ارحم أخي وصديقي عبدالرحمن الفهد وتقبله برحمتك واغفر له إنك أرحم الراحمين .