يُعد "غرور الثقة" عاملاً أساسياً في رسم شخصية المرء، ومتى ما نحت مساراً إيجابياً كانت علامة على النضج والحكمة، بل وحسن تقدير الأمور، ومتى ما نحت مساراً سلبياً كانت علامة على التكبر و"شوفة النفس"! وبحسب مختصين في علم النفس والاجتماع، فإن "غرور الثقة" صفة مكتسبة للإنسان بفضل البيئة والاحتكاك؛ إذ يشعر الفرد بقيمته بين مجموعته، فيتحكم بالمواقف بهدوء ورصانة، ومن أهم الجوانب التي تنميها، التفكير الإيجابي، والمشاركة المثمرة في النقاشات، إضافةً إلى تقبل النقد، وتحمل المسؤولية، وكذلك مساعدة الآخرين، والظهور بمظهر حسن، حيث أن هناك من يجيد ترجمة تجربته إلى "تميز"، إلاّ أن البعض يخفق عبر ترجمتها ب"التعالي"، سواء عبر لغة الحديث، أو إشارات الجسد، مما يحد من تعاطي المتلقي مع النصائح أو الخبرات المقدمة. ويُعد بعض العلماء "غرور الثقة" احدى سمات النجاح في العمل القيادي، ومتى ما تحول إلى ثقة مفرطة أصبحت "حالة مرضية". والغرور لا وجود له في الدماغ بحسب رأي "جيروم كاغان" -البروفيسور الفخري في علم النفس بجامعة هارفرد- الذي أكد أن ما يحويه الدماغ، هو دائرة تتحكم في المشاعر المتداخلة، من توتر وشكوك بالنفس وقدراتها، الأمر الذي قد يكون المسؤول عن تكوين الثقة بالنفس، وبالتالي حدوث "غرور الثقة". "الرياض" تطرح الموضوع، وتتناول الآراء، فكان هذا التحقيق: تعامل إيجابي في البداية قال "سعد الحمودي" -مستشار في التنمية- ان شعرة تفصل بين "غرور الثقة" و"غرور الكبرياء"، وربما نتجاوز تلك الشعرة دون أن نشعر، مضيفاً أن غرور الثقة تعبر عن إحساس الإنسان بقيمته بين من هم حوله، وتعود إلى عدة عوامل، أهمها نجاحاته وانجازاته، إضافةً إلى القدرة على التعامل بايجابية مع المشكلات المختلفة، وكذلك المواقف المحرجة، إلى جانب القدرة على بناء العلاقات بشكل ايجابي، مع توطين النفس على تقبل الحياة بشقيها المشرق والمظلم، مشيراً إلى أن غرور الثقة صفة تدل على قوة الإنسان، وهي مطلوبة شرعاً وعرفاً، مذكراً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، ذاكراً أن غرور الكبرياء هو زيادة إحساس الفرد بذاته، وأنه مميز عن غيره تميزاً مطلقاً، أو خارج المألوف، اعتقاداً منه بعدم قدرة الآخرين على الوصول إليه، وهو شعور سلبي بالعظمة وتوهم بالكمال، مبيناً أن الغرور أحد أوجه الكبر، وقد نهانا عن هذه الصفة المقيتة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". مراقبة النفس وشدد "سعد الحمودي" على أن "غرور الثقة" أمر ضروري وإيجابي ومطلوب، لكن إذا تجاوز الحد تحول إلى تكبر وتعال، ليصبح أمرا سلبيا ومذموما شرعاً وعُرفاً، مضيفاً أن كلا الصفتين يمكن للشخص المقابل اكتشافها وتلمسها؛ مشدداً على ضرورة مراقبة أنفسنا دائماً، مع الحذر عندما نتعامل مع الآخرين؛ لأن طريقة تعاملنا وحديثنا ستعكس مدى شعور الطرف المقابل بثقتنا أو بغرورنا، موضحاً أنه عندما يتحدث الإنسان بتعال وفوقية وإنكار لإسهامات الآخرين في نجاحاته، وما وصل إليه، إلى جانب تمجيد ذاته، وإرجاع كل أسباب تفوق أعماله ومشروعاته إلى ذاته فقط، فمن الطبيعي أن يصفه الآخرون بالمغرور، أما من يتحدث عن انجازاته بطريقة مبسطة، ويبادل الآخرين بابتسامة ودودة، ويتحدث عن انجازاته ونجاحاته وكيف ساهم الآخرون بها، وكيف كان توفيق الله داعماً له في كل خطوة يخطوها، حينها سيشعر الطرف المقابل أن المنطلق والقاعدة لحديث هذا الشخص هي الثقة بالنفس. تنمية الخبرة وقال "وليد الشعيبي" -مدرب في التنمية البشرية-: كن قائدا غير متوج، بالسعي والتطوع للقيادة متى ما تسنى ذلك، وكن معلماً ومساعداً للآخرين دون أنانية، وسيأتيك الآخرون لطلب قيادتك، مضيفاً أنه من المهم تنمية الخبرة، واستخدام التصور العقلي الإيجابي، مؤكداً أن المحاكاة الذهنية هي "بروفة" النجاح. وأوضح "محمد العبود" -موظف بإحدى شركات القطاع الخاص- أن مديره يضخم كل عمل ينجزه، الأمر الذي دفعني لتجنب البقاء معه، مشيراً إلى أنه يقدر حجم التحدي الذي واجهه، وصارع كثيراً من أجل منصبه، إلاّ أن لغته في الحديث تجعلني أترجم حديثه إلى لغة الغرور. وذكرت "سارة العريني" -موظفة بنك- أنه منذ نحو سبعة أعوام، لم تحضر المناسبات العائلية إلاّ في نطاق ضيق، والسبب طبيعة عملها، موضحةً أن اختلاف بيئة العمل مع بيئة المنزل، جعل لها طريقة خاصة بها، سواء في الملبس، أو الحديث، بل وحتى مواعيد اللقاءات العائلية، الأمر الذي فسره البعض على أنه غرور أو تعال، لكن ذلك غير صحيح. قصص نجاح طبيعة العمل وبيئة الاحتكاك واجهت أيضاً "خالد المزيد" -خريج جامعة أميركية- حيث وجهت له تهمة الغرور من قبل معارفه وأصدقائه، مضيفاً: "عدت إلى الوطن بعد سنوات من الغربة، إلاّ أنني لم أستطع الاندماج أكثر في الحياة اليومية، حيث تعودت على الأنشطة الرياضية، واللقاءات الثقافية، الأمر الذي فسره البعض على أنه ترفع وغرور". ويزخر التاريخ بقصص نجاح بدأت من الثقة بالنفس، وتحول أصحابها أعلاما يشار لهم بالبنان، أحد هؤلاء هو الرئيس الأميركي "إبراهام لنكولن" الذي عاش (30) عاماً من الصراع من أجل الرئاسة، إذ شارك في بدايته في مجال الأعمال، وأخفق وهو في (21) من عمره، وأعاد الكرّة سبع مرات، أصيب خلالها بانهيار عصبي، وهو ابن (27)، ليتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة وهو في (52) من عمره. ومن الأمثلة "توماس أديسون" الذي أنار العالم بالكهرباء، حيث قال: العبقرية (1%) إلهام، و(99%) عرق جبين، حيث كان يظن أن النجاح أمنية مستعصية، وهو يخرج من مدرسته معاباً بالغباء والفشل، فأصر على التجربة، وبعد (999) محاولة أضاء المصباح.