خلاف مستتر بين أمريكا وإسرائيل حول ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، لكن الخلاف يدور بحلقة الحليفين الرئيسين بالمنطقة وخارجها، ولعل التقديرات الأمريكية أن الحرب أو الضربة يمكن أن تتم، لكن كيف تبدأ وتنتهي هنا الإشكال الأساسي، وروادع إيران من الصواريخ بعيدة المدى قادرة أن تضرب إلى مسافات تصل إسرائيل وحتى أمريكا، وترى أن العقوبات الاقتصادية بدأت تؤذيها بشكل مباشر، لكن إسرائيل تعاكس هذه الرؤية بعمل سريع ومباشر مطلوب.. فسوريا- كحليف مجاور لإسرائيل، وربما تدخل في حرب لمساندة إيران- واقعة تحت مشكلة الثورة، وجيشها موزع بين المدن والقرى، ويعيش حالة تشقق واستنزاف ما يعوقه عن أي تصرف، وحزب الله يعلم أن مغامرة كهذه ستكون مدمرة، ومن بين الشعب اللبناني الكثيرون ممن يتمنون زوال قوته بأي فعل خارجي حتى لو جاء من إسرائيل.. أمريكا تعرف حساسية المنطقة وتأثيرها على اقتصادياتها والعالم، بينما اهتمام إسرائيل ينصب على حاجة أوباما للصوت اليهودي في الانتخابات القادمة، ولابد أن يدرك أن السباق يجري سريعاً، وامتلاك إيران سلاحاً مدمراً، سيفقد إسرائيل أي امتيازات أمنية رادعة، بينما أمريكا تؤكد أن إسرائيل لا يمكنها اتخاذ خطوة كهذه بدون مساعدتها، والمساومات تجري وفق تقديرات كل طرف ونظرته للموقف بتدقيق لجميع الاحتمالات، لكن ماذا لو تصرفت إسرائيل منفردة واضطرت أمريكا أن تجبر على دخول المعركة تحت الأمر الواقع، ثم تحولت الحرب بين حليفين وقوة إقليمية لديها من يتعاون معها ويساندها؟.. روسيا والصين هل تبقيان على طرف بعيد من المعركة؟، لأن أي تصعيد بين هذه القوى، سيوسع الدائرة من حرب الصغار ولعبتهم إلى أزمة عالمية تخرج عن نطاق السيطرة إذا ما شعر كل طرف بضرورة حماية مصالحه؟.. التقديرات لا تؤكد أن الروس والصينيين سوف يدخلون الأزمة بشكل مباشر، بل قد يضعونها في حساب مكاسبهم، أي أن استنزاف أطراف القضية سيكون لصالحهما على المدى البعيد، لكن قد تختلف نظرتهما، أي أن الصين لو تصاعدت أسعار النفط لما سيكون فوق طاقة احتمالها، فإنها ستبقى مراقباً، ولكن خارج مساحة النيران، بينما روسيا كمصدّر كبير للنفط سترى أنها مثل تاجر حرب، أي المستفيد الأول من أي أزمة من هذا النوع، وقد تجد لأسلحتها رواجاً أكثر من إيران أو أي طرف يحتمل أن يكون عرضة لاختراق أمنه. العالم سيكون مراقباً لما يجري، وقول أوباما إن كل الخيارات مفتوحة بما في ذلك استخدام القوة، وتطابق هذا الكلام مع الرغبة الإسرائيلية، يجعلان الأمور خاضعة لرد فعل إيران، والتي لديها رؤيتها وحساباتها، لكن إسرائيل تظل الهاجس الأول لأمريكا وعملية أمنها متصل جذرياً بالإستراتيجية الأمريكية العليا.. إيران ترى أن حدوث أزمة نفط عالمية سيدفع بالدول جميعاً إلى توجيه اللوم لإسرا"ئيل وأمريكا معاً، باعتبارهما مَنْ بادر بالاعتداء على دولة ذات سيادة، وأن هذا يعزز مكاسبها، لكن في كل حروب أمريكا هل كانت تراعي الرغبة الدولية أو القوانين المرعية، فهي تتصرف بما تمليه رغباتها، وهنا المشكلة الكبرى!!