ارتفعت مؤخراً حدة الانتقاد في الوسط السياسي والأمني في إسرائيل إزاء ما يعتبرونه اضطراباً في السياسة الأمريكية حيال إيران. وعلى الرغم من أن مسألة توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية مازالت محل جدل وخلاف في القيادة الإسرائيلية، إلا أن الانطباع السائد لديهم هو أن التصريحات المتضاربة الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة اوباما حيال إيران لا تخدم المساعي الرامية الى زيادة الضغط عليها. وذكر مصدر سياسي رفيع ل "هآرتس" بأن جزءاً كبيراً من التصريحات والإعلانات الأمريكية خلقت انطباعاً لدى الإيرانيين بأن امريكا غير جادة في تهديده طموحاتهم النووية، ولذلك فليس هناك ما يدعو للتوقف. وكان وزير الدفاع ايهود باراك قد عقد الأسبوع الماضي عدة لقاءات في واشنطن ركزت كلها على سبل معالجة المسألة الإيرانية، وكان ممن التقاهم باراك نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الدفاع ليون بانيتا وعدد من كبار المسؤولين في البنتاغون وأجهزة المخابرات. وقد أبدى هؤلاء المسؤولين قلقهم من إصرار باراك على خيار قيام إسرائيل بتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران. وخلال هذا الأسبوع سيبدأ نتنياهو زيارة للولايات المتحدة لحضور المؤتمر السنوي ل "ايباك"، وسيلتقي خلال زيارته بالرئيس باراك اوباما. ويرى مراقبون بأن هذا اللقاء سيكون مصيرياً وحاسماً بكل ما يتعلق بالملف الإيراني. كذلك سبق أن انتقدت الإدارة الأمريكية أكثر من مرة الثرثرة الإسرائيلية الزائدة في الشأن الإيراني، إلا أن هذا الاتهام تم توجيهه أيضاً من الاتجاه المعاكس، ففي إسرائيل بدأ المستوى السياسي في انتقاد التصريحات الكثيرة والمتناقضة لعدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية بينهم بانيتا ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي. ففي كثير من المناسبات وفي أوقات متقاربة صدرت عن مسؤولين أمريكيين تصريحات متضاربة حول موضوع الضربة العسكرية. فأحياناً يؤكدون بأن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" لمعالجة المسألة الإيرانية، وأحياناً يتحدثون بإسهاب عن الأضرار المترتبة على أي عمل عسكري. ومؤخراً قال الجنرال ديمبسي بأنه ليس من الحكمة قيام إسرائيل بأي خطوة عسكرية تجاه إيران. إلا أنه عاد ولطف من تصريحه هذا الأسبوع بعد التحفظات الإسرائيلية. وأكد المصدر الرفيع ل "هآرتس" أنه إذا لم تكن الولاياتالمتحدة صلبة في مواقفها حيال إيران سواء عبر العقوبات أو التهديد بتحرك عسكري فستدرك طهران أن عام 2012 سيكون عاماً ضائعاً للأسرة الدولية ومكسباً لها للتقدم في برامجها النووية. وأضاف المصدر "إن التصريحات المتضاربة الصادرة عن الإدارة الأمريكية جعلت الإيرانيين يطمئنون بأنهم لن يتعرضوا لأي هجوم عسكري حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية. إن إيران تتعرض حالياً لضغوط كبيرة، غير أن غياب جبهة صلبة ضدها سيجعلها تتمادى في مواقفها فيما يتعلق ببرامجها النووية. وبمناسبة زيارة نتنياهو لواشنطن يتوقع الإسرائيليون أن يوضح الأمريكيون الخطوط الحمراء في نظرهم فيما يتعلق بالشأن الإيراني. وكانت وزيرة الخارجية كلنتون قد قالت الأسبوع الماضي أمام مجلس الشيوخ بأن سياسة الإدارة الأمريكية تهدف الى منع الإيرانيين من الحصول على سلاح نووي، وتأمل تل أبيب أن تُصاغ هذه السياسة بشكل واضح ودقيق بكل تفاصيلها، وما هي الخطوات التي ستتخذها واشنطن لتحقيق ذلك. وقبل يومين غصت وسائل الإعلام الأمريكية بتقارير عديدة تتحدث عن قدرة الولاياتالمتحدة على مهاجمة إيران. ونقلت شبكة "بلومبيرغ" عن قائد سلاح الجو الأمريكي الجنرال نورتن شوارتز قوله ان الولاياتالمتحدة لديها سيناريوهات عسكرية تتضمن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. أما صحيفة واشنطن بوست فنشرت تقريراً يؤكد أن مسؤولي البنتاغون مقتنعون بقدرة القنابل المدمرة للمنشآت تحت الأرض التي يملكونها. ويمكن رؤية صدى التوقعات الإسرائيلية في المقال الذي كتبه أول أمس رئيس شعبة المخابرات العسكرية السابق عاموس يدلين ونشرته صحيفة نيويورك تايمز، يقول يدلين في المقال ان القدرة الجوية الأمريكية تتفوق كثيراً عن نظيرتها الإسرائيلية وهذا يعطي الأمريكيين فرصة اكبر ومساحة زمنية أوسع للتعامل مع التهديد الإيراني. ويؤكد يدلين أن عامل الوقت هو أحد أسباب التوتر بين الدولتين، فإذا ما استجابت إسرائيل للطلب الأمريكي بعدم شن أي عملية عسكرية ضد إيران يجعل الولاياتالمتحدة مسؤولة عن أمن إسرائيل. كذلك انتقد يدلين بشده في مقاله تحذيرات الإدارة الأمريكية من أي تحرك إسرائيلي، وطالبهم بتوضيح موقفهم بدقة. وخلص يدلين الى القول انه يجب على اوباما أن يلتزم بصراحة بأن يعمل على منع حصول إيران على السلاح النووي في حال أصر على منع إسرائيل التحرك عسكرياً. وإذا لم يفعل اوباما ذلك فعلى القيادة في إسرائيل أن تتخذ قرارها بنفسها مادامت ترى أنها قادرة على التحرك. "صحيفة هآرتس"