مشهد يمسح عن ذهنك كل الصور المقولبة والتي فقط تركز على البشاعة والسلبية بكل تشوهاتها! كانت الساعة السابعة إلا ربعا صباحا وأنا ألحق بمصعد المبنى حتى أصل للمعمل الذي أبدأ فيه يومي، التقتني بابتسامتها التي ذكرتني أنني نسيت أن أبتسم، فالمشاغل التي تعصف بذهن الواحد منا تجعله يقطب حاجبيه عن غير قصد لانه في حالة ضغط فكري دائم. كان المرضى جالسين على مقاعد الانتظار أمام عيادة "جراحة اليوم الواحد" في انتظار فتح العيادة وبداية الإجراءات، وجدها تقف أمام كل واحد منهم متذكرة اسم من تعرفه منهم متسائلة عن الآخر الذي لا تعرفه، تتحدث معهم وقد ازدادت ابتسامتها اتساعا، تخبرهم أن العيادة ستفتح بعد قليل وتجيب عن كل الأسئلة مهما تكررت. وما أكثر أسئلتنا حين ننشغل، حين نضطرب، حين ننتظر نتيحة تحليل مخبري أو تقرير طبيب الأشعة. تطمئن هذه المتعبة والخائفة من موعدها في العيادة اليوم وتضحك في وجه صغير متعلق بثوب أبيه وتستمع باهتمام إلى آخر يخبره عن الأدوية التي يتناولها، كل هذا والعيادة لم تفتح بعد. جميلة هذه الممرضة بكل ما فيها من إنسانية تتغلب على ضغط العمل وفوضى الأمور الطارئة وتطرف المشاكل الشخصية فمن منا لا يحمل همّا صغيرا كان ام كبيرا حقيقة كان أو وهماً مبالغا فيه. جميل إحساسها الراقي بحالة المريض وأهله القلقة التي تجعله يأتي بساعة أو أكثر قبل موعده للمستشفى، جميل تعاملها الإنساني الذي لم يلغ مهنيتها ولم يحولها في نفس الوقت إلى كائن جامد يؤدي عمله بروتينية وميكانيكية. جميلة نظرة الراحة التي رأيتها على وجه كل مريض أو مرافق لمريض كان القلق يعتريه. أن توازن بين إنسانيتك ومهنيتك في المجال الطبي فليس بالأمر السهل، لذلك قد تقابل البعض ممن يرون المرض بأعراضه وتبعاته فيك ويتعاملون معك كملف أمامهم يعرفون الأعراض ويصفون أحسن الأدوية، وينجحون في التشخيص للمرض والتعامل معه وهم ناجحون حتماً في عملهم ويفيدونك كمريض، ونقابل من يملكون خاصية إضافية تجعلهم يلمسون قلقك ويتوقفون عنده ويقومون بخطوة تواصل إنسانية بسيطة تنسيك برودة قاعات الانتظار وقلقك على قريب يتألم بجانبك. هذه السيدة صنعت يوما مختلفا ليس للمرضى ومرافقيهم بل لي أيضا، ليت كلًا منا يحاول أن يصنع يوما مختلفا في محيطعه العملي أو الاجتماعي فيه شيء من الجمال وكثير من الإنسانية، لعلنا نرتاح ولو قليلا من كل الضجيج المؤلم حولنا. وأسعد الله صباحكم بكل خير..