جاء واضحاً تأكيد خادم الحرمين الشريفين الصريح والصادق للرئيس الروسي بان السعودية لا يمكن إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سوريا، وان حواراً حول ما يجري الآن في سوريا لا يجدي، في إشارة حازمة انه ما من مخرج سوى نقل السلطة، منتقداً الروس على خطوتهم في مجلس الأمن كونهم لم ينسقوا مع العرب قبل استخدام الفيتو. على أن حديث الملك أعاد موضوع إصلاح الأممالمتحدة، إلى الواجهة لاسيما وقد تجاوز عمر المنظمة 67 عاما. وأثارت أقواله تجدد السؤال عن مستقبل المنظمة العتيقة خصوصا وانه قد أشار إلى اهتزاز الثقة بها، كما انه وفي رسالة لافتة أيضا نبه بأن العالم لا تحكمه عدة دول بل يُحكم بالعقلانية والإنصاف والأخلاق. إن مستقبل إصلاح الأممالمتحدة لم ينطلق إلى التعامل مع واقع عالمي جديد لأنها لم تعط اهتماما لمفهوم بات مطروحا يتمثل في الأمن الإنساني، فالأمر يتجاوز الأمن الجماعي الذي يمس الدول، ولكن ماذا عن الشعوب التي يفتك بها من قبل زعمائها حيث تفقد تلك الأنظمة شرعيتها انتقاد الملك يثير مسألة جدلية ومطروحة منذ زمن حول أهمية إعادة النظر في هيكيلة الأممالمتحدة ودور مجلس الأمن وآلية اتخاذ القرار فيه، إلا أن الظرف والزمن وتسارع المتغيرات أعطى زخما واهتماما وتفاعلا مع ما طرحه خادم الحرمين، وكأنه يفتق ذاكرة العالم بأن الهدف كان من إنشائها إنما يهدف في الأساس إلى حماية الأفراد والشعوب وليس مؤسسات الدول التي تفتك بشعوبها، وبالتالي هو يطالب بإصلاح جذري يمس الجوهر والمضمون. على أن الفيلسوف ايمانويل كانط كان ومنذ قرنين أول من اقترح إنشاء منظومة فيدرالية تضم دول العالم، بحيث أن يكون لدولها الأعضاء الحق في معاقبة أية دولة تعتدي على دولة أخرى. وبدا ان فكرة نظام الأمن الجماعي أراد لها القدر أن تتأسس على نقطة محورية تتمثل في عدم السماح بالإخلال بالوضع القائم في النظام الدولي بطريقة غير مشروعة. وفعلا فقد تبلورت صورتها من خلال عدة صيغ لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب الحروب الأوروبية بدءاً من معاهدة "وستفاليا" العام 1648، التي وضعت القواعد والأسس لتحقيق الأمن للدول الأعضاء في المجتمع الدولي على أساس جماعي، وثم ما لبثت أن نزعت العلاقات الدولية نحو التعاون والمشاركة بدلاً من السيطرة والهيمنة ومروراً بمعاهدة "أوتراخت" العام 1713، وصولاً إلى معاهدة "فيينا" العام 1815، ليطفو على السطح مفهوم الأمن الجماعي منذ بدايات القرن العشرين، فما لبث أن أصبح عنصرا مفصليا في منظومة العلاقات الدولية كونه يهدف للمحافظة على السلم والأمن الدوليين. على أن الكثيرين في العالم يتفقون مع رؤية الملك ، ويقرون بوجود خلل في راهن المنظمة الدولية وأنها بحاجة لعمليات جراحية وليس إلى مسكنات،بدليل ان العطب بات ملموسا في التطبيقات العملية الصادرة عن أجهزتها الرئيسية فضلا عن التابعة لها. كان التذمر ينطلق من خلال التركيبة الإدارية والتنظيمية لأجهزتها، وأبرز مثال على ذلك نظام الفيتو الذي يتعارض مع نص صريح في ميثاق الأممالمتحدة الذي ينص صراحة على "مبدأ المساواة بين الأعضاء"، فضلا عن نظام التصويت في صندوق النقد الدولي. ناهيك عن تعطيل بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لتأثره بموازين القوى ومفاعيلها ، ولعل إسرائيل والانحياز الأميركي لها يبرزان هنا كمثال صارخ عن هذه الحالة المزرية . وفي هذا السياق، ثمة من يسأل حول جدوى نظام الأمن الجماعي طالما أن فعالية الأممالمتحدة باتت مرهونة بإرادة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين ما فتئوا يستخدمونها كأداة صراع، بدليل الفيتو الروسي – الصيني الذي جاء كترجمة واقعية لهذا الخلل ما يعني أن القواعد المرجعية التي يستند إليها مجلس الأمن والتي تحكم آلياته تفتقر إلى الوضوح ، فأصبحت تخضع لتفسيرات متباينة وفق مصلحة كل دولة، ما يفضح تعاملها بمبدأ ازدواجية المعايير مع الأزمات. على ان صياغة مسودة الميثاق كانت قد استغرقت وقتا رغبة من واضعيه لتجنب الخلل الذي لحق بمفهوم الأمن الجماعي في عصبة الأمم، حيث نص الميثاق على "امتناع جميع أعضاء المنظمة عن استخدام أو التهديد باستخدام القوة فى علاقاتهم الدولية"، كما جعل مهمة تولي تبعات اختلال الأمن والسلم الدوليين لمجلس الأمن وذلك وفقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق والتي تجيز له استخدام القوة عند الضرورة، وهي استثناءات كحالات الدفاع عن النفس، كما يحدث الآن في سوريا ، لكن تبقى هناك إشكالية التطبيق وتداخل المصالح وهنا يكمن السر. ومع أن الإصلاح مطلب قديم – جديد منذ وخلال وبعد نهاية الحرب الباردة رغم أن الأممالمتحدة لعبت خلال تلك الفترة دورا بارزا في قضيتين عالميتين آنذاك وهما: إنهاء الاستعمار وقضية التنمية، إلا أن الأزمة استمرت مروراً بالغزو الأميركي للعراق، ووصولاً لإحداث سوريا، ما يدفعنا للتساؤل عن جدية إمكانية إصلاح الأممالمتحدة أصلا؟ . في المستقبل المنظور لا يبدو في الأفق بديل ناجع أو موازٍ لذلك التكتل لاسيما في حضور هيمنة أميركية طاغية تفردت بالقرار في ظل تراجع لروسيا والصين ، وكانت اليد الطولى للسياسة الواقعية أصبحت القائمة على فرض إرادة القوي على الضعيف . ومع ذلك فهناك بوادر على محاولة إعادة بوصلة التوازن في فرض السياسات والعلاقات الدولية، وإن كانت لم تنضج بعد ،فروسيا والصين تحاولان تثبيت أقدامهما ومواجهة الولاياتالمتحدة، انطلاقاً من مصالحهما، إلا أن ذلك للأسف يأتي على حساب الشعوب وانتهاكات حقوق الإنسان. على أن البعض يرى ضرورة تفعيل دور مجموعة العشرين وتنشيط جهودها لتشكل صيغة جديدة في النظام العالمي فلا يقتصر عملها على التركيز على الاقتصاد والمال ، بل عليها أن تنخرط في الانشغال بالهم السياسي ودعم الاحتياجات البشرية الأساسية، في مواجهة الفقر والمرض والتخلف، وحماية حقوقها والدفاع عنها إن وجب الأمر. إن مستقبل إصلاح الأممالمتحدة لم ينطلق إلى التعامل مع واقع عالمي جديد لأنها لم تعط اهتماما لمفهوم بات مطروحا يتمثل في الأمن الإنساني، فالأمر يتجاوز الأمن الجماعي الذي يمس الدول، ولكن ماذا عن الشعوب التي يفتك بها من قبل زعمائها حيث تفقد تلك الأنظمة شرعيتها ، ما يعني أن الحاجة مطلوبة لتبني هذا المفهوم الذي تعزز مع قدوم الربيع العربي مؤكدا على حماية الأفراد داخل الحدود وليس فقط أمن الحدود. فهل تشرع الأممالمتحدة بجمعيتها العمومية في أخذ المبادرة بمراجعة أنظمتها أم أن الشق أكبر من الرقعة؟ ربما...والزمن كفيل بالإجابة على أي حال.