أثبت الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي لجأت إليه الدولتان الشرقيتان الأسبوع الماضي ضد قرار مجلس الأمن عن جرائم النظام السوري المتجددة يوميا ضد الشعب السوري المسلم العربي الشقيق، أثبت للمرة المليون بأن الأممالمتحدة ومجلس أمنها العتيد لا يمثل من قريب أو بعيد الغيرة على حقوق الإنسان أو القيم العليا كمثل الحق والعدالة والأخلاقيات وتحقيق مصالح الشعوب أو حتى الحفاظ على الأمن والسلام العالميين كما يزعم ميثاق الأممالمتحدة بقدر ما يمثل مصالح الدول الخمس الكبرى ذات الأحقية في استخدام حق النقض (الفيتو)، وهي الولاياتالمتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وأنه ساحة استعراض كبرى لتصارع القوى والتكتلات الشرقيةوالغربية. رأى النظام الطائفي السوري في الفيتو الروسي - الصيني عجزا للكتلة الغربية برئاسة الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوربيين عن المساس به أو ردعه عن ارتكاب المجازر اليومية ضد أهلنا بالشام مضافاً بالطبع إلى عجز الجامعة العربية وتخبطها في المسألة السورية، ورأى النظام السوري كذلك في الفيتو المشترك ضوءا أخضراً من حلفاءه الشرقيين للاستمرار في سياسات البطش الدموية بالشعب السوري التي لم يزل يتبعها نظام البعث السوري منذ عقود وبلغت ذروته في تطويق مدينة حماة لمدة 27 يوما وقصفها بالمدفعية ثم اجتياحها عسكريا في فبراير 1982م في مجزرة تاريخية مروعة في عهد حافظ الأسد أودت بحياة عشرات الآلاف (تتراوح التقديرات ما بين 10,000 - 40,000 قتيل)، وما أشبه اليوم بالبارحة فها هي قوات الابن بشار الأسد العلوية تحاصر حالياً مدناً كحمص وتقصفها بالمدفعية وتقتل المئات يوميا. الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها الغربيون يرون في الفيتو الروسي الصيني تمرداً على مبدأ أحقية الدول الاستعمارية الغربية الكبرى في التدخل في الأنظمة الحاكمة للمستعمرات السابقة وتغير الأنظمة الحاكمة فيها إن هي انتهكت «حقوق الإنسان»، وتمرداً على الأحادية القطبية التي سادت العالم منذ التسعينات في القرن الماضي لصالح المشروع الإمبريالي الغربي وأساطين الرأسمالية الغربيين، وعودةً إلى نظام تعدد القطبية الذي ساد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وبزوغا لفجر تكتل شرقي جديد يشمل كل روسيا والهند والصين. وترى أيضا فيه إجهاضاً للجهود الأمريكية لاحتواء إيران «سلمياً» أي بتغيير نظامها الحالي الحاكم بدلاً من الدخول مع إيران في حرب قد لا تحمد عقباها من وجهة النظر الأمريكية، وتقليم أظافر إيران ونظامها الحاكم من خلال تغير النظام الحاكم في الدولة العربية الحليفة لإيران بإرادتها سوريا. بالنسبة لروسيا والصين فدوافعهما في اللجوء إلى الفيتو جلية ومن منطلقات مصالحهما الذاتية لا مصالح الشعب السوري المنكوب. فكل من إيران وسوريا اللذين يريد التحالف الغربي تغيير الأنظمة الحاكمة فيهما كلاهما شريك تجاري واستراتيجي لا غنى عنه لروسيا التي تشكل سوريا مثلا لها الدولة العربية الوحيدة الحليفة المتبقية من زمن الاتحاد السوفيتي السابق وتمثل لها أيضا الزبون الذي يشترى منها صفقات السلاح بالمليارات سنويا كما تمثل موانئها المنفذ البحري الوحيد لروسيا على البحر الأبيض المتوسط. بينما ترى الصين في مشروع تغير النظام الحاكم السوري جزءًا من مؤامرة أكبر تهدف لتغير النظام الحاكم في إيران حليفة الصين المهمة في مجال التزود بالطاقة وترى في ذلك امتداداً لبسط الهيمنة الأمريكية على الدول المنتجة للطاقة في الخليج وجنوب غرب آسيا. قامت دول مجلس التعاون الخليجي برئاسة المملكة العربية السعودية الأربعاء الماضي باتخاذ قرار جماعي بطرد السفراء السوريين من العواصم الخليجية واستعادة سفرائها من سوريا نظرا (لتزايد وتيرة القتل والعنف في سوريا الذي لم يرحم طفلاً ولا شيخا ولا امرأة في أعمال شنيعة أقل ما يمكن وصفها به بالمجزرة الجماعية ضد الشعب السوري الأعزل...)، وتأتي هذه الخطوة تمهيدا لاجتماع وزراء الخارجية العرب المزمع انعقاده الأحد القادم في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، فهل ستخرج الجامعة من دائرة ضعفها ووهنها وترددها لتقف موقفا تاريخيا مشرفا إلى جانب الشعب السوري المضطهد منذ زمن بعيد، وتتخذ خطوات عملية ملموسة على الأرض ربما بالتعاون مع تركيا كأعمال الإغاثة من دول الجوار والمساعدة في تسليح الجيش السوري الحر المساند للثورة... الخ، لتسد الخلل الواقع بسبب العجز العالمي أمام الفيتو الروسي الصيني المشترك، خطواتٍ تتوافق مع مستجدات المنطقة ومع تطلعات وتوقعات شعوبها، أم أن الجامعة العربية ستوقع صك وفاتها إذ ستثبت بلسان حالها لا مقالها أنه لا فائدة عملية ترجى من استمراريتها إن هي أخفقت في دعم الشعب السوري المسلم الشقيق المنكوب منذ عام؟!.