الشعارات القومية والنضالية التي ظلت تصطخب كواجهة للنظام السوري ، الآن تحولت إلى أنياب تلتهم الشعب السوري نفسه.. فالنظام هناك مابرح يوظفها حرفياً كمبرر للعنف الدموي الذي يمارسه ضد المدنيين من خلال الواجهات القومجية ,ومناهضة المشروع الأمريكي في المنطقة , وردع الخونة والمتمردين , وكل اليافطات التي كان يرفعها ويستعملها في السابق كوهم للشرعية التي تجعل من سورية دولة صمود وتحد, ومسوغاً للدولة البوليسية التي تغيب عنها التنمية ويحضر بها القمع وتكميم الأفواه . ومابرحت القنوات الفضائية التابعة للنظام السوري متسمرة في مرحلة مايسمونها الصمود والتحدي، ومايسميها العالم المكابرة والتعنت , حيث يصنف أي ثائر على النظام بأنه خائن لسورية نفسها؛وحيث وهمُ تماهي النظام وشخوصه مع الوطن! هذا الوهم الكبير الذي تخلقه الدولة القمعية الاستبدادية لتصبح هي الوطن ,والوطن هو رموزها , من أجل توزيع تهم الخيانة الوطنية العظمى، وخلق حالة من الشلل أمام أي صوت معترض أو رافض. بالطبع المتابع العربي بات يمتلك من الوعي الذي يجعله يتابع تلك القنوات كنوع من الكوميديا البدائية تقدمها فرقة مسرح جوالة , والتي مع الأسف تظهر علاقة النظام بالعالم الخارجي والأسوار الوهمية التي يرفعها بعيدا عن العالم . بل باتت تلك القنوات تقوم برد فعل عكسي لدى المتابعين , فهي تكرس صورة النظام هناك كدولة مخابراتية تجعل من اللحم البشري وقوداً للشعار، وليس الشعار في خدمة المجموع.. ويبدو أن هذه ممارسة متأصلة ضمن أدبياته على سبيل المثال في وقت ما واستجابة للزخم القومي ولائحات العروبة التي كان يرفعها النظام السوري قامت حركة تعريب كبيرة لكل العلوم الانسانية والتطبيقية في التعليم والتعليم العالي هناك , وبات الطب والهندسة وسواهما من العلوم التطبيقية تدرّس باللغة العربية في سورية , بالطبع هذه الفكرة الرومانسية الحالمة تطلبت جهوداً كبيرة في الترجمة , ولكن من ناحية أخرى هل هذا الحماس للعروبة خدم الخريج السوري ، أم أنه بات شبه منعزل عن المنتج العالمي من حوله ؟ وأيضا بات عاجزاً عن متابعة التغير والتطور المطرد المواكب للركام المعلوماتي , فليست سورية بالتحديد بل العالم العربي بمنتجٍ للحضارة أو العلوم؛ لذا فوجودنا في المرحلة الحالية وجود طارئ ومستهلك للحضارة ,وقضية تدريس العلوم بغير لغتها الأصلية ستفرغها من آنيتها الحضارية وستصبها في آنية أخرى تعجز عن التواصل مع النبع والمركز. طبعاً فكرة تعريب العلوم الأكاديمية تستجيب لأحلامنا وتدغدغ أطياف بطولاتنا , وتداوي جراح إحساسنا بالدونية الهامشية على ضفاف المجتمع المعرفي العالمي ، ولكن أيضا الإسراف بها هو نوع من المكابرة والتعنت , فحتى يحل الزمن الذي نصبح فيه نحن منتجين للحضارة لانستطيع أن نظل مستسلمين لحلم التعريب ، وهو الحلم الذي استسلمت له المؤسسات التعليمية في سورية استجابة لطغيان الشعار القومي , فكانت نتيجتَه انقطاعٌ عن العالم المعرفي حوله . ولكنه مثال يأخذنا إلى طبيعة التعنت والمكابرة، وتوظيف البشر في خدمة الشعار الذي يتمحور حوله النظام هناك .. هذه المكابرة، وهذا الانقطاع عن العالم الخارجي استفحلا بشكلهما الدموي عندما بات النظام آيلاً للسقوط ، وها هو ما برح يروّج للشعارت القومجية والنضالية، ويقتل ويفتك بالمدن السورية بدم بارد..