أُعلنت قبل أيام القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب وقد ضمت القائمة القصيرة لفرع التنمية وبناء الدولة ثلاثة عناوين من بينها كتاب (أيام العرب الأواخر) للدكتور سعد العبدالله الصويان؛ وكنت قد كتبت عن هذا الكتاب عند صدوره قبل أكثر من عام في العدد 15333 من هذه الجريدة، وأشرت إلى أنه من الكتب التي تستحق العناية والتقدير كما تستحق الاحتفاء والتقريظ وتوقعت أن يكون (العالم المتحضر) أكثر تقديراً لهذا العمل من غيره؛ وبالفعل فقد أعرضت أوساطنا العلمية والثقافية عن هذا الكتاب ونظرت إليه بنوع من التعالي والريبة وكان الصويان قد أشار في كتابه إلى أن بعض من يصنفون كعلماء ومثقفين ومفكرين في مجتمعنا قد يرون أن هذا العمل معولاً للهدم!! لا لبنة للبناء ونافذة نطل منها على جوانب معتمة من تاريخنا وواقعنا يعتبر تجاهلها هو الجهل بحد ذاته. وقد جاء الكتاب في مجلد ضخم عدد صفحاته 1143صفحة، وهو عبارة عن مرويات شفهية ابتدأ الصويان تسجيلها منذ عام 1982م واستمر في التسجيل لعدة سنوات، وقد جمع مادة غزيرة تصل إلى مئات الساعات من أشرطة الكاسيت ثم قام بتحويلها إلى ملفات رقمية على برامج الحاسوب الحديثة مما سهل التعامل معها وتفريغها بلهجاتها الأصلية طباعة على صفحات من الورق بلغت آلاف الصفحات ومعظم هذه المرويات من شمال الجزيرة وخصوصا قبيلة شمر إضافة إلى عنزة وبني رشيد والطرفا والبناق وأهالي الجوف وبقعاء وقرى جبل شمر ومنطقة الجوف وقليل من آل مرة وسبيع، والكتاب يحكي بكل بساطة قصة البداوة العربية على لسان أهلها وبلهجتهم متحدثين عن الأنساب والوسوم والشيوخ والعلوم و(القالطين) و(الحمايل) و(القواصيد) والديار والمغازي في توظيف غير مسبوق للثقافة الشفهية للتعامل مع الثقافة الكتابية وفق منهجية علمية محددة. وفي حين تداولت المراكز العلمية في الغرب هذا الكتاب باحتفاء بالغ نرى (أبوظبي) اليوم تلحق بالعالم المتحضر في تقديرها لهذا العمل الثقافي وبغض النظر عن فوز الكتاب بالجائزة من عدمه، فإن لهذا الكتاب دورا كبيرا في التعريف بهويتنا الثقافية الحقيقية المتجذرة في صحراء الجزيرة العربية من خلال توظيف الثقافة الشفهية في التعامل مع الثقافة الكتابية والتاريخ المكتوب وفق منهجية علمية تحكي قصة البداوة العربية في محاولة جادة تتجه إلى ربط الحاضر مع الماضي عبر شعر البادية وثقافة الصحراء؛ فهما في رأي الصويان ولا أخاله جانب الصواب الامتداد الطبيعي والاستمرارية التاريخية لشعر الجاهلية ولغتها وثقافتها، ليكشف بصورة علمية موضوعية مجردة خلال الهلنستية والإغريقية والسكسونية والأنجلوسكسونية أسرار العمق التاريخي للثقافة العربية الأصيلة التي حرم أبناؤها استلهامها متوهمين أنهم يقفون بذلك في صف واحد مع أحفاد الهنود الحمر!! والعجيب أننا لم نلاحظ اهتماماً إعلامياً بهذا الكتاب حتى بعد إعلان القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب رغم أنه يفترض دعمه وإبرازه لأنه المؤلف السعودي الوحيد في القائمة، فدراسة الآداب الشفاهية كما يشير الصويان لا تعني إطلاقاً الدعوة إلى العامية، وكذلك دراسة البداوة والقبيلة ليست مناداة بالنكوص إلى عصورها بل هي تدرس كجزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي وكأحد محددات هويتنا وتصوراتنا الجمعية التي لا تزال رواسبها توجه سلوكياتنا على مستوى اللاوعي ثم إنها تبقي جزءًا من المنتج الإنساني والتجربة الإنسانية التي يحرص العلم على رصدها وتوثيقها فهي لا تقل أهمية عن اللقى والحفريات فإذا كان من المشروع علميا دراسة ثقافة بابل والبيرو والهنود الحمر فإنه من المشروع أيضاً دراسة الشعر البدوي والقبائل العربية وثقافة الصحراء. لهذا نتمنى أن يفوز هذا الكتاب بجائزة الشيخ زايد للكتاب لعله يحظى ببعض الضوء الذي حُرم منه..ربما لأن الذهب ليس له قيمة في سوق النحاس.