زيلينسكي: علينا محاولة إنهاء الحرب العام المقبل    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صون المرأة مقدم على التوفير ومجتمعنا ليس مثالياً
ويستمر الجدل حول قيادة المرأة السيارة
نشر في الرياض يوم 10 - 06 - 2005

مرة اخرى، تعود قضية القيادة الى السطح.. تهيج، وتهتز، ثم تصفر، ثم تكون حطاما. ثم تعود، وهكذا الى ان يتوقف السبب. ولن ننتهي من هذه الدائرة الا في احدى حالتين:
- الأولى: اذا ما اقر للمرأة بالقيادة. فحينئذ ينجح المطالبون، ويخيب امل المعارضين.
- الثانية: اذا ما ادرك المطالبون حقيقة العلاقة بين الجنسين، ودور كل منهما، شرعا، وعقلا، وتكوينا: - ان السعي في الأرض مهمة الرجل، وأما المرأة فسعيها استثناء من الأصل، وعلى الرجل ان يقضي حوائجها، فإذا كان عليه قضاء الحوائج، فهو السائق، ليست المرأة.
- وأن صون المرأة كبير على الأمة، ومن التفريط تعريضها للمخاطر، ومن التعريض تركها ترد وحدها المجامع، خصوصا في زمن يكثر فيه المستهينون بالأعراض.
اما من دون هذه او هذه، فهي باقية، لا تزال تتردد، بما فيها من صرف عن المهمات..؟!.
والى ان يحصل ذلك، ويأتي يوم الحسم ونهاية الجدل، فنحن نعيش هذه القضية، ولن يكفوا، ولن يكفوا؛ كلا الفريقين، فكلاهما يرى الحق ما هو عليه، والذي يجب قوله هنا: ان على كلا الفريقين ان يطرح رأيه ببرهان، ويبتعد عن اسلوب الخطابة والوعظ (= المعارضون)، وعن اسلوب التهويل والمجازفة (= المطالبون)، فهذا ما يلاحظ من الجانبين.
- فالأدلة التي يتكئ عليها المطالبون على انواع:
الأول: يتعلق بالمرأة نفسها، وفيه:
1 - ان الأصل المساواة بين الجنسين، فما كان حقا له هو حق لها.
2 - حاجة المرأة الى القيادة، حيث لا يوجد من يقوم بشؤونها.
الثاني: يتعلق بالسائق الأجنبي، وفيه:
3 - ان في الاستغناء عنه توفيرا للمال، ودعما للاقتصاد.
4 - ان السائقين ينتمون الى ثقافات غريبة عن البلد، وفي ذلك اضرار بالناحية الاجتماعية.
5 - انهم يتسببون في الحوادث وخسارة الممتلكات، لقلة خبرتهم بالقيادة الطرق.
الثالث: يتعلق بالناحية الشرعية، وفيه:
6 - انه لا نص من القرآن او السنة يمنع من قيادة المرأة.
7 - قد افتى بجوازها جمع من العلماء.
8 - ان الخلوة محرمة، وهي حاصلة مع السائق.
9 - ان النساء في عهد الصحابة كن يقدن الدواب في الطرقات والأسواق.
وبكل نوع قال فريق وأفراد، وبجميعها قال بعضهم، يقابلهم المانعون بأدلة مضادة، بالتقسيم نفسه: فيقولون عن النوع الأول:
1 - الأصل في الجنسين التمايز، وليس التساوي. والأدلة على ذلك ما يلي:
اولا: من القرآن، قال الله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى}، {وللرجال عليهن درجة}، فالحقوق ليست متساوية، فالرجال عليهم السعي، وبذل المهر، والقوامة والدفاع والقتال دون النساء.. والنساء لهن ترك الصلاة والصيام في احوال، وليس عليهن الجهاد، ولا النفقة.
ثانيا: من التكوين الجسدي والوظيفي، فجسد المرأة مختلف عن الرجل، ومن ثم فلا بد ان يختلف تبعا لذلك ادوارها في الحياة، فتضطلع المرأة بالمهام الملائمة لتكوينها، والرجل كذلك.
وبهذا تسقط الدعوة الى القيادة من اصلها، اذا كانت مبنية على مبدأ التساوي المطلق. اما اذا بنيت من جهة التساوي الجزئي، فتكون محل النظر والتحرير، وهذا ما تكفله المناقشات والتحليلات الآتية.
2 - اما حاجة المرأة الى القيادة، فتناقش من وجهين:
الأول: هذا تعميم، فأين الدليل عليه؟!.. اين الدليل على ان القيادة حاجة عند عامة النساء او الغالبية؟!.
مثل هذا الإطلاق يحتاج الى اجراء استفتاء عام لجميع الإناث البالغات، حتى يثبت.
فهل المطالبون اجروا مثل هذا الاستفتاء؟.
فإن قالوا: المقصود بعضهن.
قيل: اذن، لم تعد مشكلة عامة، تستدعي هذا الضجيج..!!، فإذا كان كذلك، فحاجة هذه القلة يمكن ان تعالج بطرق بديلة، كما في الوجه الثاني، من دون جر المجتمع كله الى خطوة، نذرها اكثر من مبشراتها.
الثاني: ثمة حلول اخرى غير قيادتها، فالواجب حمل وليها على العناية بشؤونها، ومعاقبته ان قصر، فإن لم يوجد فتطرح طرق بديلة، كالحافلات النسائية، وتيسير مكان عملها وتقريبه.
فإذا كان كذلك، فتسقط هذه الدعوى، ولا يصح ان تكون دليلا، حتى تثبت ببرهان هو:
- الاستفتاء العام على انها حاجة للمرأة، فإن كانت الأغلبية تقول كذلك، فالأمر كذلك، وإلا فلا.
- ان تنعدم الحلول إلا حل القيادة، فإذا كانت الحلول الأخرى موجودة فلا.
ويقولون في النوع الثاني:
3 - عن توفير المال، يجاب عنه من طريقين:
الأول: هذا مبني على فرضية هي: انه مع اقرار القيادة سيكف الناس عن استقدام السائقين.
وهذا لا دليل عليه:
- فليس كل النساء يقدمن على القيادة، فاستنادا الى الحال الملموس للمجتمع، فالغالبية لا تحبذ القيادة.
- ولا كل الأولياء يرضون بها لمحارمهم.
حتى التي تقبل على القيادة قد تبقي سائقها.
وكل هذه أحوال متوقعة وحاصلة.. فأين التوفير اذن؟!.
الثاني: ليس التوفير مقصودا لذاته، وصون المرأة مقصود لذاته، فإذا تعارضت المصالح، فالواجب تقديم المصلحة الكبرى.. وصون المرأة، ومنع ابتذالها، وتعريضها للمخاطرة بقيادتها، اعظم مصلحة من توفير المال، فليذهب المال، ولتنعم المرأة بالأمن والراحة، وهل وجد المال، الا لجلب الراحة؟!.
فهذه الدعوى كذلك غير مبرهنة، فتسقط، ولا يصح ان تكون دليلا، فإنه لو ثبت التوفير الاقتصادي، فتعارض مع صون المرأة، فيقدم الصون بلا تردد، بإجماع العقلاء.
4 - عن انتماء السائقين لثقافات اخرى، يقال:
اغلب هؤلاء السائقين مسلمون، والمسلمون اخوة، فمجيئهم في كل حال خير، يفيد في التعارف، والتقارب، وإذا كان ثمة اخطاء ومشكلات عندهم، فليس مكان احسن من هذه البلاد، ليتعلموا على ايدي اهلها، وعلمائها، ومفكريها، ففي ذلك: الشرف، والقدوة، والقيادة. اما منعهم وإبعادهم فإنه لا يتلاءم مع روح الإسلام، كما انه يتعارض مع مفهوم القرية الكونية الواحدة (= العولمة)، المزيلة للحدود والحواجز، الذي يؤمن به، ويروج له، كثير من المطالبين بالقيادة..!!.
اذن تسقط هذه الدعوى، ولا يصح اعتمادها دليلا على القضية.
5 - عن تسبب السائقين في ازدياد الحوادث، يجاب عنه من طريقين:
الأول: هذه الدعوى، لا تثبت الا بإحصاءات تجريها الدوائر المختصة، لأن للمعارض ان يقول: العكس هو الصحيح، فحوادث السائقين اذا ما قورنت بحوادث المواطنين، فشيء لا يذكر.
الثاني: هو معارض بأن المرأة اقل خبرة وقدرة على القيادة، وهذا مجرب معروف، يشهد به من سبق. اذن لابد من دراسة للأمرين معا:
- دراسة ما يسببه السائق الأجنبي من خسائر، ومقارنتها بما يسببه المواطنون من خسائر.
- دراسة ما تسببه المرأة اذا قادت، ومقارنته بما يسببه السائق.وإلى أن تحصل الدراسة، فالدعوى فرضية تحتاج إلى إثبات، ولا يمكن أن تبنى عليها القرارات.
ويقولون في النوع الثالث:
6 - عن قولهم: إنه لا نص يمنع من قيادتها. فذلك يقال فيه:
أولاً: كذلك لا نص يمنع من شرب الدخان، لكن الجميع يمنعه، لتحقق ضرره. فمن اشترط نصاً مباشراً للمنع، فعليه أن يبيح: شرب الدخان، وقطع الإشارة الحمراء، وقيادة الطفل للسيارة.. ونحو ذلك. وهذا غير صحيح، لا يقول به عاقل، فإن المننع:
- إما بنص مباشر.
- أو حين تحقق الضرر، أو غلبته على المنفعة، وهذا متفق عليه بين العقلاء والفقهاء.
وفي قيادة المرأة: الضرر محقق، وهو غالب. والدليل:
- أنها فتنة الرجل. بالنص النبوي، وبحكم العقل، وإقرار الفطرة.
- وفي الناس من يجري إلى الفتنة.
فإذا ساقت تعرضت للضرر، إذا سلمت في الأولى، ففي الأخرى، كالذي يشرب الدخان، قد يسلم مراراً، لكنه يسقط فجأة.
7 - عن فتوى بعض العلماء بجواز القيادة: فذلك يقال فيه:
أولاً: العبرة بالدليل، والدليل يأمرها بالحجاب، وبالقرار في بيتها، والبعد عن الرجال. وهذا متعذر في القيادة. ثانياً: إن أهل مكة أدرى بشعابها، وأعلى هيئة علمية شرعية في البلاد، قد أصدرت فتوى بالمنع.
8 - عن الخلوة، يجاب عنه من طريقين:
الأول: لا تعالج المشكلة بمثلها، فإذا كان الركوب مع السائق خلوة، فقيادة المرأة فيها مخاطرة لا تخفى، ومن السطحية حصر الحل في: إما الخلوة، وإما القيادة. فالعقل يقول هناك حلول أخرى. مثل:
- قيام محرمها بالمهمة عنها.
- ألا تركب وحدها، بل معها أخرى.
- أن تكفى المرأة حوائجها، فتقر القوانين الكافلة لها، المانعة لها من أن تحتاج إلى القيادة، مثل:
- أن يكون عملها في بيتها بالإنترنت.
- تيسير مكان عملها، وتقريبه.
- إنشاء حافلات نسائية، تتكفل بإيصالها لمبتغاها.
الثاني: هذه كلمة حق أريد بها باطل..!!
فالخلوة موجودة منذ عقود، من حين مجيء السائق، فأين هذا الحكم حينذاك؟
لم لم يعترضوا؟، هل كانوا غافلين عنه حتى تنبهوا له مع قيادة المرأة؟!
بل المعترضون على القيادة، هم أول من حذر من هذه الخلوة، يوم كان المطالبون ساكتين..؟!
والحاصل: إنه إذا كان ثمة خيارات أخرى غير السائق، هو الذي يدعو إليه المانعون، فحينئذ لا يصح أن يكون هذا دليلا صحيحا يستند إليه المطالبون بالقيادة.
9 - عن قيادة النساء للدواب في عهد الصحابة:
فهذه دعوى لا تثبت، وليست المقصود مجرد الركوب، فبينه والقيادة فرق، فالقيادة: أن تستقل بركوب الدابة من غير سائق، ثم تلج كذلك في الأسواق والطرقات، فمثل هذا لم يكن معروفاً في ذلك العهد، ومن زعم أنه كان موجوداً فعليه أن يأتي بالدليل.
فتسقط هذه الدعوى كذلك، فلا تثبت إلا إذا أتوا بأدلة من التاريخ والآثار، فيها أن المرأة كانت تقود. وإذا كان الفريق المانع قد تشدد في منعه، للاعتبارات الآنفة، فإن الفريق المطالب قد جازف كثيراً، فاستند إلى ما ظنه أدلة، وهي:
- إما فرضيات وأوهام أطلقوها جزافاً، من غير دراسة ولا إحاطة ( = حاجة المرأة، التوفير الاقتصادي، كثرة حوادث السائقين).
- أو مغالطات ظاهرة لكل ذي عقل (= الخلوة، ضرر السائقين الاجتماعي والثقافي).
- أو مصادمة للنصوص المحكمة الصريحة (المساواة بين الرجل والمرأة).
- أو خطأ تاريخي، مع مصادمته للنصوص كذلك (= قيادة المرأة للدواب في العهد النبوي) فكل تلك التي قدمها المطالبون في صورة حقائق وأدلة: لا تفيد القضية، بل تصب في مصلحة المعارضين، كونها خالية من: الإثبات، والصدق، والصحة.
وإذا كان الأمر كذلك، فما بقي للمطالبين إلا دليل واحد، يمكن يحتجوا به، ويدعو الباقي، وهو ما استعمله العلماء المجيزون للقيادة: أن الأصل فيها الإباحة، وأما المنع فلأجل العوارض.
فهذا صحيح، لا يختلف عليه أحد، ولأجله نحى بعض العلماء إلى تجويز قيادة المرأة، نظراً منهم إلى أصل الحكم، وخالفهم غيرهم، نظراً منهم إلى ما يحتف بها من مفاسد، ترجحت على المصالح، ولا يخفى أن الضرر إذا غلب على المصلحة، فالحكم الشرعي حينئذ هو المنع، وهذا متفق عليه بين العقلاء والفقهاء. فالمعارضون بنوا رأيهم على:
- أن قيادتها حلقة في سلسلة تحرير المرأة من الحجاب والعفة.
فالدعوة إلى القيادة مرتبطة بالدعوة إلى خروجها من البيت، واختلاطها بالذكور، في كل المجالات العلمية والعملية، وزوال الحجاب والحاجز بين الجنسين، مع زوال قوامة الرجال، واستقلاليتها عنه، وفي هذا الحال يحصل أن تترك بعض النساء بيوتهن، ويخرجن عن طاقة الولي الشرعي.. ولما حدث تحرير المرأة في البلدان العربية، تفاقمت مشكلة هروب الفتيات، وامتلأت المحاكم بفضايا أخلاقية لا عهد للمجتمع بها. ولو فرض أنها ليست حلقة من حلقات التحرير، فإنها تتعارض وصيانة المرأة.
فالذين يدعون إلى القيادة، لا يتذكرون منها، إلا أن المرأة تركب لتصل إلى عملها، أو للشراء، ثم تعود، لا يتذكرون أنها معرضة للتعطل. لحادث.. وكلها أحوال تضر بالمرأة، وتعرضها لأجناس من الناس، فيهم من لا يوقر الأمانة ولا العرض، وهم موجودون لا يمكن إنكار وجودهم، وهي في غنى عن التعامل معهم، وفي غنى عن هذه المعاناة، التي لا يتمناها الرجال لأنفسهم، فكيف بالمرأة؟!
إذن، حتى يتحقق للمرأة الفائدة من القيادة، اضمنوا لها مجتمعاً مثالياً، وإلا فأنتم تغرقونها في الوحل..!! فمنعهم إذن مبناه على التعارض:
- ما بين صونها وقيادتها.
- ما بين حجابها وقيادتها.
- ما بين وظيفتها وقيادتها.
ثم إن المطالبين يرفضون هذه النتيجة، ويقولون: هذا وهم. ليس في هذا دعوة إلى تحرير المرأة، فكم هم النساء في كثير من البلاد، وقد رأيناهن: ملتزمات بالحجاب الكامل مع القيادة، مصونات مع القيادة، قائمات بوظائفهن مع ذلك.
- إذن، فمحل الخلاف بين الفريقين: هل الضرر قطعي، أم ظني..؟
فمن رأى أنه قطعي منع، ومن رأى أنه ظني إذن.. فما الفيصل بينهما..؟
- عندما يكون المجتمع مثالياً، يرعى الأمانة والخلق، ويكف عن الأذى، ويرفض العدوان، ويتعاون على البر والتقوى، ليس فيه محل للفاجر، والفاسق، المستهين بالأعراض، والسمة العامة الغالبة: المسارعة للخدمة والعون بكل أدب، واحترام، وصدق، وإذا مرت المرأة تقود سيارتها، فاحتاجت إلى العون: لعطل، أو إصلاح، أو خدمة. عاملها الرجال كما يعاملون محارمهم: فقيادة المرأة لا تمثل مشكلة حينئذ.
- وعندما يكون المجتمع خليطاً، فيه البر والفاجر، والصالح والفاسق.. فيه العادل والظالم.. فيه الحافظ للحرمات وحدود الله، والمعتدي المتجاوز: فقيادة المرأة حينئذ تمثل مشكلة.
- فإذا كان المجتمع مع ذلك يصب عليه الفساد صباً، ويدعى إلى خرق الحرمات، والاعتداء على المصونات، بواسطة الوسائل الإعلامية، وعلى رأسها القنوات الفضائية، ثم ما يليها من صحف، ومجلات، وقصص.. إلخ، فالفتن تموج، والرقيب غائب، والرادع ضعيف، والشهواتمستعلية، الناس وراءها يسعون، ودعوات حرية المرأة واستقلالها عن الرجل؛ أي عن المحرم، والخروج عن قوامته الشرعية، هي الرائجة والمتبعة، فالآباء والأولياء عاجزون عن القيام بما أمرهم الله به من القوامة والولاية: فالقيادة حينذاك لاتمثل مشكلة، بل كارثة..!!.
في حال كهذا، إذا خرجت المرأة فهي محل: النظر، والفحص، والقياس، والتلصص، والتلطف، والتتبع، والتقرب، والكلام، والتغزل، والاستمالة، وربما الاعتداء. هذا في حال خروجها فحسب، دع عنك القيادة، فإذا قادت، زادت البلايا والرزايا..!!..
والسؤال المهم هنا: أي المجتمعات نحن:
- مثاليون؟.
- أم خليط؟.
- أم خليط يصب عليه الفساد صبا؟
في الجواب عنه تحرير لمحل الخلاف: إن كان الضرر قطعيا أم ظنيا؟. والقصد: أن المطالبين بالقيادة إن أرادوا البرهنة عليه بشكل صحيح أن يتبعوا الآتي:
- أن يستبعدوا فكرة المساواة بين الجنسين من أدلتهم؛ لأنها معارضة بالقرآن.
- أن يتركوا الاستدلال بأن الخلوة محرمة؛ لأن السائق ليس البديل الوحيد لمنع المرأة من القيادة.
- أن يتركوا الاستدلال بأن النساء كن يقدن الدواب؛ لأنه لامستند لهم في هذا ألبتة.
- أن يستبعدوا فكرة الأثر السيئ للسائق؛ لأن السائق موجود في كل حال، ولأن كثيراً منهم مسلمون.
فإذا فعلوا ذلك، كانوا أصدق في دعوتهم، وأقرب إلى: المنطق، والعقلانية، والواقع. وبه يجتازون من الطريق مرحلة، لكنها غير كافية وإن كانت مفيدة..!! فإن عليهم مهمة عملية، تساعدهم في تحقيق الهدف، هي:
- أن يثبتوا بالبراهين من: استفتاء، وإحصاء، ودراسة ميدانية وتطبيقية:
- أن أغلبية النساء تحتاج إلى القيادة، ويطالبن بها.
- أن أغلبية الرجال، من: الآباء، والإخوان، والأزواج، الأبناء يطالبون بالقيادة، فلا يمكن عزل الرجل عن معرفة رأيه في هذه القضية، التي تخصه مباشرة، لعلاقته بالمرأة. إذن هو استفتاء عام.
- أن في الاستغناء عن السائق دعما للاقتصاد.
- أن السائق الأجنبي يزيد من الخسائر في الممتلكات.
- أن المرأة أقدر على تفادي تلك الخسائر والحد منها، إذا قادت.
إذا أثبتوا هذه الدعاوي بالطرق الآنفة، لا بالكلام الجزاف، فإنهم يضعون أقدامهم على الطريق إلى تحقيق الهدف. ولا يعني ذلك: أن القيادة غدت مشروعة، مقبولة. فإن الحسم الشرعي لايبنى على مجرد:
أن الأغلبية يريدونه.. أو لأن الجدوى الاقتصادية كبيرة.. أو لمجرد حصول الخسائر.
كلا، بل له اعتبارات أخرى أكبر من ذلك، فأكبر مايعنى به: حفظ الدين، والأخلاق، والأنفس، والأعراض. حتى لوتعارضت مع رأي الأغلبية، وحكمها، أو مع توفير المال، أو حصول الضرر بالممتلكات.
فإن أرادوا دفع الفكرة إلى الأمام، وإزاحة العوائق الباقية، فعليهم:
- أن يثبتوا بالبرهان الواضح، أن المجتمع مثالي للغاية، أو قريب منه، وأن المرأة ستكون في غاية الأمن والأمان وهي تقود، لن يلحق بها سوء، ولو كانت في جنح الليل وحدها تقود، فلا خوف على الأعراض، ولا على الأخلاق، وإذا حصل شيء مؤسف، فإنما هو من القليل النادر، الذي لايخلو منه حتى عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما العبرة بالأغلب.
إذا فعلوا هذا، وقدروا على هذا البرهان، وبينهم وبينه مفازة، من الارتقاء بالمجتمع إلى القيم المطلقة، والأخلاق الفاضلة، حتى تضاهي مجتمعات الصدر الأول، وغابر عهود المسلمين وهذا يحتاج إلى جهد، وتربية، وتزكية: إذا فعلوا هذا، ووفقوا في ذلك، فإنه حينئذ لانقول سيكون الناس معهم، بل سيلقون حمدا وثناء: أن فعلوا ماهو أهم من القيادة، وهو: قيادة المجتمع ليكون مثاليا، والمدينة لتكون فاضلة.
فإذا أريد لقيادة المرأة أن تتحقق، بما ينفي الضرر عن المرأة والمجتمع، فأولاً: على المجتمع أن يهيئ الأوضاع، لتلائم أوضاع المرأة كما قرر شريعة. والحذر أن تهيأ المرأة لتنسجم مع المجتمع بعلاته وعلله.
لكن، ومع ذلك، تبقي المسألة الكبرى:
لم أعرض المسلمون منذ عهد النبوة والصحابة، عن منح فرصة القيادة للمرأة..؟!.
ولم المرأة نفسها لم يسمع صوتها مطالبة بالقيادة..؟!.. لم كان دورها الركوب فحسب، دون قيادة الدواب في المجامع والطرقات كالرجل، سواء بسواء.؟!.
إن أحسن حال عاشته المرأة المسلمة هو: العهد النبوي، وما تلاه عهد الصحابة. وأي تغيير للحال الذي كانت عليه، فبالضرورة يلزم عنه نقص حالها، وتغيره من الأحسن إلى الأدني.
وهذه النتيجة، المتفق عليها، محصلة من مقدمتين، هما:
- الأولى: أن أحسن تطبيق للشريعة كان في عهد النبوة والصحابة.
- الثانية: أن المرأة عاشت، وعاصرت تلك الفترة.
- النتيجة أحسن حال عاشته المرأة: عهد النبوة، والصحابة. حققت فيه كيانها، وأخذت حقوقها كاملة.
إذن، هذا العهد يمثل الصورة المثالية لأوضاع المرأة، وما نسج وفقها فهو مثالي، وما خالفها فهو أدني؛ لأنه ليس شيء أحسن مما كانوا عليه، ولاشيء يماثل ما كانوا عليه، فهم خير أمة أخرجت للناس.
وهنا يرد السؤال التالي المهم: هل كان من الشريعة المطبقة: الإذن للمرأة بقيادة الدواب.لتركب الخيل، أو الحمير، أوالإبل، ثم تجوب بها الطرقات، والأسواق، وتطرق مجامع الرجال، حتى يكون من الفهم وعادتهم؟
- إذا كان الأمر كان على هذه الصورة، دون اعتراض، أو توجيه، فهو من الحال الحسن للمرأة، والحق المكفول شرعا.. وحينئذ قيادتها السيارة اليوم: حق يجب أن تعطاه، ولايجوز أن تمنع منه. وحرمانها منه إنما هو نقص، ونزول عن الصورة المثالية، وسلب لحق مشروع لها.
- أما إذا كان الأمر على غير هذه الصورة، فلا تركب إلابسائق، وفي هودج، وإن احتاجت للقيادة، لظرف ما، فبعيدا عن مجامع الرجال، والطرقات العامة، والأسواق: في الصحراء، وفي المزارع الخاصة، ونحو ذلك.. فحينئذ الدعوة إلى قيادتها، ماهي إلا استبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير، وإقحام المرأة في شأن ليس من شؤونها، وفرض عادة على المجتمع المسلم، ليس من أخلاقة، ولا من دينه.
إذن، على المطالبين بالقيادة أن يوفروا الأدلة التاريخية والحديثية، التي تثبت أن المرأة في ذلك العهد كان تقود، ولا يكفيهم أن يرددوا أنها كانت تقود، دون استناد على أدلة، فالكلام حتى يصدق يحتاج إلى دليل صحيح.
لكن إذا لم يجدوا دليلا، فقالوا: الزمان تغير، ذلك الوقت لم يحتاجوا للقيادة، واليوم الحاجة موجودة.
قيل: هذه دعوى، فمن أين لهم أن المرأة لم تكن تحتاج؟.
- ألأجل أنها اليوم تتعلم وتعمل؟.. فكذلك كانت: تتعلم، وتعمل. والنصوص شاهدة.
- ألأنها اليوم تخرج للسوق، والصلاة، والعيد؟.. فكذلك كانت: تخرج لكل ذلك. والنصوص شاهدة.
- ألأنها اليوم تسافر؟.. فكذلك كانت: تسافر في البلاد، وإلى الحج، وللجهاد، والنصوص شاهدة.
فإذا كانت الشريعة طبقت على أحسن وجه في ذلك العهد، وحاجات المرأة اليوم هي حاجاتها بالأمس، والمرأة في ذلك الوقت لم تكن تقود، فكمال تطبيق الشريعة اليوم، وموافقته لعهد النبوة والصحابة، في أي شيء يكون: في قيادتها السيارة، أم عدم قيادتها؟!. ذلك هو نهاية الجدل في قيادة المرأة للسيارة.
٭ جامعة أم القرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.