حدد القرار الوزاري المتعلق بمشروع تخصيص بعض المرافق والأنشطة الحكومية الذي صدر عام 1418، ثمانية أهداف يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وتتمثل في رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية، ودفع القطاع الخاص نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني وزيادة حصته في الناتج المحلي بما يحقق نمواً في الاقتصاد الوطني، وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة، وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محليا، زيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة ومواصلة تحقيق زيادة عادلة في دخل الفرد، وتوفير الخدمات للمواطنين والمستثمرين في الوقت وبالتكلفة المناسبين، وترشيد الإنفاق العام والتخفيف عن كاهل ميزانية الدولة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص بتمويل وتشغيل وصيانة بعض الخدمات التي يمكنه القيام بها، وزيادة إيرادات الدولة عن طريق عائد المساهمة في النشاط المراد تحويله للقطاع الخاص. بعد 15 عاما من القرار تفتح "الرياض" ملف التخصيص مع خبير التخطيط الاستراتيجي والمشاريع الدكتور سليمان العريني والخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن السلطان، لتتساءل: أين وصل؟ أهداف التخصيص لا تطبق "الرياض" أين البعد الاقتصادي للتخصيص؟ * الدكتور سليمان العريني: مشروع التخصيص في المملكة يعاني من عدم الالتزام بتطبيق منهجية التخصيص بشكل صحيح، ما سبب بزيادة الأعباء المالية على ميزانية الدولة، دون وجود عائد تجاري مجزي، كما أن ما يحدث على أرض الواقع في مشروع التخصيص يتعارض مع الأهداف التي نص عليها قرار مجلس الوزراء رقم 60 وتاريخ 1/4/1418، حيث يجب التركيز على البعد الاقتصادي كأساس لبناء الرؤية والخطة وأهدافها الاستراتيجية عند تطوير خطة استراتيجية شاملة، فهناك عدد من الأهداف الاقتصادية التي يجب أن تسعى إليها أي دولة ومن أهمها، تطوير وتنمية الموارد البشرية وتنويع مصادر الدخل لتقليل مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للدخل وترشيد الإنفاق الحكومي ورفع مستوى الرفاهية والمعيشة للمواطن. ويضيف: إن هناك عددا من الأدوات الاقتصادية التي يمكن استخدامها لتحقيق هذه الأهداف ومنها، تخصيص بعض الخدمات التي تقوم بها الدولة ونقلها إلى القطاع الخاص بهدف تقليل النفقات الحكومية ورفع الكفاءة التشغيلية، والاستثمار وتشجيع القطاع الخاص على الدخول في مجالات توفر دخولاً مستمرة وإضافية على الدخل الرئيسي للدولة، مثل: تشجيع الاستثمار في صناعات متقدمة. *الدكتور عبدالرحمن السلطان: التوجه العالمي نحو تخصيص المرافق الحكومية يكون في العادة جزء من منظومة متكاملة تهدف إلى رفع كفاءة وفاعلية جهاز الدولة بشكل عام، والدول التي تبدأ بتخصيص مرافقها الحكومية وتنجح في ذلك تكون قد قطعت شوطا في جهودها لرفع معدلات الالتزام المالي والكفاءة الإدارية في القطاع الحكومي وترغب في تحقيق معدلات أعلى في الأداء وترى السبيل إلى ذلك تخصيص المرافق الحكومية التي يمكن أن تدار وفق أسس تجارية ويمكنها الاعتماد على مواردها الذاتية. وأضاف: أسلوب التشغيل التجاري يحقق خفض في مصروفات تلك المرافق وزيادة في قدرتها على تغطية تكاليفها وتقديم خدماتها بأسعار تنافسية، ويترتب عليه خفض متطلبات الإنفاق الحكومي، وبيعها يوفر موارد إضافية للدولة يمكن أن تستخدم في تمويل نفقاتها الأخرى أو حتى تخفيض دينها العام، كما أن تخصيص تلك المرافق يوفر قنوات استثمارية جديدة في الاقتصاد الوطني. د. عبدالرحمن السلطان د. السلطان: التخصيص يتطلب قرارات جريئة وقاسية تضر بمصالح المعارضين كما أن تخصيص المرافق الحكومية لا يمكن أن يتم بمعزل عن توجه شمولي نحو رفع كفاءة القطاع العام، ويجب أن لا يكون هناك محاولة للقفز على هذه الخطوة الأولية اللازمة لنجاح برنامج التخصيص، فكون الجهاز الحكومي المشرف على عملية التخصيص والقطاع العام عموما يفتقر إلى الوعي والاهتمام بمعايير رفع الكفاءة ومتطلباتها الضرورية فإن ذلك يمنع من قيام هذا الجهاز باتخاذ ما يلزم لضمان عدم جنوح المرفق المعد للتخصيص عن مساره الصحيح وقيامه بإجراءات وقرارات قد تتعارض تماما مع مبدأ التخصيص نفسه، ويجعل هذا الهدف ابعد منال من ذي قبل نتيجة لاتخاذ خطوات أُعتقد خطأ أنها متوائمة مع التخصيص بينما هي معوقات وعقبات أمام تحقيق هذا الهدف. نماذج التخصيص الحالية "الرياض" كيف تقيمون تجارب التخصيص الحالية؟ * العريني: تم تخصيص خدمات الاتصالات بشكل جزئي لم يتجاوز ال 20% فقط، وتعتبر تجربة تخصيص قطاع الاتصالات تجربة صعبة ومكلفة على الدولة، وعلى الرغم من أنه قد تم تخصيص جزء من شركة الاتصالات، إلا أن ذلك لا يعني نجاح تجربة التخصيص في هذا القطاع. وبشكل عام، فإن تجربة الاتصالات وما تلاها من خطوات أولية للتخصيص في قطاعات أخرى مثل: البريد والمياه والصرف الصحي والبلديات، كلها تعاني من مرض عدم الالتزام بتطبيق منهجية التخصيص بشكل صحيح وزيادة الأعباء المالية على ميزانية الدولة دون وجود عائد تجاري مجزي وهو ما يتعارض مع أهداف التخصيص التي نص عليها قرار مجلس الوزراء. * السلطان: نموذج التخصيص الذي يطبق حالياً في شركة المياه الوطنية دليل واضح على التطبيق الخاطئ لبرنامج التخصيص في المملكة، فإذا كان ارتفاع إيرادات شركة الاتصالات السعودية خاصة مع النمو الهائل في إيرادات الهاتف الجوال أنقذ مشروع تخصيص شركة الاتصالات السعودية وأخفى الخلل الكبير في تلك العملية، فإن الأمر نفسه لا يمكن أن يحدث في شركة المياه الوطنية، فهل ستقوم شركة المياه الوطنية برفع تعرفة المياه أضعافاً مضاعفة لكي تغطي تكاليفها المتضخمة بشكل هائل؟.. طبعا لا، ما يعني أن ما يجري حالياً في شركة المياه الوطنية لا يخدم مطلقاً هدف التخصيص. د. سليمان العريني العريني: التجربة تحتاج إعادة نظر في قائمة الخدمات والنشاطات المستهدفة التخصيص بالاسم فقط "الرياض" كيف ترون خطوات التخصيص التي تجري حاليا؟ * السلطان: ما يجري في الأجهزة الحكومية التي يفترض أنها بدأت في اتخاذ خطوات نحو التخصيص هو في الواقع معاكس تماماً لما كان يجب عليها القيام به فعلاً، ويجعل إمكانية نجاح برنامج التخصيص في المملكة أمراً مستحيلاً، وهو مغاير تماماً للأسلوب الذي تم إتباعه في كافة البلدان التي نجح فيها برنامج التخصيص، فلم نأخذ من الفكرة وبرنامجها إلا الاسم فقط، أما تطبيقها ومتطلباتها فهي في واد، وما نقوم به من إجراءات في واد آخر تماما. ويحذر السلطان من ركوب قارب التخصيص دون بذل جهود حقيقية لرفع كفاءة القطاع العام بشكل أشمل واثبات قدرتنا على مواجهة الصعوبات والمعوقات التي تواجه مثل هذا الإجراء وهي بسيطة مقارنة بما سيترتب على عملية التخصيص. وتابع: التخصيص يتطلب عادة قرارات جريئة وقاسية لا تحظى بالقبول وتضر بمصالح كثيرين معارضين له، وإن لم يكن هناك توجه شامل في القطاع العام لرفع الكفاءة والالتزام المالي فإنه لن يكتب لمثل هذه الخطوات النجاح وسيتم وأدها في مهدها. * العريني: يجب انشاء لجنة إشرافية عليا تراقب وتقيم برنامج التخصيص حسب البرنامج الزمني ومؤشرات الأداء المحددة، وهو إجراء ومطلب ضروري لضمان نجاح أي مشروع، خصوصاً في حالة التعامل مع المشاريع الإستراتيجية. كما أنه من المهم أيضاً إعادة تقييم مدى مناسبة ودور ونتائج المجلس الإقتصادي الأعلى في هذا الإتجاه. ومن المناسب إعادة النظر في مدى مناسبة الخدمات والنشاطات المستهدفة بعملية التخصيص ومراجعتها في ظل ما تم من خلال الفترة الماضية مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل تحديد مدى مناسبة تخصيص الخدمات الصحية أو المياه أو التعليم. الخطوات الجديدة "الرياض" ما الذي يجب علينا فعله للمستقبل؟ السلطان: يجب مراجعة فكرة تخصيص المرافق في المملكة قبل اتخاذ أي إجراء إضافي في هذا الشأن، لنضمن أن ما سيتخذ من إجراءات في مرحلة ما قبل التخصيص ستجبر المرفق المعد للتخصيص على تطبيق معايير الأداء في القطاع الخاص وتسهم فعلا في تأهيله للتخصيص بنجاح ولا نسيء من حيث أردنا أن نحسن فما تم حتى الآن ليس مشجعا على الإطلاق. *العريني: يجب إنشاء جهاز أعلى لإدارة وتنظيم ومتابعة ومراقبة برنامج التخصيص في الدولة بشكل مباشر ويعهد إليه مهمة خطة إستراتيجية وتنفيذية شاملة تتضمن البرنامج الزمني والميزانية المقدرة مع وضع مؤشرات أداء يتم استخدامها لتقييم جميع مشاريع التخصيص، وتدقيق وتمحيص برامج التخصيص المقترحة من الأجهزة الحكومية للتأكد من أنها حزمة متكاملة تؤهل الجهاز لعملية تخصيص حقيقية، وأن يتولى هذا الجهاز مراقبة ومتابعة أداء الأجهزة الحكومية التي يفترض أنها بدأت برنامج التخصيص، بحيث يتم التأكد من عدم استغلال المرونة المالية والإدارية لتفادي اتخاذ القرارات الصعبة القاسية والضرورية لكي ينجح البرنامج.