ملاحظة أولى: أحاول - بقدر الإمكان - أن أخرج من كهوف الحزن، والتفتت، والخوف، التي ساقتنا إليها حادثة اغتيال سمير قصير، وألجأ إلى الشعر لكونه مقطباً للجراح، شافياً للأوجاع، محفزاً لإعادة التوازن النفسي، وتقبل الحياة بحقيقة أن الشر لا يمكن له أن ينتصر على الخير في مطلق الأحوال، وأنه لكي نستحق الحياة، ويكون لنا رأي في تقرير مصائرنا فيجب أن نتجاوز الحزن إلى التفاؤل. ملاحظة ثانية: أرجو ألا يسجل هروبي إلى الشعر، وبالذات الشعر النبطي إدانة بالتخلي عن هموم مجتمعي السعودي، كما يتهمني البعض عبر ردود انفعالية، وغير متأنية، فنحن جزء من مجتمعات عربية تشترك في ثقافة، وهموم، وأحزان، وتفاصيل حياة واحدة، وتتشابه في أشكال ممارسات قادت إلى اليأس، والإحباط، والهزائم، وبهذا المعنى، وعبر هذا التوصيف فإننا لسنا شوفينيين انعزاليين منسلخين عن هموم الآخرين، ومآسيهم، وأحزانهم، فنحن جسد واحد «... إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر..». ملاحظة ثالثة وليست أخيرة: بقدر ما يطاردنا الحزن، وبقدر شراسة التدمير النفسي، ومحاصرة مكونات الفرح، ومبهجاته، وعناصره، إلا أن ومضات ملهمة نقية تجعلنا نسافر محلقين فوق الغيوم، ونكتشف أسراب العصافير الملونة فوق مروج لانهائية من الأزهار، والحقول. لقد صدمني كثيراً هذا الأسبوع ما عرفته من أن شاباً سعودياً يقوم باتصالات للبحث عن ممول في لبنان لإقامة «وصلة تفحيط» في ساحة الشهداء، أو شارع الحمرا، وفي ذهنه أن يشيع هذه الثقافة «المميزة» في كل مناطق لبنان، عبر برنامج مكثف، أي أنه يصدر «ضحالة» فكر بعض شبابنا، وفي المقابل غسل هذه الصدمة دعوة تلقيتها في مكتب «الرياض» لحضور حفل توقيع كتاب «نزار قباني آخر سيوف الأمويين الذهبية» للصديق الأستاذ عبدالله عبدالرحمن جفري في نقابة الصحافة اللبنانية. إذن: نعود الى الحلم، والانعتاق من تراكمات الخيبات، ونفتح أوراق المبدع الخلاق الشاعر محمد بن لعبون، وصاحب الألحان «اللعبونية» في عصر عمالقة الفن في الخليج، محمد فارس، وضاحي بن الوليد، وأسجل أمنية - لا أعتقد الأخذ بها - على شعراء الجيل المعاصر الشعبيين أن يقرأ بعضهم لابن لعبون وغيره من جيل العمالقة الكبار، ووقتها - ربما - أقول «ربما» ينمو لديهم حياء فيتوقفوا..!! خرج ابن لعبون وابن ربيعة عبدالله من الزبير تائهين خائفين من ملاحقة ومطاردة، فأراد ابن ربيعة أن يمازح ابن لعبون، وكرر عليه سؤالاً: - يا محمد أسمع حس طار..!؟ السؤال غير بريء، إذ أن ابن لعبون مولع بالفرح، والحب، والغزل، واصطياد اللذة واللحظة..!؟ أجاب ابن لعبون، بعد أن عرف خبث السؤال، واستفزازه. «ذا حس طار أو ضميرك خفوقه بدق به من نازح الفكر دقاق الحي هو حيك وطيبة رفوقه والدار هي دارك، وهذيك الأسواق العبد عبدٍ هافيات عموقه إن جاع باق عمومته، وان شبع ماق والحرحرّ، يرفعنّه سبوقه والبوم يلعي بين الأسواق خفاق..» ملاحظة رابعة وأخيرة : انتهى المقال..!؟