أعلم أنني كشخص غير مسلم لن يتسنى لي الذهاب إلى مكةالمكرمة. ولكن لحسن الحظ فقد أتيحت لي فرصة حضور حفل افتتاح معرض الحج في 26 يناير 2012 المقام في المتحف البريطاني, الفرصة السانحة لفهم الكثير عن فريضة الحج وشعائرها أثناء زيارتي الأخيرة إلى لندن. وقد كان المعرض الذي أطلق عليه اسم "الحج: رحلة إلى قلب الإسلام" فرصة رائعة بالنسبة لي لكي استوعب أهمية الحج ودوره في حياة المسلمين وفي تاريخ العالم. وقد اطلعت من خلال مشاركتي بالمعرض على الجهد الكبير الذي بذله المتحف البريطاني في الترتيب والإعداد لإقامة المعرض ليس من خلال جمع المعروضات التاريخية الرائعة من 13 بلدا، بما فيها المملكة العربية السعودية، تحت سقف واحد فحسب، بل من خلال إعطاء شعور فريد تميزت به رحلات الحج عبر القرون. أشار مدير المتحف البريطاني، السيد نيل ماكجريجور، في كلمته الافتتاحية إلى الأعداد غير المسبوقة التي زارت المعرض، الأمر الذي حدا بشخص كان يقف إلى جانبي للتندر قائلا: أن الازدحام الذي يشهده المتحف يشبه ازدحام صالة الحجاج في مطار جدة في ذروته. رحب السيد ماكريجور بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بوصفه ممثلا عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ونوه بجهود المملكة العربية السعودية وبالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها لاستضافة الأعداد المتزايدة من الحجيج في كل عام. كما أشار أمير ويلز إلى مواصلة خادم الحرمين الشريفين التقليد المتبع منذ القدم في تقديم الكرم المعهود باستضافة الحجاج في مكةالمكرمة. وبالرغم من أن المقام هنا لا يتسع لوصف جميع المعروضات، إلا أن أكثر ما أدهشني هو الإحساس بالتطور الذي شهده الحج عبر القرون من خلال المعروضات وخرائط الطرق التي كان الحجاج يسلكونها سواء عن طريق البر في البداية ثم عن طريق البحر والجو. قبل استحداث وسائل السفر الحديثة كانت الرحلة إلى الحج تستغرق عدة أشهر، وكانت محفوفة بالمخاطر سواء من العصابات أو من التعرض للأمراض. ولا غرابة في أن عددا لا بأس به من الحجاج كان يكتب وصيته قبل الانطلاق برحلة الحج. ومهما ساهمت وسائل النقل الجوي الحديثة في اختصار المسافة والزمن، ومهما شهدت مكةالمكرمة والمدينة المنورة من تطوير جيلا بعد جيل، تظل رحلة الحج بحد ذاتها الباعث والمحفز للتطهير الروحي المنبثق عن الإحساس المشترك بأن العالم الذي نعيش فيه لا يخلو من الشوائب. يتوجه في كل عام حوالي 20 ألف مسلم من بريطانيا إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج. وبصفتي مواطنا بريطانيا وسفيرا لبلادي، لا يسعني إلا أن أشيد بالمساعدة والدعم اللذين تقدمهما السلطات السعودية إلى الحجاج القادمين من بريطانيا. شعرت بالغبطة عندما سرد المعرض قصص البريطانيين الأوائل الذين قاموا بهذه الرحلة، بعضهم ممن عرفت، مثل ريتشارد برتون، وبعضهم ممن لم أعرف، مثل جوزيف بيتس، الذي اعتنق الإسلام وجاء إلى الحج كعبد ووقف على عرفات في عام 1680 وقال "انه لمشهد يملأ القلب خشوعا حين ترى ألوف الحجاج بلباسهم المتواضع وهم يبتهلون إلى الله بتضرع استغفارا لذنوبهم وتعهدا بتغيير مجرى حياتهم.." والليدي ايفلين كوبولد التي كانت أول امرأة بريطانية تؤدي مناسك الحج. أدهشني أن أرى خريطة جميلة، رغم عدم دقتها، كانت الملكة ماري تيودر كلفت احد رسامي الخرائط البرتغاليين برسمها في عام 1555 تقريبا تظهر مباني تجسد مكةالمكرمة والمدينة المنورة. وكان هناك رسم لصورة فيل يتجول بين أشجار النخيل في الزاوية اليمنى العليا من الخريطة.. كما أدهشتني بعض المعروضات الأكثر حداثة، لاسيما الطريقة الرائعة والفريدة التي يستخدم فيها الفنان السعودي احمد مطر برادة الحديد حول المغناطيس تعبيرا عن استقطاب الكعبة للحجاج على غرار جذب القوة المغناطيسية لبرادة الحديد. وقد سررت أثناء حفل افتتاح هذا الحدث الدولي الهام بلقاء عدد غفير من أصدقائي السعوديين ومن أبناء وبنات جلدتي الذين جاء بعضهم للتعرف على المملكة العربية السعودية وعلى شعيرة الحج للمرة الأولى. آمل أن تزوروا المعرض خلال فترة إقامته لغاية منتصف شهر ابريل. انه الاحتفال برحلة روحانية وجسدية دفعت الكثيرين منكم للقيام بها، وكان شرفا كبيرا أن أتيحت لي الفرصة لإلقاء نظرة تعرف على هذه الرحلة. * السفير البريطاني بالرياض