وزير الدفاع يستعرض مع حاكم ولاية إنديانا الأمريكية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    أمير الشرقية يطلق هوية مشروع برج المياه بالخبر    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    «التعليم»: إلغاء ربط العلاوة بالرخصة المهنية    القبض على باكستاني لترويجه 6.6 كلجم من الشبو بمنطقة الرياض    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    قمة مجموعة العشرين تنطلق نحو تدشين تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى استقلال بلاده    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    45.1% من سكان المملكة يعانون من زيادة الوزن    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    حسابات ال «ثريد»    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    لغز البيتكوين!    الله عليه أخضر عنيد    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيدة إيفلن كوبلد أول مسلمة بريطانية تزور جدة

يقول الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في مقدمة كتاب “اكتشاف جزيرة العرب “إنه: “لا مغالاة في القول بأن لكثير من علماء الغرب من مستشرقين وغيرهم، يدًا طولى في إبراز معالم تاريخ جزيرة العرب، وفي كشف ما خفي من آثارها، فضلًا عما لهم من فضل في إحياء التراث الإسلامي، والشرقي بوجه عام”.
ويسترط الجاسر قائلًا: “ومن الإنصاف، بل من الاعتراف بالفضل لذويه، القول بأن كل مَعْنِيِّ بالبحث في تاريخ الجزيرة وجغرافيتها، لا يزال عالةً على ما نشره أولئك المستشرقون وحققوه من المؤلفات القديمه عنها”.
ويضرب الجاسر على ذلك مثالًا بكتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي الذي يقول إنه يُعتبر من أوفى المراجع عن الجزيرة العربية بل عن البلاد الإسلامية في القرن السابع الهجري وما قبله.
ويبين الجاسر أن المستشرق الألماني (فردنند وستنفلد) قام بجهد كبير واتقان في تحقيقه ونشره بعد تحقيق نصه، والرجوع إلى مصادره ووضع فهارس مستوفاة كاملة له.
وضرب الجاسر أمثلة أخرى لمصادر تاريخية اساسية قام المستشرقون بتحقيقها مثل كتاب (معجم ما استعجم) لابي عبيد البكري الاندلسي وكتاب (صفة جزيرة العرب) للهمزاني وغير ذلك(1).
كما يقول الجاسر إنه قبل هؤلاء المستشرقين أتت فئة أخرى وهم الرحالة ويقول عنهم: إنهم “فئة الرواد من العلماء والمغامرين الغربيين، الذين كشفوا كثيرًا من معالم جزيرة العرب وآثارها، وعرفوا المجهول من مختلف أخبارها وأحوالها، بعد أن جاسوا صحاريها، واخترقوا فيافيها وقفارها، ووصلوا إلى أصقاعها النائية، وتوغلوا في مجاهلها، مدفوعين بدوافع مختلفة، مستهينين في سبيل ذلك بجميع الأخطار والصعوبات، مهما بلغت من شدة وعنف، ضاربين أروع الأمثال بصبرهم وجَلَدِهم، وتحملهم لنمط من حياة الشظف والقسوة، قل إن يستطيع ابن الصحراء نفسه أن يجاريهم في تحمله في هذا العصر(2)”.
وعن دور الرحالة الأوربيين وغيرهم في الحفاظ على تاريخ منطقتنا يقول الاستاذ سمير عطا الله في كتابه (قافلة الحبر): إن كثيرًا من الرحالة الاوروبيين تركوا لنا بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن العشرين، ادق واجمل الآثار عن الجزيرة والخليج في تلك المرحلة التي غاب فيها أي عمل تسجيلي عربي”(3).
هكذا كان كثير من الرحالة والمستشرقين الغربيين يأتون إلى جزيرة العرب للاكتشاف والمغامرة والمعرفة وربما أتى البعض لاسباب سياسية واستخبارية واستعمارية. الا أن هناك مجموعة من الرحالة الغربيين اتوا إلى منطقتنا لاهداف نبيلة وكان لهم اهداف مختلفة عن هؤلاء وربما كان لبعضهم اكثر من هدف أو سبب للقدوم إلى بلاد العرب. وكان لبعضهم اهداف علمية بحتة مثل الرحالة الدنماركي كرستان نيبور الذي كان أول رحالة أوروبي يزور جدة وان كان قد سبقه اليها بعض المغامرين الأوروبيين مثل الايطالي لو فيكو دوفارثيما والانجليزي جوزف بتس وغيرهم. وكان بعض هؤلاء الرحالة محبين للعرب ومعجبين بعاداتهم وتقاليدهم محترمين لدينهم الإسلامي الحنيف. بل كان بعضهم مسلمين صادقين مثل بيركهارات وويلمسون ومحمد اسد وغيرهم من الرحالة المسلمين الأوروبيين الذين اتوا إلى جدة في طريقهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لاداء فريضة الحج والتشرف بزيارة المسجد النبوي الشريف والسلام على صاحبه صلى الله عليه وسلم. ولم يكن كل هؤلاء الرحالة من الرجال فقط بل كان من بينهم نساءً أوروبيات مسلمات أتين إلى جدة في طريقهن للحج والزيارة.
احدى هؤلاء النساء الرحالة، كانت نبيلة اسكتلندية اسلمت وحسن اسلامها، استأذنت من المغفور له مؤسس وطننا الغالي المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- أن تأتي للممكلة لأداء فريضة الحج والذهاب إلى المدينة المنورة ووافق رحمه الله، على ذلك فأتت إلى المملكة وأصبحت أول بريطانية مسلمة تزور جدة ومن ثم المدينة المنورة ومكة المكرمة.
فمن هي هذه السيدة النبيلة رحمها الله. وماذا عن رحلتها إلى مدينة جدة فرضة مكة وعروس البحر والميناء الرئيس للملكة العربية السعودية ومنها إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
ليدي ايفلن كوبولد Lady Evely Cobboid:
هذه ليدي ايفلن كوبولد التي اتخذت لها -زينب- اسمًا. ولدت في مدينة ادنبره الاسكتلندية عام 1871م. وتوفاها الله عام 1963م عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عامًا. بريطانية مسلمة من اسرة ارستقراطية، هي كبرى بنات حاكم دنمور (Earl of Danmore)، تزوجت من شريف سفلوك (High Sheriff of Sufflok)، ودام زواجهم حتى وفاته بعد ثمانية وثلاثين عامًا(4).
عندما بلغت هذه السيدة الفاضلة السادسة والستين من العمر قررت أن تقوم برحلة الرحلات، الحج إلى بيت الله العتيق فاتصلت بسفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا آنذاك، الشيخ حافظ وهبه وطلبت منه أن يستأذن لها من جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في القدوم إلى المملكة لاداء مناسك الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف فوافق جلالته -رحمه الله- على ذلك.
قالت كوبلد عن نفسها: سألني كثيرون كيف ومتى اسلمت؟
وجاوبي على ذلك أنه يصعب عليّ تعين الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي، فارتضيت الإسلام دينًا. ويغلب عليّ الظن أنني مسلمة منذ نشأتي الأولى. وليس هذا غريبا اذا ما راح المرء يفكر بأن الإسلام هو الدين الطبيعي الذي يتقبله المرء فيما لو ترك لنفسه، ولم يفرض عليه ابواه الدين الذي يعتنقاه فرضًا (4).
جدة بعدسة ذاكرة النبيلة الإنجليزية المسلمة الحاجة زينب ايفلن كوبلد أول بريطانية مسلمة تزورها:
كانت رحلة السيدة الإنجليزية النبيلة المسلمة الليدي افلن كوبولد (Lady Evelyn Cobbold) التي اتخذت فيما بعد لنفسها اسم (زينب) هي أول رحلة تقوم بها سيده إنجليزية مسلمة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. وقد سَجْلَتْ رحلتها تلك في كتاب قيم قام سفير المملكة العربية السعودية (آنذاك) الشيخ حافظ وهبة -رحمه الله- بكتابة مقدمته، وقام الشيخ عمر ابو النصر (اليافي) -رحمه الله- بتحقيقه وترجمته إلى اللغة العربية في عام (1353ه - 1934م).
ولدت الليدي افلن كوبولد عام (1871م) في مدينة (أدنبره - (EDINBURGH) في اسكتلندا(5)، وقضت جزءًا كبيرًا من طفولتها في الجزائر. عن ذلك تقول: “واني لأذكر ايام طفولتي، وكيف أني صرفت الشتاء مع والدِيَّ في قصر عربي في الجزائر، مشى واِلدَيَّ اليه ينشدان فيه الشمس والراحة والطمأنينة(6). وقد تَعَلَمَتْ هذه السيده الاستقراطية اللغة العربية في طفولتها وانجذبت إلى الإسلام منذ نعومة اظافرها اذ تقول في كتابها عن رحلتها تلك: “واذكر كيف أني كنت كثيرة الرغبة -وانا ما ازال طفلة- في الذهاب إلى المسجد مع بعض الرفاق، استمتع بما يغمره من حياة روحية لطيفة رائعة، ولعمري لقد كنت مسلمه منذ ذلك العهد، واذا كان هذا لم يدر في خلدي، في تلك الماضيات من الايام (7).
هكذا عاشت الطفلة الاسكتلندية افلن كوبولد في الجزائر، ولعبت مع الاطفال الجزائريين وكانت ترى نفسها “طفلة مسلمة في الواقع”.
ولما سافرت إلى بلدها بريطانيا كانت اسفة على مغادرة الجزائر الا أنها بعد فترة من الزمن نسيت اقامتها هناك كما نسيت اصدقائها من الاطفال الجزائرين وتعلقها بالمساجد ومبادئ اللغة العربية التي تعلمتها خلال اقامتها مع العرب. وبعد مرور فترة طويلة من الزمن وفي احدى زياراتها إلى روما بايطاليا سألها مضيفها ان كانت تود أن تلتقي بالبابا ففرحت لذلك. ولما قابلت البابا في الفاتيكان سألها ان كانت إنجليزية كاثوليكية فردت عليه دون تفكير قائلة: “إني من المسلمين”(8). ومنذ ذلك الوقت وكوبولد تقرأ عن الإسلام وتزداد معرفتها به. وبعد وفاة زوجها عام(1929م)، قررت اداء فريضة الحج وهي في السادسة والستين من عمرها، والتقت بسفير جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الشيخ حافظ وهبة -رحمه الله- واخبرته عن رغبتها في الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم (9) وطلبت منه أن يستأذن لها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بالقدوم إلى ارض المملكة العربية السعودية لذلك الغرض.
غادرت افلن كوبولد لندن إلى القاهرة عام(1933م) ومنها انطلقت إلى جدة، وكان على متن السفينة التي اقلتها إلى جدة “باشا مكناس “وحاشيته المكونة من 70 فردا، و “السير أندرو ريان “العائد إلى منصبه وزيرًا مفوضًا في القنصلية البريطانية في جدة، وفي العادة فإن قوافل الحج تنطلق من القاهرة بعد شهرين من عيد الفطر ليتمكن الناس من الوصول إلى الاراضي المقدسة في الوقت المناسب لاداء المناسك(10).
خط سير رحلة الليدي كوبولد إلى الديار المقدسة:
بعد أن سافرت السيدة ايفلن كوبولد من لندن إلى القاهرة عام (1933م) وبعد أن غادرت القاهرة، ذهبت إلى السويس ثم إلى “بورت سعيد “حيث استقلت باخرة ايطالية متجهة إلى جدة في يوم 23/2/1933م، حُجِزت لها على متنها غرفة خاصة بها. ومن بورت سعيد أبحرت الباخرة إلى “القصير “حيث رست هناك عدة ساعات مما مكن الركاب من زيارة تلك البلدة، وبعد اربعة ايام في البحر وصلت بهم الباخرة إلى جدة في يوم 26/2/1933م. فلما رست السفينة على بعد حوالي “ ميل واحد “من المرفأ فاذا بزوجة “المستر فيلبي “تنتظرها في قارب، قالت عنه كوبولد: “أنه نُقِشَتْ على رايته كلمة: “لا إله إلا الله محمد رسول الله “ وقالت: شَعَرْتُ حينها أني في البلاد العربية حقًا وانني تحت راية ابن سعود “(11). وتحدثت كوبولد - رحمها الله - عن الجبال التي تحف بجدة، وعن اصوات المحرمين من حولها، المهللة والمسبحة والمكبرة، وعن ظهور الابتهاج على وجوه الحجاج لوصولهم إلى “اطهر بقعة واقدس مقام”.
ثم تحدثت الكاتبة عن ميناء جدة قائلة: “اما ميناء جدة فإنه عجيبة من عجائب الزمان، وليس هناك مياه بحر تشابه مياهه في البهاء واللمعان، ولكنه إلى ذلك كله كثير الصخور، كثير الجبال البحرية بحيث كان ربابنة السفن التي ترسى في هذا الميناء لا يتقدمون من المرفأ الا بمقدار. واستطردت كوبولد قائلة: “وكان على الزورق الذي اقلنا من الباخرة أن يسير ما يقرب عن ميل واحد، فاخذ سبيله في البحر، وزاد في عجبي ما رأيته من براعة البحار ومهارته، وهو بعد صبي ما أظنه يتجاوز العاشرة من عمره، وكان من الحذق والمهارة في تسير الزورق بين هذه الصخور والاخاديد، بحيث كان يرى الحفر تحت الماء فيدور حولها، ولا يقع عليها، وكان بارعًا في محاورة الصخور المختفية، والروغان عنها، حتى أوصلنا إلى المرفأ سالمين مطمئنين “(12).
قضت المسلمة البريطانية النبيلة ايفلن كوبولد عدة ايام في جدة وخرجت تتنزه في خارج هذه المدينة العريقة وتحدثت عن بعض ما شاهدته في رحلتها إلى خارج جدة قائلة: “لقد خرجت اليوم بالسيارة إلى خارج المدينة، فكنت اشاهد كثيرًا من الحجاج يضربون في الارض نحو مكة وألهف نفسي متى يكون لي مثل حظهم، لقد حدثني بعضهم: “ان هناك اشخاصًا “ركبوا نعالهم عامة سنتهم”، حتى وصلوا إلى الارض المقدسة، وان هناك غيرهم يفضلون المشي على الاقدام نحو البيت الحرام، يغمرهم الخشوع، وتجللهم التوبة، ويدفعهم إلى هذه المشقات حبهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم”(13).
ووصفت ايفلن كوبولد الحياة في جدة كما رأتها، قائلة: “لقد وجدت الحياة في جدة تختلف عن مثلها في غيرها من البلاد الشرقية، ذلك أنها حياة عربية خالصة”(14).
وعن فن العمارة في هذه المدينة تقول كوبولد: “وفن العمارة في جدة جميل فتان، واهلها يستعملون حجارة المقالع القريبة من المدينة للبناء وغيره، واما الخشب فانهم يستجلبونه من جافا (اندونيسيا)، لان جدة “لا أشجار فيها “(في زمن زيارتها)(15).
ونظرًا لان السيدة كوبولد جاءت إلى جدة خلال شهر فبراير فقد وجدت الجو مقبول في جدة اذ تقول: “وليست الحرارة في جدة فوق ما تحتمله النفس، حتى للذي لم يتعود الحر، لان هواء البحر يرطب جوها ويخفف من سموم الصحراء، وذلك بخلاف مكة المكرمة التي حرها شديد قوي(16).
وتحدثت السيدة كوبولد عن منزل السيد عبدالله فليبي وزوجته وقالت:انه من اجمل منازل جدة واوسعها (17).
وبعد أن قضت السيدة افلن كوبولد سبعة عشر يومًا في جدة وبعد صدور الاذن لها، غادرت كوبولد جدة إلى المدينة المنورة، وكانت تلك الرحلة في ذلك الزمن طويلة نسبيًا للسيارات مقارنة بها اليوم.
عن ذلك تقول لسيدة كوبولد: “لقد اصبح كل شيء جاهزًا لسفري، اما المدينة المنورة فانها تبعد (250) ميلًا عن جدة، وليس بالامكان أن اقطع كل هذه المسافة في يوم واحد، فلابد لي والحالة هذه من النوم في السيارة(18). وقبل أن تغادر السيدة كوبولد جدة قامت زوجة المستر فيلبي بتعليمها كيفية الاحرام ولبسه(18). وغادرت السيدة ايفلن كوبولد جدة على متن سيارة استأجرتها لمدة عشرين يومًا لاستعمالها للزيارة ولأداء مناسك الحج(19). ووصفت السيدة كوبولد معرفة سائق سيارتها الجيدة بالطرق، وتحدثت عن رابغ وعن الاشجار في الطريق وبعض المزارع التي رأتها في طريقها إلى المدينة المنورة، وقالت انها وصلت إلى المدينة المنورة بعد سفر استمر خمس عشرة ساعة مقارنة بعشرة ايام لمن كانوا يسافرون على ظهور الجمال، كما ذكرت أنها رأت بعض المسافرين وهم يمشون على اقدامهم إلى بلد المصطفى صلوات الله عليه وسلامه. ودخلت كوبولد إلى طيبة الطيبة مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم الساعة العاشرة مساء وكان في استقبالها احد الاشخاص الذين كانوا قد اُخبِرُوا بقدومها وقام باصطحابها إلى المنزل الذي أُعِدَ لاقامتها في المدينة المنورة(20).
وتحدثت السيدة كوبولد عن زيارتها للمدينة المنورة، كما تحدثت عن جمال المسجد النبوي الشريف ووصفته ووصفت منائره واعمدة المسجد وزخارفه، وتحدثت عن القبر الشريف. وكتبت السيدة كوبولد عن سيدات قمن بزيارتها في مكان اقامتها بالمدينة المنورة ووصفت مائدة شاي نُصِبَتْ لها ولهن. كما تحدثت عن بعض اسواق المدينة المنورة القريبة من المسجد النبوي الشريف. وخرجت السيدة كوبولد بسيارتها إلى خارج المدينة المنورة فزارت جبل أحد وغيره من الأمكنة المحيطة بالمدينة المنورة، مثل مسجد القبلتين، وقباء وغيرها.
وتحدثت السيدة كوبولد عن احد منازل المدينة المنورة التي زارته بدعوة من السيدة صاحِبِة المنزل فوصفت جمال هذا المنزل المدني وحسن ترتيبه ووساعة غرفه، كما اشادت بثقافة السيدات المدنيات اللاتي التقت (21).
وفي يوم 23 مارس من عام 1933م غادرت السيدة افلن كوبولد المدينة المنورة بعد رحلة كان ملؤها الخشوع والحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وبعد زيارة المسجد النبوي الشريف والتشرف بالسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وجهتها جدة لقضاء يوم أو يومين فيها قبل التوجه إلى مكة المكرمة (22).
وفي صباح السابع والعشرين من مارس عام 1933م غادرت كوبولد جدة إلى مكة المكرمة. وكانت رحلتها بالسيارة وقالت: إن زمن الرحلة من جدة إلى مكة المكرمة بالسيارة كان “لا يزيد على اربع ساعات (23).
وتحدثت السيدة كوبولد عن المطوفين وعن دورهم الاساسي والمهم في اداء الحجاج مناسكهم والعودة سالمين إلى ديارهم، وتحدثت عن قدرات المطوفين وتمكنهم من اللغات المختلفة للتحدث مع الحجاج القادمين من مختلف بقاع الدنيا. وتحدثت عن مشاهدتها لبعض المطوفين وهم يساعدون حجاجًا تقطعت بهم السبل وانتهى ما لديهم من مال فقام المطوفون بمساعدتهم ودفعوا لهم نفقات عودتهم إلى بلادهم. وتحدثت السيدة كوبولد عن اهمية تأمين الطرق وذكرت كيف تم تأمين الطرق على يد جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله وأثابه- وتوقعت أن يأتي يوم يزداد فيه عدد الحجاج ليصل إلى اعداد كبيرة. وقالت: ان هذا هو ما ترجوه لانها: “ترى أنه كلما ازداد عدد الحجاج، كلما ازدادت العلاقات الاجتماعية والدينية بين المسلمين(24)”.
وفي يوم الرابع من ابريل عام 1933م توجهت السيدة كوبولد إلى منى وعرفات للبدء في اداء مناسك فريضة الحج. وتحدثت عن المشاعر المقدسة ووصفتها وبعد الحج غادرت الحاجة (زينب افلن كوبولد) مكة المكرمة متوجهة إلى جدة. ومنها إلى سواكن حيث قضت خمسة ايام في الحجر الصحي هناك (25). ومن سواكن توجهت إلى بورت سودان حيث استقلت باخرة إلى بورسعيد ومنها إلى مارسليا حيث ستستقل الطائرة إلى لندن التي وصلتها يوم23/ 4/1933م(26).
عن ذلك تقول الحاجة كوبلد: “وبعد تسع ساعات أخذت الطائرة تهبط إلى الأرض، فحمدت الله على السلامة، وعلمت أنني قد أصبحت في بلادي حقًا”.
تقول السيدة زينب كوبلد: “كثيرًا ما أفكر في حجي إلى الأراضي المقدسة، ويخيل لي أحيانًا أنني كنت في حلم من الاحلام، ولكن أوراقي أمامي تؤكد لي أن حجي لم يكن حُلُمًا، وانما كان أمرًا واقعًا”.
وتستطرد افلن كوبولد قائلةً: “إن الزمن لن يمحو من ذهني وذاكرتي المشاهد التي رأيتها في مكة والمدينة، وما وقعت عليه من قوة الايمان، وجمال الاخلاص، وحب الخير للناس والاعداء على السواء، وهي أمور كنت احس بها وانا في البلاد المقدسة، ثم ما توفر لي من شرف زيارة قبر الرسول، ومسجده الشريف، وحرم الله المكرم، وكعبته الطاهرة، وقيامي بكل واجبات الحج، مما كان يجعل كله في قلبي اطمئنانًا لم اكن احسه قبل اليوم ابدًا (27).
رحم الله النبيلة الاسكتلندية المسلمة الحاجة زينب افلن كوبولد ومن ساعدها على أداء فريضة الحج.
هكذا كانت رحلة هذه النبيلة الإنجليزية المسلمة الحاجة زينب افلن كوبولد -رحمها الله- إلى بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي الرحلة التي استهلتها بالقدوم إلى مدينة جدة، وهي رحلة يعود الفضل فيها -بعد الله سبحانه وتعالى- إلى جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله حيث سمح لهذه السيدة المؤمنة بالقدوم إلى المملكة العربية السعودية وبأداء فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام.
المراجع:
1- قلعجي، قدري: اكتشاف جزيرة العرب، تحقيق حمد الجاسر، مكتبة مدبولي، القاهرة،2006م،ص/5-6.
2- المصدر السابق، ص/6.
3- عطاالله،سمير: قافلة الحبر،دار الساقي،بيروت،1994م،ص/9.
4- Wolfe، Michael: One Thousand Roads to Mecca، Grove Press، 1997، PP. 406 - 08.
5- كوبولد، ايفلن: اسلام نبيلة إنجليزية وحجها إلى مكة والمدينة،مصدر سابق،ص/9.
6- محمود، احمد محمد: رحلات الحج، ج 2، الدار السعودية للنشر، جدة، (1430ه - 2009م)، ص/46.
7- كوبولد، افلن زينب: اسلام نبيلة إنجليزية وحجها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ترجمة وتحقيق عمر ابو النصر، المكتبة الاهلية، بيروت، (1353ه - 1934م)، ص/10.
8- المصدر السابق، ص/10.
9- المصدر السابق، ص/11.
10- محمود، احمد محمد: رحلات الحج، مصدر سابق، ص/46.
11- المصدر السابق، ص/46.
12- كوبولد، افلن زينب: اسلام نبيلة إنجليزية وحجها إلى مكة المكرمة، مصدر سابق، ص/22.
13- المصدر السابق، ص/23.
14- المصدر السابق، ص/25.
15- المصدر السابق، ص/26.
16- المصدر السابق، ص/26.
17- المصدر السابق، ص/27.
18- المصدر السابق، ص/27.
19- المصدر السابق، ص/31.
20- المصدر السابق، ص/32.
21- المصدر السابق، ص/33.
22- المصدر السابق، ص/34.
23- المصدر السابق، ص/49.
24- المصدر السابق، ص/57.
25- المصدر السابق، ص/60.
26- المصدر السابق، ص/77-78.
27- المصدر السابق، ص/114.
28- المصدر السابق، ص/116.
29- المصدر السابق، ص/116-117.
* باحث أكاديمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.