رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    حديقة السويدي تحتفي بالثقافة البنغلاديشية ضمن "انسجام عالمي"    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    بوتين: قصفنا أوكرانيا بصاروخ بالستي جديد متوسط المدى فرط صوتي    سالم الدوسري يشارك في جزء من مران الهلال ويقترب من الجاهزية    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    القبض على 5 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (150) كجم "قات"    مدرب تشيلسي متحمس لمواجهة فريقه السابق ليستر في الدوري    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    واشنطن ترفض «بشكل قاطع» مذكرتي التوقيف بحق نتانياهو وغالانت    رئيس البرلمان العربي يدين الفيتو الأمريكي ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة ويحذر من عواقبه    خبير مصري ل«عكاظ»: تعنت نتنياهو وراء فشل مفاوضات غزة    توال و 5SKYE تعلنان عن شراكة استراتيجية لتعزيز التحول الرقمي في السعودية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    تفاؤل أمريكي بوقف إطلاق النار في لبنان.. خلافات بين إسرائيل وحزب الله على آلية الرقابة    "مطار الملك فهد الدولي" يحقق المركز الأول في نسبة الالتزام بمعايير الأداء التشغيلي    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    "تزايد" تختتم مشاركتها في سيتي سكيب 2024 بتوقيع اتفاقيات وإطلاق مشاريع ب 2 مليار ريال    اكتمال وصول الدفعة الأولى من ضيوف خادم الحرمين للعمرة والزيارة    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    أمين منطقة القصيم يتسلم التقرير الختامي لمزاد الابل من رئيس مركز مدرج    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "تعليم البكيرية" يحتفي باليوم الدولي للتسامح بحزمة من الفعاليات والبرامج    يفتتح السفير الهندي رسميًا الجناح الهندي في معرض ربط الشركات التجارية العالمية بالمملكة العربية السعودية 2024 الذي ييتم تنظيمه بالتزامن مع معرض4P الخليج ومعرض الآلات والأدوات.    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    أكاديمية طويق شريك تدريبي معتمد ل "Google Cloud"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    «المسيار» والوجبات السريعة    الصقور السعودية    نفاذ تذاكر مباراة الخليج والهلال في الجولة 11 من دوري روشن    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    الدرعية تضع حجر الأساس لحي القرين الثقافي والمنطقة الشمالية    الإعراض عن الميسور    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    نواف إلى القفص الذهبي    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد طلب بريطانيا للخبرة السعودية في ادارة التجمعات الكبيرة .. بالصور والفيديو : أصداء واسعة واهتمام اعلامي غير مسبوق بمعرض الحج في بريطانيا ( رحلة لقلب الاسلام )
نشر في أزد يوم 07 - 02 - 2012

: أعرب مسلمو "بريطانيا" عن سعادتهم لقيام الأمير "تشارلز" بمشاركة العديد من الوزراء بالحكومة البريطانية، وسفراء العديد من الدول - في افتتاح معرض "رحلة لقلب الإسلام"، حول الحج بمتحف لندن الإسلامي.
وقد أكدت جمعية "حجاج بريطانيا"، ومنظمة شؤون الحج والعمرة الوطنية، أن هناك حاجة ماسة في "المملكة المتحدة" وأوروبا كلها لبيان حقيقة الحج للمسلمين ولغير المسلمينً
اهتمام اعلامي غير مسبوق
واهتمت الأوساط الثقافية والسياسية والصحف البريطانية بالحدث الذي تم تدشينه رسميا الخميس الماضي، ويتوقع الصحافي البريطاني المخضرم سام ريتش بزيارة ملكة بريطانيا للمعرض الذي يجري على شرف ولي العهد الأمير تشارلز أمير ويلز والذي شارك الأمير محمد بن نواف سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة بحضور وفود سياسية وثقافية وإعلامية متميزة.
وقد أجمعت عدة صحف بريطانية على أهمية الحدث وقامت صحيفة "مترو" واسعة الانتشار والتي توزع مجانا على ملايين البريطانيين بطرح مسابقة يومية جائزتها الأولى زيارة المتحف البريطاني لمشاهدة رحلة الحج المثيرة.
وتحت عنوان "بريطانيا تستعين بالخبرة السعودية لتنظيم أولمبياد لندن" قالت "ذي جارديان البريطانية": المسؤولون عن أولمبياد لندن 2012 في حاجة ملحة للاستعانة بالخبرات السعودية في تنظيم رحلة الحج، حيث تشكل تجمعات فريضة الحج السنوية التي يؤديها أكثر من ثلاثة ملايين حاج تستضيفهم السعودية خلال موسم الحج أو الفعاليات الرياضية الكبرى مثل الألعاب الأوليمبية وكأس العالم لكرة القدم، تحديات صحية خطيرة للمنظمين والمشاركين على حد سواء.
ويقول نيل ماكجريجور مدير المتحف البريطاني إنه سيتم السماح لأول مرة لغير المسلمين للاطلاع على جانب مهم من الممارسات الإسلامية وركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة، يدخل في تشكيل وعي المسلمين في جميع أنحاء العالم، ومشاهدة واقع ما يحدث سنويا في مكة المكرمة، وتمنع الشريعة الإسلامية غير المسلمين من الدخول إلى الحرم المكي القدسي.
(نيل ماكجريجور مدير المتحف البريطاني )
وفي غضون الاستعدادات التي تمضي قدماً في لندن لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية، قامت هيئة حماية الصحة البريطانية بالفعل باستشارة السلطات السعودية في تنظيم الرحلات الجماهيرية من أنحاء العالم لحضور أولمبياد لندن. ويتوقع أن يصل عددهم إلى خمسة ملايين زائر.
وتضيف الصحيفة: "تساعد رحلة الحج - التي تفرض شرعا على المسلم مرة واحدة في العمر بشرط الاستطاعة - إلى حد كبير على تنمية الاقتصاد السعودي. ففي عام 1932 أدى 20 ألف حاج الركن الخامس من أركان الإسلام وفي العام الماضي، وبعد التطورات والتوسعة التي قام بها خام الحرمين الشريفين أدى نحو ثلاثة ملايين حاج الفريضة، ويتوقع زيادة عدد الحجاج في الأعوام المقبلة.
وعن معرض "الحج رحلة إلى قلب الإسلام" تقول الصحيفة: "أحد أهم الجوانب لهذا المعرض المبهر هو فتح العين على رحلة لا تزال غامضة بين غير المؤمنين، وفرصة لمشاهدة طقوس الرحلة الجماعية للمسلمين باختلاف ألوانهم وجنسياتهم ولغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ومن أهم المشاهد المدهشة هو مشهد الطواف الجماعي، رجالا ونساء، جنبا إلى جنب حول الكعبة التي تتميز بشكل هندسي فريد وتنظيم أكثر من رائع.
التيارات المعادية للإسلام ومنظمات حقوق الإنسان لن تتمكن من الطعن في هذا الدين بعد مشاهدة ملايين المسلمين من الرجال والنساء وهم يجتمعون في مكان واحد ويقومون بطقوس واحدة في تجانس تام ومودة وسلام وتعاون.
كل ركن من أركان المعرض سيذكرك بأنك أمام دين لا مثيل له، مختلف تماما عن أي دين آخر، من طواف وصلوات جماعية ومنفردة ودعاء وسعي وطاعة في أداء حركات جماعية دقيقة ومتقنة وزيارات ورمي الجمرات والصعود على جبل عرفات والبقاء فيه لعدة ساعات للصلاة والدعاء في خشوع وبكاء وخضوع لله مع استحضار التاريخ والجغرافيا ومراجعة نصوص القرآن وتعاليم الرسول وخرائط الأماكن المقدسة والطقوس.
( واحدة من أقدم نسخ المصحف الشريف تعود إلى القرن الثامن الميلادي)
وأفضل تعبير عن هذا التناغم بين المسلمين حول الكعبة كان للفنان السعودي أحمد مطر آل زياد، حيث جعل المقارنة واضحة تماما بين جاذبية الحجاج للكعبة وجاذبية برادة الحديد للمغناطيس.. وشاهدنا في المعرض أفلاما وثائقية وتسجيلية عن رحلة الحج وحلقات مسجلة من المسلمين البريطانيين الذين يتحدثون عن تجربتهم في الحج. يقول أحدهم: "تشعر في رحلة الحج بالوصول عند مستوى جديد من التقرب لله"، وعلى جبل عرفات، ويقول كثيرون: "بعد رحلة صعود شاقة ودرجة حرارة تصل إلى 45 درجة، تشعر بأنك تارك هذا العالم وذاهب إلى الله وتتمنى أن تلقاه ولا تعود إلى الدنيا ثانية".
ويقول الإعلامي الشهير ديفيد بيكر لصحيفة ديلي تيلغراف البريطانية: "كشف المتحف البريطاني أسرار الحج، ورفع معرض الحج رحلة في قلب الإسلام الحجاب عن أحد أهم الطقوس التي ظلت لغزا محيرا للكثيرين من غير المسلمين".
نشأة الفكرة وكيفية التطبيق
كيف نكتب قصة الحج في الاسلام وكيف نعرضها تحت سقف متحف، مهمة تبدو صعبة وحتى طموحة لمن يريد ان يقوم بها، ويبدو ان المتحف البريطاني اخذ على نفسه مهمة القيام بهذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، والذي آمن ان بامكانه تقديم التجربة الروحية في الاسلام للبريطانيين في معرض شامل، وهو الاول الذي يكرس لعرض قصة الحج والذي افتتح في نهاية الشهر الماضي.
ويقوم على ما يحتفظ به المتحف البريطاني من مقتنياته او من تلك التي استعارها من مكتبة الملك عبدالعزيز في الرياض ومن متاحف ومجموعات خاصة لحكاية قصة الحج في الاسلام، ويقدم الرحلة في بعديها الجسدي والروحي من خلال لوحات وصور وافلام ونسيج ومنمنمات وادلة لمناسك الحج وكلها نادرة، حيث تضيء للزائر المسلم وغير المسلم جوانب لم يكن يعرفها عن قصة الحج، ويعطي الرأي العام البريطاني والغربي فهما غير الذي يرتبط بذهنه من الصور السنوية عن ملايين من الناس يجتمعون في صعيد ويطوفون حول بيت مكعب مغطى بحلة سوداء ومن حوله من الملايين يعتمرون الملابس البيضاء بدون ان يفهموا معنى هذا التجمع.
فهم لا يعرفون ان الحج هو الركن الخامس في الاسلام ورمزيته الروحية انه يعيد تشكيل الشخصية المسلمة ويعطي كل واحد من المشاركين معنى جديدا للحياة، فكل من يحضر المهرجان الديني يعرف انه سيعود بحلة جديدة وعهد جديد.
واكثر من هذا فقصة الحج في الاسلام ليست كلها عن القيام برحلة ولو مرة في العمر لاكمال الواجب الديني، فهي عن السياسة وتجاذبها مع التجارة وهي رحلة رومانسية وقد تكون مغامرة من اجل الكشف عن سر المدينة الجوهرة، وهي رحلة صوفية مثقلة بالرموز والشوق للصعود للاعالي، وهي عن السلام الداخلي، وعن المساواة بين كل الوان البشر على ظهر البسيطة وطبقاتهم وهو فوق كل هذا عن الحصول على النظرة الاولى وعناق المقدس في علوه وتعاليه، فلحظة اللقاء او التحضير لها تبدأ مع وصول الركب الى اطراف مكة ونواحيها حيث يتعالى الهتاف والنشيد والتلبية 'لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك...'.
( محمل كسوة الكعبة من القاهرة إلى مكة )
قصة الحج هي قصص مليارات المسلمين في سدوف التاريخ ممن قطعوا الجبال والبحار والبوادي والوديان، بعضهم واخرون قصر بهم الطريق وفي النهاية فالرحلة هي ذكرياتهم حملوها معهم ، من عاد منهم اما من مات فقد ظلت قصته حية في قلوب احبابه ومن ضاع فقد وجد حياة في مكان على ظهر البسيطة. وفي وصفه للعائدين المصريين من الحج كتب ادوارد لين واصفا المشهد بانه خليط من البكاء فرحا والعويل. فيما وصف ريتشارد بيرتون الذي تخفى في زي طبيب افغاني وزار الكعبة عام 1853 مشهد الباكين المتعلقين بأستار الكعبة والمتزاحمين بقلوبهم التي تخفق على الحجر الاسود، 'كل هؤلاء الالاف لم يشعروا بتلك اللحظة العاطفية اكثر من ذلك الحاج القادم من الشمال البعيد'، فقد بدت لبيرتون تلك اللحظة كما ان الامجاد الشعرية العربية قد قالت الحقيقة، وكما ان الملائكة بأجنحتها المحلقة وليس نسيم الصباح العذب هي من ترفرف وتحرك ستار الكعبة. ويمضي قائلا ان لحظة المؤمنين الاخرين كانت تعبيرا عن شعور عال من الحماسة الدينية فيما كان شعوره تعبيرا عن 'فرحة النفس المنتشية بالانجاز' اي بوصوله الكعبة .
لم يكن بيرتون وحده من سحره المكان المغلف بالاسرار والسحر بل هناك كتيبة من الفنانين والشعراء والمغامرين ممن رحلوا للمكان، بعضهم كان مؤمنا خالصا واخرون غير صادقين او جواسيس من مثل كريستيان سنوك هيرخرونيا، الذي جاء للتجسس على الحجاج الجاويين واخذ صور للكعبة وكتابة تقارير للادارة الاستعمارية في هولندا و فيما ان كانوا قد تأثروا بأفكار الجامعة الاسلامية والتجديد. وهناك من اكتفوا بالقصص والحكايات وكونوا منها صورتهم عن المكان المقدس. عندما كتب بيرتون مشاهداته عن الحج ، تحولت الى اكثر الكتب مبيعا في اوروبا فقد كانت في لغتها جميلة وشعرية واكثر تفصيلا من رحلة الحاج ابراهيم بيركهارت والتي كتبها عندما كان مريضا. وادت كتاباته واخرين الى اشعال خيال الاوروبيين الذين رسموا وحولوا الرحلة الى مسرح، حيث انتشرت الصورة الرومانسية عن المكان في القرن التاسع عشر، ولعل اهم لوحة عبرت عن هذا الحس الرومانسي تلك التي عرضها ليون بيلي عام 1861 في باريس 'الحجاج يذهبون الى مكة'.
( لوحة مغناطيس للفنان السعودي أحمد ماطر )
النظرة الاولى
في كل تجارب وروايات من رحلوا صوب الكعبة كانت هناك لحظة مثيرة وفارقة للقاء، ففي المعرض يوميات مسلمة بريطانية عمرها عشرة اعوام تكتب عن عظمة الكعبة التي قالت ان العين لا تريد مفارقة النظر اليها، وتلك البريطانية ليدي ايفلين كوبيلد التي كانت اول امرأة غربية تؤدي الحج عام 1933 وكتبت تقول انها لا تعرف بالضبط اللحظة التي ايقنت فيها انها مسلمة 'ويبدو لي انني كنت مسلمة طوال حياتي'. ابن بطوطة كتب يقول ان الله وضع في قلوب عباده حس الحنين والشوق للكعبة وزيارتها. فيما سحرت الكعبة وجمع الحجيج مالكوم اكس، المسلم الامريكي الاسود لحظة الاخوة، والحب الانساني الذي لم يعرفه طوال حياته في امريكا. رحلة الحج هي من اهم اللحظات في حياة المؤمنين كانوا يوفرون لها المال طوال حياتهم وعندما يكبرون ويبلغون من العمر عتيا، يرحلون صوب مكة ومعهم ما وفروه ليموتوا في الطريق اليها، وهناك من هم مثل ابن بطوطة من كانوا يرحلون شبابا طلبا للعلم، فيتوقفون في محطات عديدة قبل ان يصلوا لمكة التي يصلون اليها ومعهم اجازات في العلم ويطلبون الاجازة الكبرى من علماء الحرمين، وكان معروفا في العصور الزاهرة ان من كان من العلماء يرغب بنشر كتبه وانتشارها في العالم الاسلامي، فما كان عليه الا ان يرسلها لمكة. للحج طرق كانت تمتد على مدى الشرق الاسلامي من تمبكتو في مالي او تاديمكة (الشبيهة بمكة) الى النيجر والهند وجاوة والصين ووسط اسيا، هذه الطرق كانت كل عام تشهد قوافل الحادين والحجاج، وكان الخلفاء يتسابقون لتعبيدها وتوفير 'المنارات' لها و'الاميال' حتى يعرف الحجاج كم من المسافات قطعوا، اضافة للقلاع والخانات الاستراحات.
الشرعية تبدأ من مكة
وكانت مكة على الرغم من بعدها عن عواصم الدولة في بغداد ودمشق والقاهرة وصنعاء وفاتح بور في الهند والباب العالي في اسطنبول، هي من تحدد من يملك الشرعية على العالم الاسلامي، ومن هنا كان المماليك يرسلون لها المحمل وكان الباب العالي يرسل اليها 'الصرة' السلطانية، وارسل اليها الامبراطور اكبر اكثر من 600 الف روبية مع عمته غولبدان بيجوم عام 1575 حيث قضت مع حاشيتها اربعة اعوام حتى اشتكى منها الوالي وامرها بالرحيل بناء على امر السلطان، وهو ما عكر صفو العلاقات بين الامبراطوريتين، العثمانية والمغولية. ولماذا نبتعد كثيرا ولا نتذكر رحلة الخليفة المهدي، ثالث خلفاء بني العباس الذي حج عام 777 وحمل معه الثروات ووزعها على اهل مكة، فقد حمل معه من بغداد 30 مليون درهم من الفضة، و 300 الف دينار ذهب من مصر، و 200 الف مثلها من اليمن. ووزع كل هذا اضافة الى الملابس التي انتجتها بيوت الطراز. وسيحاول ملك افريقي من مالي اسمه منسى موسى تقليد الرحلة، فقد بدأ منسى الرحلة للتكفير عن خطيئة قتل امه خطأ عام 1324 وكانت حاشيته مكونة من 8 الاف و 500 عبد كل واحد منهم كان يحمل معه 500 مثقال من الذهب ويقال ان ثروة منسى التي جلبها معه ادت الى هبوط اسعار الذهب في مصر، وهناك اخر وهو ملك سونغاي، اسكيا محمود الذي حج بين عامي 1496 و 1497. ومن لم يحمل الثروات بنى الطرقات مثل زبيدة ودربها المعروف او البرك، كما فعل سليمان القانوني، والذي بنى التكية السليمانية في دمشق كي تكون مركز لقاء الحج، وهناك من بنى المدارس واوقف الاوقاف والحصون كما فعل العثمانيون على طول الطريق الى المدينة المنورة والتي كان يرابط فيها الانكشارية. كان الحج منظما بدرجة كبيرة في الدول الاسلامية ويتم الاستعداد له وتوفير كل ما يمكن توفيره وتعيين الامراء له فقد كان امير الحج هو من يملك الحياة والموت،حيث كان يحمل معه المنشدين، والجلادين الجاهزين لاعدام العصاة، واعدم السلطان العثماني والي دمشق لتقصيره في حماية ركب الحجيج الشامي. ففي فترة كان منصب والي دمشق اهم من منصب رئيس الوزراء. وكانت امارة الحج محلا للتنافس بين بيروقراطيي الدولة لانها كانت اسهل طريق للثروة، فأمير الحج كان يتاجر وكذا جنوده وكل ذلك على حساب الحجاج المساكين، الذين ان لم يسلموا ابتزاز رجال الموانئ وقطاع الطريق لاحقهم من وكلوا بحمايتهم.
المواصلات والغارات
هذا جانب مما يحاول معرض المتحف البريطاني تقديمه، فهو يأخذ الزائر في رحلة مع التاريخ، يقدم له فيها، قصة الحج من جانبها الجسدي، طرق، ووسائل نقل من الجمال والقوارب والسفن البخارية والقطارات الى الطائرات التي قصرت مدة الرحلة من سنوات واشهر الى ساعات قليلة . ويظهر المعرض الجهود الاستعمارية لتنظيم الحج واعطاء السلطات البريطانية توماس كوك وكيل الرحلات وكالة تسفير الحجاج الهنود الى جدة، حيث تعرض تذكرة السفر التي كان يعطيها لكل مسافر. وكذا قصة خط الحجاز الذي دمره لورنس العرب اثناء الحرب العالمية الاولى مع القبائل البدوية قصته وابعاده الاستراتيجية، اضافة الى مشاكل السفن وجشع التجار واصحاب وسائل السفر من الجمالين والحمالين وحالة الموانئ والتي ابدع في رسم صورتها الرحالة من ناصر خسرو الى ابن جبير، الذي سافر على السفن الايطالية وهاله الاستقبال الذي حظي به عند وصوله الاسكندرية من التفتيش وفرض المكوس على الحجاج، ونعرف من كلامه انه كان يعشق صلاح الدين الايوبي ويقول لو علم صلاح الدين بممارسات الجمارك لاخذ على ايديهم، ولعل وصف ابن جبير للحرم هو من اكثر ما وصلنا عن البقاع المقدسة جمالا وتفصيليا في القرون الوسطى. كان الحجاج من اواسط افريقيا هم اكثر ما عانوا من مشاق فإن لم تسرق اموالهم فانهم كانوا عرضة للاسترقاق. فيما كان حجاج اسيا الوسطى وايران يقطعون الطريق مشاة. ومن هنا فإن رحلة الحج بألقها الجميل وروحيتها تكمن وراءها الكثير من القصص الوحشية من قطاع الطرق وغارات البدو، حيث قتلوا الملايين ونهبوا قوافلهم خلال التاريخ، وعندما كانت الدولة خاصة العثمانية او مسؤولوه يتأخرون في دفع المال المتفق عليه لقبائل معينة كان الحجاج يعانون. وفظائع البدو كانت تصل الى مكة والمدينة فهناك قصة مغاربة اربعة جرهم البدو من المدينة الى مكة مقيدين الى الجمال بعد ان اخذوا اموالهم ومات منهم واحد، اما الاخرون فقد وصلوا لعرفات بين الحياة والموت. فقد كان النهب والسلب من علامات الحج المخيفة حتى الثلاثينات من القرن الماضي، وكان الحجاج ينهبون ويقتلون، اما في الطريق الى مكة او في طريق العودة الى اوطانهم، وقد ادى امن الحج الى محاولات تطوير وسائل السفر او الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة، ومع كل وسيلة يلجأ اليها الحجاج يطور اللصوص وسائلهم فقد دخل القراصنة على الخط بعد ان اصبحت السفن اكثر الوسائل استخداما. و بعد الخمسينات من القرن الماضي بدأت شركة طيران الشرق الاوسط تسيير رحلاتها جدة ثم تبعتها خطوط من نيجيريا والان تعرفون القصة كلها. ولعل من العروض الجميلة تلك الافلام القصيرة التي تصور الحجاج المسلمين من الهند وهم يصعدون للسفينة، وكذا المغاربة، وكان يا مكان في فلسطين، حيث كانوا يسافرون في الطائرات كما يظهر فيلم قصير. ومن الافلام الجميلة، مشهد وداع المحمل في شوارع القاهرة، الناس، والوجوه والشرطة والاعلام. الى جانب المخاطر التي كان يتعرض لها الحجاج فقد كانوا يحملون معهم الامراض حيث وصلت الكوليرا الى مكة مع حجاج الهند وجنوب شرق اسيا ا عام 1831 وادت الى قتل الالاف وفي واحدة من هجمات الوباء والحمى الصفراء فإنها انتشرت في كل انحاء العالم حتى وصلت نيويورك، مما ادى الى انشاء الكرنتينات والتي اصبحت مراكز لابتزاز الحجاج واساءة معاملتهم. وعلى الرغم من كل هذا كان المسلمون في كل العصور يصرون على الحج وان في زمن الحروب والزلازل والاوبئة، فقصة الحج بعد كل هذا هي روح وجسد، ومال وعلاقات انسانية وهي عن الاقتصاد والاسواق حيث كانت تنتقل الخبرات والصناعات من الاسواق التي كانت تعقد في منى لفترة قصيرة.
لحظات انسانية
وفي الرحلات على الرغم من مشاقها، لحظات من الجمال كما يصفها ناصر خسرو، حيث يظهر ان مصر ليست كلها مسؤولي الجمارك، عندما انقذه التاجر المصري الذي لم يلقاه سوى مرة واعطاه رسالة الى زميله في عيذاب التي علق فيها اشهرا منتظرا تغير مسار الريح حيث كتب يقول ' على قرائي ان يعرفوا انهم يستطيعون الاعتماد على بعضهم البعض وان الكرم موجود في كل مكان وانه يوجد وسيظل رجال نبلاء' في هذه الدنيا (ترجمة من النص الانكليزي). الداخل الى المعرض يواجه بستار كبير للكعبة من عند الملك عبد العزيز، ولعل النسيج والمحمل السلطاني لعبد العزيز من القطع الجميلة حيث نسجت عليه الطغراء. وهناك نسخة نادرة من القرأن تعود للقرن الثامن الميلادي مكتوبة بالخط المائل. وهناك الصور واللوحات التي كان يرسهما الفنانون على اجازات الحج والتي كانت الكعبة في مركزها، وحتى مقامات الحريري احتوت على صور للحجيج، والتي يعرض منها قطع. ولعل من القطع الجميلة الحجارة التي كانت تحمل علامات الطريق والتي عثر عليها في الربذة والتي كانت من مراحل يتوقف بها حجاج العراق ودرب زبيدة، وهنا لا بد ان نذكر ان حجاج العراق كانوا من اكثر الحجاج رفاها وراحة بسبب الادوات التي يستخدمونها ويستعينون بها على حر الهجيرة، كان هذا في الزمن الجميل.. وفي قصة التاجر البغدادي علي خواجة الذي باع تجارته وعقاراته وسافر للحج في رحلة مغامرات.
ادلة وصور وفن حديث
ولعل من المعروضات الجميلة ادلة الحجاج وكتاب 'دلائل الخيرات' للجزولي الذي حظي برسوم جميلة وكذا ادلة الحجيج من الهند وحضارة المغول حيث كان الفنانون يرسمون للحجاج كي يعرفوا مناسك الحجم من مثل اللوحة التي تعود الى عام 1771. وكان الفنانون والهنود يذهبون لمكة كي يرسموا اجازات الحج للحجاج او من حجوا بالنيابة عن اشخاص لاثبات انهم اكملوا المناسك. ومن اللوحات الجميلة المؤثرة صورة من كتاب 'بهجة المنازل' (1790) وهناك الاسطرلابات بكل اشكالها، والبوصلات وكتب تحديد الجهات من مثل رسالة الدمياطي المصري، وهناك الاطالس والخرائط التي رسمها مسلمون واسبان. ومشاهد من مغادرة الحجيج التركي من بكتاشي قرب كوقابي حيث المتحف المعروف مأخوذة من 'كتاب البحرية' لبيري ريس. ولعل من الصور الجميلة تلك التي التقطها صادق بيه (1822 1903) الذي كان اول من قدم مشاهد للكعبة ومشاهد بانورامية لعرفات والحجيج عام1861 ثم عاد 1880 فقد كان رائدا في هذا المجال وصوره في جنبات المعرض الى جانب البوم ضخم. ثم تبعه الجنرال رفعت ابراهيم الذي علم نفسه التصوير. وللصور بالاسود والابيض جمالية خاصة، وهذا يقود للحديث عن دور الفن الحديث في استعادة التجربة وتمثلها ومن اللوحات والمجسمات التي حظيت باهتمام الزوار 'مغناطيس' للفنان السعودي احمد ماطر التي صور فيها الكعبة في مركز العالم وحولها مجالات من المغناطيس تجذب اليها كل الناس، وتبدو مثل امواج بحر، وهناك لوحة للحجر الاسود لرجاء عالم 'حجر من الجنة' وقادر عطية ' مكعب 2' واخرى للفنان ايمن يسري ديدبان 'كنا جميعا اخوة' استعاد فيها مشهدا من فيلم 'سبايك لي' عن مالكوم اكس، واخرى عن مداخل مكة ' الطريق لمكة' عبد الناصر والتي صور فيها اشارات المرور 'للمسلمين، لغير المسلمين وللمهامت الرسمية وادريس خان ' سبع مرات' صور فيها الكعبة ووليد ستي 'مكعب ابيض' وتقول فيتشيا بورتر المسؤولة عن تنظيم المعرض ان الفنانين عبروا عن تجربة الحج بأكثر من طريقة وبأكثر من وسيلة فنية، مشيرة الى اعمال خان وماطر وستي الفنان الكردي الذي استخدم الحجر الذي يعتبر الصديق الوحيد للاكراد كي يعبر عن تجربة الحج.
العودة
قبل العودة وفي الجزء الثاني من المعرض يتعرف الزوار على مناسك الحج من طواف وسعي ووقوف واضحية ومعها صور وادوات وزمزميات، واحرامات بعض الاباريق الزجاجية او الحديدية تعود للقرن الرابع عشر.
وفي نهاية الرحلة يرجع الحجاج حاملين معهم ذكرياتهم وهداياهم من المسابح والتمور والمجسمات والطواقي والتجربة الروحية ولقاء الاحبة الذين يلقونهم بالمدائح والرسوم على البيوت، ومن الصور الجميلة المشرقة تلك التي ترحب بالحجاج في اسوان. ومن المعروضات خوذة المجاهد السلطان تيبو تيب، سلطان ميسوري في جنوب واخذت من قصره بعد ان هزمه البريطانيون وفي داخلها عبارة مكتوبة بالفارسية تقول انها غطست في ماء زمزم.
تجربة الحج في معرض المتحف البريطاني مثيرة روحيا وعقليا، وما اثارني اكثر هو التاريخ الجميل بكل ما فيه وتجادلات السياسة والجغرافيا والمخيال الذي استعاد كل ملامح تجربة لا تحدث الا مرة في العمر لكل مسلم. يذكر ان المعرض مستمر حتى منتصف نيسان (ابريل).
التقارير المصورة
1- تقرير من قناة العربية
Dimofinf Player
http://www.youtube.com/watch?v=a1cpe0c7qCA
2- تقرير الاخبارية
Dimofinf Player
http://www.youtube.com/watch?v=X1CagY68pkQ
3- برنامج آفاق على قناة BBC
Dimofinf Player
http://www.youtube.com/watch?v=INyRYdoqTLQ&feature=related


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.