لا ريب أن بطالة من يحملون شهادات عليا مسألة خطيرة ينبغي أن تتكاتف كل الجهود للحيلولة دون استفحالها ، حتى لا نعود إلى نقطة الصفر ، ونجد أنفسنا أمام معضلة تستعصي على العلاج ، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد الكبيرة من المبتعثين الذين بدأ بعضهم يعودون للوطن ، والأمل يحدوهم في الحصول على وظائف لدن عودتهم كنا منذ سنوات نشكو من بطالة يعانيها بعض أبناء وبنات الوطن ، وكان يقال تبريراً لذلك لا توجد وظائف لحملة الثانوية أو المتوسطة ، فصدقنا وآمنا بأهمية المؤهل للظفر بوظيفة ، ثم فوجئنا بأن خريجي الجامعات لا يجدون وظائف ، وكان التبرير جاهزاً ؛ فمخرجات الجامعات لا تتناسب ومتطلبات سوق العمل ، وما إلى ذلك من المبررات التي يروجها القطاع الخاص ، بل تعدى ذلك إلى القطاع الحكومي حيث اكتشف مجلس الشورى منذ عامين لدن مناقشة التقرير السنوي لوزارة الخدمة المدنية، وجود 147 ألف وظيفة شاغرة! وما يقارب 69 ألف وظيفة يشغلها غير سعوديين في عدد من الجهات الحكومية! علاوة على أن وزارة الخدمة المدنية نفسها لديها شواغر تبلغ خمسة في المائة! وهذا الأمر ينطبق عليه قول الشاعر (إذا كان رب البيت بالدف ضارباً)، إذ كيف تُسائل وزارة الخدمة المدنية الأجهزة الأخرى مع وجود هذه الشواغر لديها؟ وهنا نتساءل هل ما زال الوافدون يشغلون ذلك العدد الكبير من وظائف الدولة ؟ وهل بطالة المواطنين تعني وزارة الخدمة المدنية ؟ كنت أظن وربما غيري أن حملة المؤهلات العليا لن يجدوا مشقة في الحصول على وظيفة ، ولهذا كنتُ أوصي طالباتي بعدم التوقف عن مواصلة الدراسة ، لأن الشهادة الجامعية وحدها لم تعد كافية ، وأستحثهن على التخصصات النادرة التي تتطلبها جامعاتنا ، مع الحرص على الالتحاق بالجامعات المعروفة والمتميزة . وعندها لن يجدن صعوبة في الحصول على وظيفة ، خصوصا في الجامعات التي بلغ عددها خمساً وعشرين جامعة . إلى أن قرأت تحقيقا صحفيا في جريدة الشرق بعنوان :حملة الماجستير.. عاطلون بسبب شهاداتهم في 2 / 1 / 2012 (استنكر فيه عدد كبير من حملة الماجستير مماطلة وزارة الخدمة المدنية في توظيفهم، ولم تشفع التخصصات النادرة، أو المعدلات المرتفعة لأصحابها أن تهيئ لهم فرصاً وظيفية ... كخريجة تكنولوجيا النانو التي تخرجت مطلع العام الحالي من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث على الرغم من أن تخصصها مطلوب في الجامعات المحلية والغربية ... ويعاني الخريجون والخريجات من الشروط التعجيزية، والمتمثلة في تحديد العمر، والخبرة ... كما تبرر أغلب حالات الرفض بعدم وجود شاغر وفي مقابل هذا تسهل الشروط أمام الأجانب..) ولم أكد أستفيق من عجبي حتى وجدت في موقع (أريبيان بزنس ) بتاريخ 10 أكتوبر 2011 - أي منذ ثلاثة أشهر ، خبراً ينص على أن وزارة التعليم العالي تدرس طلبات تقدمت بها عدة جامعات سعودية للموافقة على استقدام محاضرات من دول عربية بينها الأردن ومصر والسودان، لسد العجز الذي نتج عن التوسع في افتتاح الكليات ... وأن طلبات التأييد التي تلقتها الوزارة تضمنت تبريرات الاستقدام، ومن بينها وجود عجز في الكليات الجديدة التي افتتحتها الجامعات ببعض المحافظات، قابلها عدم وجود وظائف شاغرة يمكن تعيين السعوديات عليها ... مع وجود تخصصات نادرة لم تتقدم لها السعوديات لتوظيفهن عليها، مؤكدة أن الوزارة أمام خيار الموافقة على تأييد طلبات الاستقدام ولو جزئياً بهدف سد العجز... وإن استقطاب المعيدات السعوديات سيكون من خلال تحوير ما يلزم من الوظائف وتعيينهن عليها، وإن الموافقة على طلبات الاستقدام، سترتبط بتحديد سقف زمني لعقود المتعاقد معهن من غير السعوديات . وبتأمل ما جاء في الخبر ، فإنه لا يعقل أن تلك الجامعات لم تجد مواطنات مؤهلات بدرجة محاضر لشغل بعض الوظائف فيها ، فهل أعلنت تلك الجامعات في الصحف المحلية عن حاجتها ؟ ثم ما هي تلك التخصصات النادرة التي يمكن أن توجد لدى الأجنبيات ولا توجد لدى المواطنات ، لاسيما أن أعداداً من المبتعثات عدن من برنامج الابتعاث ؟ ولماذا تحصر السعوديات في الوظائف الشاغرة ؟ لمَ لا تحور الوظائف أو يكون التعيين بنظام التعاقد معهن حتى تتوفر وظائف يعينّ عليها ؟ وأيهما أولى أن توظف مواطنات خريجات جامعات معترف بها ؟ أم متعاقدات توجد كثير من علامات الاستفهام حول جامعاتهن وشهاداتهن ، وقد شهدنا عددا من حالات تزوير الشهادات من قبل متعاقدات في بعض جامعاتنا ! . أما تحديد سقف زمني لبقاء المتعاقد فأمر لن يُعمل به إطلاقا ؛ وذلك لأن المتعاقد عندما يشغل وظيفة في جامعاتنا فإنه يبقى فيها إلى ما شاء الله ، وهناك من أمضى ما يزيد على العشرين عاما وما يزال ، وأعني بهم أولئك الذين ليسوا على درجة من التميز العلمي يستدعي بقاءهم كل تلك السنين . لذا فإن ما تقوله وزارة التعليم العالي من تحديد سقف زمني لبقاء المتعاقد غير قابل للتطبيق.. إن آلية التعاقد مع أساتذة الجامعات لا معايير لها ، فكل من تقدم يُقبل ، فلا توجد أي شروط لا من حيث سنة التخرج أو تميز الأبحاث أو الجامعة أو الخبرة ، ولا مقابلات تكشف عن مستوى المتعاقد الحقيقي وعمقه المعرفي . كما نلحظ الإصرار على التعاقد من جامعات ودول فقدت الريادة التي كانت لها. وبعضها من جامعات الأرياف والجامعات الأهلية الضعيفة أكاديمياً . وبعضهم يُختارون من جامعات في دول عربية ، لا تسمح وزارة التعليم العالي بابتعاث طلابنا إليها ، فكيف يتعاقدون مع أساتذتها وخريجيها ؟ ولذا فلا نعجب حين نجد المتعاقدين في جامعات الأطراف هم من يتعاقدون فيأتون بكل أفراد الأسرة والأصدقاء بغض النظر عن تميزهم أو الحاجة إلى تخصصهم ، بل ربما جاء بعضهم ودرس موادا غير متخصص فيها . فهلّا وضعت وزارة التعليم العالي قائمة بالجامعات التي يسمح بالتعاقد مع خريجيها ممن زاولوا العمل الأكاديمي فيها ، وليس ممن تخرج ولم يزاول عملا أكاديميا ، كما ينبغي التدقيق في الشهادات حتى لا نفاجأ بأساتذة يحملون شهادات مزورة. فخلال السنوات الأخيرة اكتشف عدد من الشهادات المزورة في قطاعات مختلفة ، أكثرها في الجامعات والكليات النسائية . ينتابنا العجب من قائمة الشروط التي تُشهر في وجه المواطن ونتساءل من الذي يعرقل تعيين المواطنيين؟ وإلى متى يبقى التعاقد بلا شروط صارمة تحقق الغرض منه . يكفي أن تكتب في أي محرك بحث : وظائف شاغرة في الجامعات السعودية لتنهال عليك المواقع التي تعلن من خلالها كل جامعاتنا عن وظائف شاغرة لا تكاد تجد فيها شرطا واحدا يتعلق بالمهنية العالية أو التميز العلمي . ومن ذلك إعلان إحدى الجامعات : (تتوفر بجامعة .... عروض عمل للسنة الدراسية 2011- 2012 الكليات التالية .... وعلى الراغبين في تقديم طلبات العمل من الجنسين أن يكونوا مباشرين للعمل الجامعي, لهم خبرة في التدريس .... ولرؤية الوظائف اضغط هنا ...) ولا يوجد في الإعلان ما يشير إلى الشروط . وما دمنا نصرف أموالا طائلة على المتعاقدين فلماذا لا تتجه جامعاتنا لاسيما في التخصصات الإنسانية ، إلى دول المغرب العربي التي ما زال التعليم الجامعي فيها يتمتع بدرجة عالية من التميز والقدرة على المنافسة؟ لا ريب أن بطالة من يحملون شهادات عليا مسألة خطيرة ينبغي أن تتكاتف كل الجهود للحيلولة دون استفحالها ، حتى لا نعود إلى نقطة الصفر ، ونجد أنفسنا أمام معضلة تستعصي على العلاج ، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد الكبيرة من المبتعثين الذين بدأ بعضهم يعودون للوطن ، والأمل يحدوهم في الحصول على وظائف لدن عودتهم ، وعندها لن يكون هناك سبب يبرر عدم حصولهم على وظائف ، مع استمرار تجاهل المسؤولين في الجامعات والخدمة المدنية . وهنا أود الإشارة إلى الجهد الذي قام به الإعلامي المميز داود الشريان في برنامجه الإذاعي (الثانية مع داود) الذي خصص إحدى حلقاته للحديث عن بطالة أصحاب الشهادات العليا ، في 22 يناير 2012 مع الكاتبين فيصل العتيبي ، ونجيب الزامل الذي كتب مقالين عن مشكلة حملة الشهادات العليا ، ومنهم خريجة اسمها مشاعل قامت هي نفسها بحملة لتسجيل أسماء ذوي الشهادات العليا العاطلين . أما المقالان فهما (قائمةُ مشاعل ، والآخر: آه يا مشاعل) . وقد بلغت ردود القراء على أحدهما أكثر من 160 رداً - تحدثوا فيها عن تلك المعضلة التي لا تليق بوطن يفتح أبواب العمل لجميع الأجناس ، ويتقاعس بعض مسؤوليه عن توفير فرص عمل لأبنائه المؤهلين .. واستنكر ضيوف الحلقة عدم تعيين ما يقارب 3000 سعودي من الحاصلين على درجات علمية عالية من الداخل ودول الغرب ، في ظل وجود نحو 11 ألف أجنبي يقومون بالتدريس في الجامعات السعودية، وفي تخصصات يحملها سعوديون، بعضها تخصصات نادرة مثل النانو وتقنيات التعليم، وعلى الرغم من ذلك لم يحصلوا على وظيفة ، الأمر الذي يكبد الدولة خسائر مضاعفة ؛ إذ لا تستفيد من هذه الكوادر التي أُنفق عليها بلايين الريالات ، وفي المقابل تدفع ملايين الريالات أجورًا لأعضاء هيئات التدريس المستقدمين من الخارج ! وأجمع الضيوف على أن الحل يكمن في إيجاد جهة رقابة من خارج الجامعات تشرف على مسألة تعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية، وعدم ترك الأمر كلية لإدارات الجامعات) !