شكلت فترة ما بعد حرب الخليج الثانية 1990-1991 حالة فاصلة على المستوى السياسي والاقتصادي والإيديولوجي. تصدعت منظومة من المرجعيات الكبرى حيث تساقطت خلال ثمانينيات القرن العشرين. توَّج هذه الانهيارات غزو العراق للكويت (1990-1991)، وحملت هذه الفترة وما بعدها عنواناً عريضاً هو عصر الإرهاب (ذروة الجماعات الدينية المتطرفة) حيث بلغ أوجه ما بعد إغلاق قرن وتدشين آخر حين تجلى حدث تخييلي بامتياز. كأنما لعبة إلكترونية خرجت وتمثلت الواقع في أحداث سبتمبر 2001. حالة من الاضطراب الاجتماعي ضربت الهويات الجمعية، وارتبكت الاقتصادات، وتطرفت المواقف السياسية. كما أن الفنون والآداب بلغت حالة أخرى من إعادة النظر حيث استنفدت النماذج صورها وحالاتها. وبرغم أن العناصر الجديدة في أوانها مبشرة غير أن التطلع إلى البدائل بات ملحاً. انطلق صوت عايدة الأيوبي بدون صخب. تعايشت خلال هذه الفترة أجيال من المتفاوتين مستوى ومشروعاً حين تحققت انعطافة جديدة لكل من فيروز ووردة فيما تحقق نموذج ماجدة الرومي وسميرة سعيد ومحمد منير وسواهم فإنه كان يرسم الصورة الجديدة تلك الفترة جيل من الأصوات خرج من عباءة الفرق مثل محمد فؤاد وعمرو دياب وحنان ومنى عبد الغني فيما انطلق من عباءة حميد الشاعري الكثير مثل مصطفى قمر وإيهاب توفيق وفارس.. غير أن ثلاثة أصوات جديرة بالتوقف عندها وهي إيمان الطوخي وحنان ماضي وعايدة الأيوبي. عبرت هذه الأصوات الثلاثة عن اتجاه إنساني واجتماعي في أغانيهن، وأعطين صورة عن الغناء البديل، لم يكرسن صورة الحب في صورها الواقعية والرومانسية والحداثية بل دفعن بشكل فني بديل لم يرتبط لا بنصوصه ولا بأغانيه. فإذا تذكرنا أغنية "أنا وانت يا قمر" (1988) (سيد حجاب- عمار الشريعي) لإيمان الطوخي إحدى روائع الأغنيات التي أنجزها الشريعي خارج أسلوبه الشعبي والطربي، معتمداً المشهدية الدرامية في مادته اللحنية والأداء الحساس عند الطوخي، سواء مع فرقة الأصدقاء أو أعماله الشهيرة عن الطفل مع هدى سلطان وعفاف راضي أو أعماله المنفذة إلكترونياً مع لطيفة وعبد الله الرويشد أو رومانسياته مع وردة وميادة الحناوي. ولو اخترنا أي عمل لحنان ماضي لرأينا في أغنياتها فرادة في معالجة مواضيع الوحدة والتذكر والغربة والعلاقة مع الطبيعة مثل أغنية "غناك يا بحر" التي تعيد تعريف البحر وعلاقته بالحب عبر أنسنته. وأما الأيوبي فقد تمتعت بحالة صوتية ولحنية توحدت تحت عنوان البساطة، ولا يمكن حين ذكر اسمها إلا تذكر أغنيات كثيرة تمتعت بهذه الخاصية مثل "صدفة، على بالي، من زمان، حن عليا" وهي من بين ما غنته بين عامي 1991-1996. وسنرى ما الذي أنجزت كل واحدة وما الذي أعاد الأيوبي مجدداً.