قبل أيام كنت في زيارة لأسرة صديقة لي ، وكان لديها طفل في سن الخامسة ، كثير الصخب والحركة ، وصوته لا يكاد يختفي إلا ليبدأ من جديد ، ضحك وبكاء وشكوى وطلبات لا تنتهي ، لا حظت انه لا يريد أن يسكت حتى ولو اضطر لمقاومة تعبة ونومه ، أو حتى اضطر لترك اللعب ومشاهدة برنامجه التلفازي!!. المهم عنده أن لا يبقى خارج اهتمام أسرته ومحط أنظارهم ، ولذلك يتحدث طوال الوقت ، ويقاطع النجوى ، ويفتعل مالا ينبغي فعله ، عله أن يلفت لنفسه الانتباه ، ولو كان انتباها مزعجا أو تأنيبيا ... قد يكون هذا سلوكا قد اضطر هذا الطفل لتبنيه ، لواقع المجتمع الذي يعيش فيه ، أو لحال الأسرة التي تغدق عليه من الدلال فوق مايستطيع هو أن يتحمله ، بحجة انه طفل الأسرة الوحيد والبقية كبار ، ولا ننسى أيضا متطلبات هذا السن من نبوغ الشخصية وتمحورها ، كل هذا لا يلام عليه الطفل ، فما هو إلا ضحية دلال الأسرة والمجتمع !!!... عجبت كثيرا من كمية الدلال ، وتنفيذ الرغبات لهذا الطفل الذي يعرف جيدا كيف يحصل على مايريد وقت مايريد ، وإلا أطلق صفارة البكاء التي تقلب البيت رأسا على عقب فيتنافر الكل للسؤال ماذا تريد وكيف ننفذ طلباتك .. تزعم الأسرة ان هذا الطفل مسكين ، يعاني من وحدة اجتماعية لوجوده في بيت كل أفراده كبار ، وان ما يلقاه في المدرسة من اختلاط ولعب مع الصغار ليس بكاف ، فأوجدوا لأنفسهم تعليلا يساعدهم على التمادي في خطأ الدلال المفرط .. لقد رأيت الطفل يصدر أوامره بشكل حاد ، لا أدب فيه ولا حياء ، أوامر عاجلة لا مجال فيها للنقاش فعجبت ، وعجبت أكثر حين رأيت ان العائلة تنفذ طلبه على الفور دون نقاش أو تفاوض أو تأخير !!.. لقد أصبح الطفل بسبب هذه المعاملة سيدا لا يرد له طلب ، وسلطانا لا يعرف معنى للمستحيل ، أصبح هذا الطفل وهو يظن انه مطلق القدرة ، وان الزمان والمكان طوع بنانه ، فأي نتائج وخيمة لهذه التربية وهذا الإنتاج ..!! رأيته يأخذ ويتملك كل شيء يراه ، حتى ولو عرف انه ليس له ، لكنه أيضا يعرف حسب فكره الذي تربى عليه ان مجرد أخذ الشيء وحيازته ، هو ملك له ، بل ان فكره وتربيته توحي إليه دائما بأن مجرد ان تريد الشيء وترغبه هو كافٍ لاعتقادك بأنك صاحب حق له ، فلك ان تناله بكل حيلة تريدها فإن كان صغيرا فالبكاء وسيلته ، وعندما يكبر تكبر معه الحيلة والمكر السيىء ، فلماذا نفسد أبناءنا بالدلال المفرط بحجة التعويض أو بحجة أنه ذكي وفطين ويستاهل ، هذا ليس حبا يا إخوتي ، إنه جريمة في حق الطفل وجريمة في حق مجتمع سيتلظى غدا بنار هذا الطفل الجشع الذي لا يعرف الحدود ولا يحترم الملكيات ، وللحديث اثارة من بقية ، وعلى دروب الخير نلتقي ...