هوليود فضاءٌ فكري مفتوح يسمح لمبدعي السينما بعرض حكاياتهم بحرية تامة تحت مظلة قيم التسامح الأمريكية التي تكفل حرية التعبير للجميع وتحترم حق المبدع في تقديم رؤيته في الحياة مهما كانت صادمة أو شاذة، والمجتمع الأمريكي يفهم ذلك ويقدره، ويعتبر حرية المبدع قيمةً أساسية لا تنازل عنها، إلا أن هناك فريقاً دينياً متطرفاً يخالف هذا التوجه، ويرى في حرية هوليود، بل في حرية المجتمع الأمريكي كله، جنوحاً على الدين، وفساداً عارماً يهدد الأساس الذي قام عليه بناء الدولة، ولابد من مقاومته بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وإعادة المجتمع من جديد إلى كنف الكنيسة البروتستانتية. هذا الفريق الديني "المهووس" كان نجماً في عام 2011 في فيلم (الولاية الحمراء - Red State) للمخرج المثير للجدل كيفن سميث، تقابله طائفة أخرى "مهووسة" أيضاً لكن بفكرة شيوعية متحررة اتخذها مؤيدوها أسلوباً في الحياة يطبقونها في مزرعة نائية وذلك في فيلم Martha Marcy May Marlene. في فيلم (الولاية الحمراء) يقتحم المخرج كيفن سميث أسوار طائفة متدينة يقودها قسٍ متشدد يسعى لتطهير أمريكا مما يراه "دنساً" وفساداً ناتجاً عن الحرية المطلقة، إذ انتشر الشذوذ، وشاع الجنس، ولم يعد هناك احترام للمقدسات، لذا يفكر بطريقة بطل فيلم "سائق التاكسي"، فيقرر المبادرة هو وأتباعه لتصفية جنود الشيطان، وذلك عبر إغوائهم لارتكاب المعصية في مزرعة نائية، وهناك يجري القبض عليهم وتنفيذ حكم الإعدام فيهم، في طقس دموي مرعب، تظلله الترانيم المقدسة. ومن يعرف تاريخ المخرج كيفن سميث جيداً، بأفلامه التي سخرت من الرموز المقدسة مثل فيلمه الشهير "دوغما"، سيدرك ما الذي يريده من صنعه لهذه الصورة العنيفة لرجال الدين المهووسين؛ إنه ببساطة يحذر منهم ومن فكرهم المتشدد المبني على الشك وعلى إقصاء الآخر، ويقدم رسالته بشكل مباشر خالٍ من أي فذلكة فنية بصرية وذلك لأن خطر هؤلاء بات كبيراً ومقاومته أصبحت واجبة ولا تحتمل التورية. على العكس يأتي فيلم Martha Marcy May Marlene ليقدم طائفة مهووسة لكن بتوجه مختلف، غامض، بطلته فتاة تتمنى الهرب من الهيمنة الروحية والفكرية التي يفرضها عليها زعيم الطائفة، لكنها تعجز عن ذلك، فيرافقها خيال الزعيم وأفكاره أينما رحلت، في معاناة نفسية تكشف عن القوة الروحية التي يُحّكِمُ بها الزعيم، أي زعيم، سيطرته على أتباعه فلا يستطيعون الهرب منه فكرياً حتى لو تمنكوا من الهرب جسدياً. والطائفة التي يقدمها الفيلم تنزع نحو المشاعية في كل شيء، وتعيش حياة بدائية في مزرعة نائية، حيث الغذاء والكساء تؤمنه الطبيعة، ومن دون القيود التي تحكم البشر في المجتمعات التي تسمّى متحضرة. هذه النظرة الحالمة للطائفة التي يصورها الفيلم سرعان ما تتبدد حين نتأمل حال الشخصية الرئيسية، الفتاة، التي هربت من المزرعة بحثاً عن حياة أفضل في المدينة، بعد أن اكتشفت "الهوس" الذي يحكم طائفتها وتلذذ زملائها بالفوضى إلى الحد الذي يصل بهم إلى القتل. كانت تعتقد أن اختفاءها كافٍ لتبدأ حياة جديدة، ولا تدري أن معاناتها ستبدأ من الآن، وذلك لأن "الزعيم" الذي قدمه الفيلم في قالب ساحر جذاب، بصوته الوقور، وفلسفته العميقة، وكاريزماه الفائقة، سيطاردها في كل مكان، وسيؤثر عليها تأثيراً ساحقاً، رغم أنها في وعيها ترفضه بشدة وتريد الخلاص منه ومن أفكاره.