بعد أن آمنت أن القانون لن يحقق لها العدالة المنشودة، حملت سلاحها وانطلقت في الشوارع والأزقة تبحث عن القتلة تريد تصفيتهم لإرواء مشاعر الحقد التي سيطرت عليها منذ أن رأت قاتل حبيبها حراً طليقاً يعيش حياته كما لو كان قد قتل حشرة وليس إنساناً. إنها ثورة الغضب العارم ضد الفساد وعجز القوانين، بطلتها مذيعة ناجحة كانت غارقة في جنة من الحب ظنت أنها ستكون أبدية، إلا أن مقتل حبيبها الوسيم أمامها في أحد منتزهات نيويورك، وإفلات المجرم من العقاب، قلب حياتها رأساً على عقب، وأصابها بالجنون، فخرجت من جنتها تهدد بجحيم أبدي لكل مجرمي نيويورك ومفسديها. وهكذا نرى النجمة (جودي فوستر) وهي تؤدي واحداً من أكثر أدوارها شراً ورعباً في فيلم (The Brave One) الذي حقق نجاحات متوسطة في شباك التذاكر عام 2007م. الفيلم يتناول فكرة الثأر بعمومها، وبروح سوداوية، تؤدي فيه (جودي فوستر) دور المذيعة (إيريكا بين) صاحبة الحضور المميز في إحدى الإذاعات الكبيرة والتي تقدم بشكل يومي تقريراً عن الحياة في نيويورك تغلفه بنظرتها الوردية الحالمة، هذه النظرة التي ستتغير بعد موقف عصيب عاشته في أحد المنتزهات عندما واجهت عصابة من المجرمين ألحقوا بها الأذى -هكذا عبثاً- بلا سبب، لتقسم بعد ذلك على الثأر، وقد ازدادت رغبتها إلحاحاً بعد أن وجدت أن بيروقراطية النظام الأمني لن تجلب لها حقها ولن تطفئ شهوة الانتقام التي سيطرت عليها. والجرائم التي سترتكبها لاحقاً كأنما جاءت لتدين هذا النظام وتقاعس أفراده عن أداء واجبهم وحماية المواطنين، فمادام الأمن مفقوداً والمجرم لا يجد من يحاسبه فلا مناص إذن من حمل السلاح والدفاع عن النفس، لا بل ومطاردة المجرمين. وليست (جودي) الوحيدة التي آمنت بهذا الحل الجذري الذي يعطي الحق للفرد بالقيام بما عجزت عنه السلطات، بل سبقها إلى ذلك النجم (روبرت دي نيرو) في العام 1976عندما جسد شخصية (ترافيس بيكل) المهووس في الفيلم العظيم (سائق التاكسي-Taxi Driver) والذي وجد أن الحضارة الأمريكية في طريقها إلى الهاوية بسبب تقاعس النظام عن صيانة أخلاق المجتمع لذلك انتدب نفسه لهذه المهمة المقدسة وخرج إلى الشوارع مدفوعاً بهاجس واحد هو تصفية رموز الفساد السياسي والأخلاقي. ومع أن فيلم (The Brave One) يعزف على ذات الأفكار إلا أنه أكثر بساطة وسطحية حيث اكتفى بتصوير الدافع الذي قاد المذيعة (إيريكا) لاتخاذ قرار الثورة وبعد ذلك لا يفعل سوى الانشغال بلعبة الأكشن والحركة وبشكل يفتقر للمنطق في بعض الأحيان. بساطة الفيلم تبدو بوضوح عند نقطة تحول (إيريكا) من امرأة وديعة لطيفة إلى قاتلة متمرسة، فقد تمت عملية التحول بكل سهولة وكأن المذيعة تملك في جيبها جهازاً آلياً يحولها إلى شريرة متى أرادت ذلك بضغطة زر واحدة. نفس الأمر تكرر في فيلم جديد آخر أنتج في نفس السنة 2007ويقدم نفس الفكرة هو فيلم (حكم بالإعدام - Death Sentence) من بطولة الممثل (كيفن بيكون) الذي يؤدي فيه دور ربّ عائلة ناجح في حياته الأسرية والمهنية يشاهد ابنه الأكبر وهو يُقتل أمامه من قبل مجرمين صغار السن، وبعد أن أقسم على الانتقام نراه وهو يتحول بقدرة قادر من رجل لطيف مسالم إلى مجرم شديد البأس. وعندما تتم تحولات نفسية صعبة كهذه بمنتهى السرعة والسهولة فذلك يعبر عن هشاشة في المعالجة وميل إلى النَفَس التجاري الذي يُغلّب مبدأ الإثارة على مبدأ الإقناع. لكن إذا تجاوزنا مسألة المنطق سنجد أن فيلم (The Brave One) مقبول وممتع يمتاز بالأداء الجيد من (جودي فوستر) والممثل الأسمر (تيرنيس هاورد) الذي جسد شخصية المحقق المتعاطف مع المذيعة والذي يوفر لها الغطاء والمساعدة في بعض المواقف. مخرج الفيلم هو الأيرلندي (نيل جوردان) الذي أخرج الأفلام المعروفة (مايكل كولينز)، (لقاء مع مصاص الدماء) و(نحن لسنا ملائكة) ولعل ذكر هذه الأفلام يعطي تفسيراً للبساطة التي ظهر بها فيلمه الأخير حيث تفتقر أفلامه للعمق رغم تعلقه بالأفكار الكبيرة كما فعل في The Brave One حين ذهب لفكرة الثورة وما يدور في فلكها من تصوير لمشاعر الغضب والرغبة في الانتقام واليأس وخيبة أمل الفرد من القانون المتهالك الذي وفر غطاء للمجرمين أن يمارسوا نشاطاتهم الفاسدة بكل حرية وبمنأى عن أي عقاب.