صدرت ميزانية هذا العام وما قبله بأرقام تاريخية فاقت توقعات المواطن أو حتى المراقب ورُصِدت مبالغ طائلة لكل شيء: التعليم والتدريب والصحة والصناعة والتوظيف والإسكان والبلديات والزراعة والطرق والمواصلات وصناديق التسليف والضمان الاجتماعي، وكل مجال فيه تأمين الحياة الكريمة لأبناء الوطن. ولكن مع تزاحم الأرقام الهائلة بدا لبعض الناس أن هذا مال (مشاع) متاح لأي فرد في المجتمع دون وجه حق أو مجهود لاستحقاق نصيبه من خيرات هذا الوطن، ورأينا كيف كان التزوير للحصول على إعانة الدولة للمستحقين وصلت حد إحياء الأموات. كل ما ورد في أبواب الميزانيات يدل على أن الدولة سخرت كل الموارد لخدمة المواطن وكل ذلك من واجب الدولة ومن حق المواطن، وهنا يبرز سؤال مهم: من هو المواطن الذي يستحق ويستفيد من خيرات الوطن؟. بطاقة الأحوال المدنية لا تعني الدخول المجاني لاستنزاف موارد الدولة كما أنها ليست مؤهلاً وظيفياً، هي عقد لاثبات الحقوق والالتزام بأهلية الاستحقاق، ولكل مواطن حق الاستفادة القصوى من خير الوطن فقط إذا التزم بحدود الأهلية وموجباتها وإلا كان ذلك سلباً لحقوق الآخرين. الوطن مستقبل أجيال وتعليم وتدريب وصحة، صناعة واقتصاد وزراعة، طرق وسدود، وإعمار جيش وأمن العاطلين عن العمل (المؤهلين) والأرامل والأيتام والمعوقين لهم الأولوية في صناديق الإعانة ولكن ماذا عن من يجتهد في البحث عن ثغرة لعسف النظام وسلب حق مواطن آخر وليس العمل من أجل الكسب مع تدنٍ لثقافة المواطنة والتغاضي عن مبادىء النخوة والتعفف والإيثار، ساعد في ذلك تمدد أفراد في وسائل الإعلام تنقصهم وبوضوح المهنية الإعلامية الوطنية المحترفة. المال هو مال دولة كل الناس، ومن حق المواطن أن يقول أنا أولاً ولكن ليس من حقه أن يقول أنا فقط. نعم نريد أحسن التعليم لأبنائنا، نريد أرقى المستشفيات والطرق نريد نهضة صناعية تجارية تتفوق على غيرها، نعم نريد الأمن الوظيفي والغذائي ونريد نهضة ثقافية متجددة، وقبل كل ذلك نريد الأمن الملتزم بحق المواطن وكل هذا لن يتحقق إلا بزيادة جرعات ثقافة المواطنة على أساس الكل وليس الأنا لا يجب تخدير المجتمع بأننا بخير (ونحن ولله الحمد كذلك) ونقف، ولكن تحفيز المجتمع للعمل من أجل خير الفرد والمجتمع. كل ما نراه الآن من عدم الالتزام بالعقد المدني هو نتاج استمرار ثقافة المساييل والمناخ والمعاريض والشرهات، مما أدى إلى ضعف الدعم الواجب لمؤسسات التكافل الاجتماعي ذات الصبغة المؤسسية العلمية "الكاش مُسكِّن .. والتنمية دواء" وقد علّمنا التاريخ أن المجتمع أهم من الجماعة ودمتم.