هناك مثل أجنبي يقول (لايوجد غداء مجاني) وهناك بيت شعر للأمير خالد الفيصل يقول: إلى صفا لك زمانك عل يا ظامي اشرب قبل لا يحوس الطين صافيها ! تذكرتُ هذا المثل وبيت الشعر وأنا أرى تهافت زعماء العالم على السعودية للحصول على ضمانات بتأمين نصيب لهم من إمدادات الطاقة خصوصا في ظل التوتر الحاصل حاليا في المنطقة وفي ظل العقوبات المنتظرة ! فالنفط مثل شريان الحياة لاقتصاديات بلدانهم ! السعودية تثبت مرة أخرى مدى عقلانيتها وأنها اللاعب الأساسي للحفاظ على الاقتصاد العالمي ! لكن يجب أن لا ننسى أن لكل شيء ثمناً في عالم السياسة ولايوجد غداء مجاني.. يجب على دول العالم أن تقابل هذا الفعل السعودي بما يستحقه! ويجب أن لا يؤخذ الموضوع على انه فعل تطوعي فالسعودية تحافظ على مصالح الجميع فيجب النظر لمصالحها أيضا ! إنه الوقت المناسب لكي تطلب السعودية من الدول نقل التكنولوجيا والصناعات إليها وإنشاء مشاريع عملاقة لتوطين الصناعات المهمة والكبرى التي تفتح المجال أمام زيادة فرص العمل للمواطنين وتغيير خريطة الاقتصاد من اقتصاد بترولي بحت إلى اقتصاد صناعي تجاري معرفي ! قلتها سابقا وسأعيدها التحول إلى اقتصاد صناعي معرفي يحتاج إلى مشاركة خارجية ذات خبرة حتى تختصر السنوات الكثيرة من تراكم المعرفة، وتستفيد من الخبرات السابقة التي بنيت مع الوقت للشركات الكبرى ! في مقال سابق قلت إنني سمعتُ من كبار المسؤولين اليابانيين حرصهم على مشاركة السعودية في مجالات عدة مثل القطارات والصناعات الثقيلة !وقال البعض ربما كانوا يجاملونك بسبب الصداقة التي تجمعكم لكن الموضوع اتضح في تصريح وزير الخارجية الياباني الذي نقلته جريدة الرياض عندما زار السعودية قبل أيام حيث قال (نأمل أن لا تنحصر علاقتنا بالمملكة في النفط وبيع السيارات والمأمول أن تتوسع إلى كثير من المجالات ومنها مشاريع البنى التحتية والطاقة والمياه والسكك الحديدية). وبذلك شهد شاهد من أهلها ! . إذن لا تبعني السمكة فقط ولكن علّمني كيف اصطاد ! لقد مللنا من أن نكون شعبا مستهلكا فقط . ولنا في قصة اليابان والصين قبل سنوات عبرة! وهي أن اليابان لما باعت قطارات الطلقة للصين لأول مرة (صنعت الدفعة الأولى من القطارات في اليابان والباقي تم تجميعه ومن ثم تصنيعه في الصين ومع الوقت تطورت الصين في القطارات إلا أن أصبحت الان ليست مصنعة فقط بل مصدرة للقطارات السريعة في سنوات معدودة!) كل هذا حدث لأن الصين لم تشتر فقط بل أيضا طلبت حق نقل التكنولوجيا والتصنيع واليابانيون معروفون بكرمهم في نقل التقنية . ما ينطبق على اليابان ينطبق على بقية الدول من الصين والغرب وأمريكا! يجب أن نطالب بنقل تقنية المصانع الكبرى في كل هذه البلدان لوطننا نحن ساعدناهم في تأمين مصادر الطاقة والحفاظ على سعر معتدل لها وهم في المقابل يجب أن يساعدونا في تنويع مصادر دخلنا . إن الاستثمار الأجنبي في شكله الحالي للأسف لم يُحضر ما كنا نتمناه من خبرات وتكنولوجيا بل أحضر لنا استثمارات تستنزف مواردنا وأسعار طاقتنا الرخيصة لدرجة أن بعض الصحفيين بدأوا يطلقون عليه استثمار الفلافل من كثرة المطاعم التي افتتحت كاستثمار أجنبي! وإذا استثنينا الاستثمارات المشتركة لسابك وأرامكوا فالبقية لايمكن أن نطلق عليها لقب استثمار مفيد للبلد. هناك مجالات استثمار عديدة يحتاجها البلد وبصورة مستعجلة ولكن كمثال واحد فقط النقل العام فالمدن الثلاث أصبح الازدحام فيها لا يطاق ! لمَ لا نجلب صناعة المترو مثلا ونوطنها؟ لأننا سنحتاجها بشدة مستقبلا وليس لأحد عذر في التمويل بعد تبني المملكة سياسة الصكوك لتمويل المشاريع! وبهذه المناسبة أشكر معالي الدكتور العساف لأنني كتبت مقالة قبل فترة بعنوان (اعقلها وتوكل يا معالي الوزير) أطلب منه تفعيل الصكوك بشكل أكبر بعد تصريحه بأن المملكة تفكر بتمويل المشاريع عن طريق الصكوك !وها نحن اليوم نشهد طرح صكوك لتمويل مطار الملك عبدالعزيز بجدة ! ويجب أن يقال للمحسن أحسنت فقد بر بوعده . إذن التمويل لم يعد عائقا لمن يريد العمل خصوصا أن المالية ضمنت الصكوك فأصبحت صكوكاً آمنة يتنافس المستثمرون للحصول عليها ! كم نتمنى أن نرى مشاريع المترو في الرياضوجدة والدمام وأيضا القطارات السريعة تربط كل مدن المملكة وكلها تدار بأيد سعودية بعد نقل تقنيتها ولا نريد الصيانة فقط بل تجميعاً وتصنيعاً فالتمويل أصبح موجوداً والدول تتسابق لتعميق العلاقات معنا وتعرض أفضل ما عندها إذن لم يبقَ إلا القرار والتنفيذ!