إليكم الحكاية كما قالتها.. كان الحوار فضفضة عن أمور متشابهة نمر بها، بعضها يثير الإحباط إلى درجة قد تهزك أو تفقدك الثقة في كل شيء حولك بما فيها نفسك التي تعرفها جيدا، حين تحدثت عن مشاهدات واضحة في مكان عملها وعن تجاوزات وتصرفات البعض من الذين يعتقدون أن مكان العمل هو حديقتهم المنزلية الخاصة، كانت تنتفض غاضبة لممارسات خاطئة وتسويفات ومعاملة سيئة، تحدثني عن الاستقالة والانتقال لمكان آخر، وأنا أتحول في هذه اللحظات وهذه المواقف لمجرد مستمع لأنني أعرف أن حيلة العاجز والضعيف مثلي هي أن ينصت ويصمت، فلا أحد يملك مواجة تيار موجه عال وهمسه صراخا.. ومن خبرتي بهؤلاء فإنهم وأمثالهم يتصرفون بثقة العارف أنه يستطيع أن يخرج من أي موقف منتصرا والخروج من أي مشكلة أو شكوى ضده، وقد تحولت بقدرة قادر ضد المشتكي أو المتظلم لأنهم من الذكاء بحيث يستطيعون استغلال أي ثغرة في قوانين العمل لصالحهم، هذه وجهة نظري من خلال تجاربي المحدودة والتي لا أستطيع تعمميها، لكنني وصلت لمرحلة أستطيع فيها أن أستمع لمثل هذه الفتاة الغاضبة المتأثرة والمستاءة بدون أن أتفاجأ ولا أغضب وأحاول أن أجد الحلول بعيدا عن العنتريات المبالغ فيها، فنحن لسنا في زمن البطولات الخيالية بل إننا في زمن المبادئ المطاطية التي تتغير مع تغير موضات الأزياء وأنواع السيارات وأغاني الفيديو كليب ونجوم ستار أكاديمي. كلامي محبط ربما، فيه كثير من التشاؤم ربما، لكنني لست محبطة إلى حد الاكتئاب ولست متشائمة إلى حد السودواية، فأنا أحاول أن أتصرف بواقعية أو هكذا أظن فقد علمتني الحياة والتجارب بأنك أحيانا تحتاج إلى أن تنطوي في دائرتك الصغيرة وتنشغل بها وتسعد بما فيها، ففي مكان العمل مثلا لا تشغل نفسك بمن جاء ومن حضر ومن حصل على انتداب، ومن ترقى لأنه ابن خالة زوجة مدير مكتب المدير، بل انشغل بنفسك، لا تحول مكان العمل إلى جحيم محبط فأنت تقضي فيه جل يومك، وفي حياتك الاجتماعية أو العملية لا تتبنّ مشاكل الآخرين ومعاركهم وحروبهم. لا يعني هذا أن تكون سلبيا، فأنت تستطيع أن تتفاعل معهم التفاعل الإنساني المطلوب لكن لا تأخذ ذلك التفاعل إلى حد التطرف في تصرفاتك، فهذا حتما سيؤثر عليك وسيؤثر على مزاجك وعلى حياتك حين تقحم نفسك في شؤون الآخرين. هل هذه سلبية؟ ربما ترونها كذلك، هل هي أنانية؟ ومن منا ليس فيه بذرة من الأنانية. لكنني أمام حلين: إما أن أنشغل بالتشكي والغضب السلبي، أو أدير ظهري لكل ما يزعجني وأحاول أن أنشغل بنفسي وما يهمني فيها. انتهى كلامها..! وأنا بعد أن نقلت الكلام سألتزم الصمت؛ لكنني مازلت أفكر فيما قالته ومازلت أتساءل: هل أتفق مع كل ما قالته أو بعض منه؟ هل آراؤها يمكن تطبيقها دائما وفي جميع الحالات والمواقف؟ هل كلامها فيه حكمة العارف الذي عركته التجربة أم أنانية وانسحابية العاجز؟ ما رأيكم؟