سادت "أبو سعد" نظرات التعجب والذهول أثناء انتظار دوره في حلاق الحي بعد أن رأي بأم عينيه شاباً في مقتبل العمر يكسي شعره الأسود بياضاً؛ في الوقت الذي يحاول إخفاء الشيب الذي غزا رأسه؛ ليوقف الشاب ويسأله عما دفعه إلى ذلك فيجيبه أنها الموضة الجديدة. د.الفوزان: الشخصية المقلدة غير مستقلة ومستسلمة سلباً للآخرين وأخذ "أبو سعد" يمرر أصابع يده على شعره مفرقاً بين الأبيض منه والأسود، وكأنه يعيد لوم الأديب "مصطفى لطفي المنفلوطي" للشيب في رأسه:"أيتها الشعرة البيضاء قد أبغضتُ من أجلك بياض القمر ذاته، فمن أيّ نافذة خلصتِ إلى رأسي؟، وكيف طاب لكِ المقام في أرض تخلو من أنيس يسامرك؟، لا ينفعني معك أن أنزعكِ من مكانك؛ لأنك عائدة إليه لا محالة، أنتِ أثقل الخلائق ظلاً، ولا أرى لكِ شبيهاً فيها سوى تلك الحيّة التي تلج كلّ حجر فتحسبه بيتها". شعر "أبو سعد" الذي تسبب نقص خلايا ال"ميلانين" في تحوله إلى اللون الأبيض كان زائراً ثقيلاً على الأولين، إذ يُعَد من علامات تقدم السن وتولي فترة الشباب، بات صرعة الآن؛ حيث يتسابق الشباب في صبغ شعورهم مواكبةًَ لخطوط الموضة التي باتت هَمّ الجميع، أو تقليداً للمشاهير، أو للإيحاء بأنهم أكبر مِمَا هُم عليه، وكأن لسان حالهم يردد: ما شاب رأسي من توالي الدهر عني ولكن شيّبتني الوقائع "موضة" وليست تقليد ويرى "رامي هاني" أنّ صبغه لشعره باللون الأبيض -وإن كان مواكبة الموضة- إلاّ أنه من المستحيل أن يكون من قبيل التقليد!، مشيراً إلى أنه لو كانت الموضة تقليداً لكان الجميع مقلدون؛ لأنهم يتابعون الجديد في كل الأمور، يعني "وقفت على صبغة شعري"، ووافقه "سالم خالد" الذي قال: "إن مجتمعنا يخاف من كل شيء جديد ويستهجنه، وصبغة الشعر باللون الأبيض لا تخالف شرع الله". شايب عايب وقالت "هيا البدر": "الشيب ظهوره بشكله الطبيعي أفضل من صبغه، وفي أحيانٍ كثيرة يكون مشوه لشكل الشخص، وقد يظن البعض أنه كبير في السن، وإذا تصرف بتصرف يتناسب مع عمره فإنه يتعرض لانتقاد حاد، وينظر له على أنه (شايب عايب!)، كما أن صبغة الشعر مثل التمويه والتدليس، صحيح إن بعض الشباب يظهر الشيب عليهم مبكراً، وهو وقار وليس الصبغة والتقليد، وأنا أعارض هذا النوع من الموضة وبقوه، ويا ليت شبابنا يتتبعون الأشياء التي تثري فكرهم، وتساعدهم على التطوير والتغير والتقدم، المظاهر زائلة والأفضل البحث عما يبقى أثراً محموداً للشخص ذاته". أ.د.عبدالله الفوزان تقليد سلبي فيما بيّن "لؤي نافع" أن التقليعات الغريبة والتي ظهرت على السطح مؤخراً بين أوساط الشباب؛ تتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع، وتعارض قوانينه "كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس"، معتبراً ما يقوم به هؤلاء الشباب هو تقليدٌ سلبي لثقافة دخيلة، متسائلاً: " ما الحاجة التي تدعو شاباً في مقتبل العمر لصبغ شعره باللون الأبيض؟"، مضيفاً أنه ينبغي على الأسرة أن تراقب أبناءها وتبحث عن أسباب تغير سلوكهم ومعالجته، كما أن المدرسة عليها دور كذلك؛ من خلال حملات التوعية لتصحيح السلوكيات الخاطئة، واحتضان الشباب بتنظيم التجمعات، وكل ما يمكن أن يملأ الفراغ لديهم، والذي سبباً رئيساً في تفشي هذه الظواهر. "كول" وعاقل وأشارات "آلاء عبدالقادر" إلى أن الشاب الذي يصبغ شعره باللون الأبيض، يحاول أن يغطي أمراً ناقصاً في داخله، راغباً في إخفاء شخصية المراهق اللاواعي "ومسوي يعنني كول عاقل!"، وهو بتصرفه هذا يفضح جانباً من مراهقته في تقليده لأشخاص ظناً منه أن سيكون بوسامتهم وجاذبيتهم، مضيفةً أن الشيب الطبيعي كان قديما ينفر النساء من الرجال حتى قال أحدهم بعد أن تغزل بإحداهن: عيّرتني بالشيب وهو وقار يا ليتها عيّرت بما هو عار عوامل وراثية وأوضح مختصون أن هناك أسباباً رئيسة قد تساهم إلى حدّ ما في ظهورالشيب المبكر، وأبرزها "العامل الوراثيّ، والعامل النفسيّ، والهزال والضعف البدنيّ العام، ونوعيّة فرو الرأس، واختلال إفرازات الغدّة الدرقيّة، وسوء التغذية الحاد المفتقر إلى حامض "الفوليك" والفيتامينات، وأن العوامل النفسيّة والعصبيّة قد تلعب دوراً أحياناً في ظهور بعض الشعيرات البيضاء، لكنها ذات تأثير محدود كذلك التعرّض للصدمات العصبيّة الحادّة أو الخوف الشديد، بالإضافة إلى الإصابة ب"الثعلبة" و"البهاق"، وقد يكون الشيب نتيجة شهوة أو وحام؛ حيث يولد الطفل وفي فرو رأسه خصلة غير ملوّنة- بيضاء-، وذلك لأن الخلايا غير موجودة فيها أصلاً لتصنيع اللون. أصباغ سامّة وقد ثُبّت أنّ شيخوخة الخلايا الملوّنة التي تسبّب الشيب ليست مرتبطة بشيخوخة الجسم، بل هي نتيجة توقّف خليّة معيّنة في خلايا الجسم عن أداء وظيفتها، كما ثبت أضرار الأصباغ الكيميائية على صحة الإنسان، وتكمن خطورتها في أنها تستخدم باستمرار ولفترات طويلة، حيث يحصل تراكم للمواد السامة في الجسم، ويزيد معدل التركيز للمواد الكيميائية داخل جسم الإنسان المستخدم لهذه الأصباغ، وخاصةً أن هذه الأصباغ تحوي العديد من المركبات والتي لها تأثير سيئ، ورائحة قويّة تزيد معاناة من عنده مشاكل في الجهاز التنفسي، وحتى إن أضيف لهذه الأصباغ مادة الأنالين- سائل زيتي، عديم اللون، وقابل قليلاً للذوبان في الماء، وله رائحة قوية طيبة، لكنه سام للغاية- لتكون الصبغة عبارة عن مجموعة من المواد الكيميائية الآمنة وغيرالآمنة، والتي قد يكون لها تأثير متسارع في ضرر الشعر، ويفقد المستخدم لها شعره أو تحدث له تقرحات جلدية وحساسية وإحمرار، وأحياناً يضاف إلى أصباغ الشعرالمعادن مثل الرصاص؛ لتثبيت الصبغة وتطويل مفعولها، ومادة الرصاص سامة، واستخدام الأصباغ التي تحتوي على الرصاص لفترات طويلة يؤدي إلى هشاشة العظام؛ لأن الرصاص يحل محل الكالسيوم في العظام، فتحصل الهشاشة وارتفاع في ضغط الدم، وأمراض أخرى عديدة نتيجة للتسمم به. سطيحة إهتمام وقال "أ.د.عبدالله الفوزان"- أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-:"من الأمور المرتبطة بمرحلة المراهقة؛ البحث عن تحقيق الذات والنموذج القدوة، وعادة ما يبحث المراهق أو المراهقة عن ذاته ويتوحد عاطفيا مع المشاهير، ويتقمص شخصياتهم وتصرفاتهم وتقليدهم في مظاهرهم وملابسهم وطريقة حياتهم، وبذلك يتحول الأمر إلى موضة، كما ترتبط مرحلة المراهقة بالرغبة في الاستقلالية عن سلطة الكبار والانتماء إلى عالم البالغين بتقليد سلوكيات الكبار وتصرفاتهم". وأضاف الشيب في العادة يعبّر عن كبر الإنسان ووصوله إلى مرحلة عمرية متقدمة، وبداية الضعف والوهن لقدرات الإنسان الجسمانية -عدا في بعض الحالات الشاذة- التي يشيب شعرها في عمر مبكر، وكعادة الموضة ينساق بعض المراهقين خلف نماذج معينة فيقلدونها في تقليعاتها، من باب التوحد معها، وإثبات البلوغ والوصول إلى عالم الرجل بصبغ شعورهم باللون الأبيض، وتقليد المراهق والمراهقة للنماذج المشهورة يدل على عدم استقلالية الشخصية، ويعكس التبعية وضعف الشخصية واستسلامها السلبي للآخرين، كما أنه يقضي على الإبداع والتميز والابتكار لدى المراهقين؛ لأنهم يصبحون عبارة عن نماذج مستنسخة من بعضهم البعض، والتقليد للآخرين من قبل المراهقين مؤشر على إفلاس المقلد وسطحية اهتماماته، أما المراهق المعتز بذاته والمؤمن بقدراته فيسمو باهتماماته ويحقق ذاته، عبر الإلتزام السلوكي والإبداع العلمي والتميز في ابتكاراته وأعماله بشكل مستقل عن الآخرين.