تعد «اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات» لجنة مستقلة بذاتها، مهمتها القيام بكل ما من شأنه مواجهة ظاهرة المخدرات، وذلك من خلال رسم السياسات ومراجعة الأنظمة، والمتابعة والتنسيق مع الجهات المحلية والدولية ذات الصلة، ودعم وتفعيل سبل الوقاية والعلاج من آفة المخدرات، وغيرها من المهام والأهداف والقيم النبيلة. ولأهمية الدور الوطني الذي تضطلع به هذه اللجنة، اقترحت «الرياض» أن تتحول هذه اللجنة إلى هيئة حكومية عُليا تكون مسؤوليتها الأولى مواجهة المخدرات بكافة الطرق الممكنة، وعبر طاقم عمل إداري وفني متكامل متفرغ تماماً لهذه المهمة الوطنية، ويتاح للراغبين في التطوع من أبناء المجتمع لمكافحة المخدرات، ووقاية الشباب من الوقوع في شراكها عبر التوعية المجتمعية باستخدام الأساليب الاتصالية والترويجية الحديثة، وتفعيلاً لتكاتف المجتمع أفراداً ومؤسسات في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، كما أن تحويل «اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات» إلى هيئة وطنية ذات هيكلية إدارية تشمل كل جهات الوطن؛ سيسهم في تسريع كثير من المبادرات والمشروعات الوطنية المتعلقة بمكافحة سموم المخدرات وتجسيدها واقعاً ملموساً يستفيد منه كل أبناء هذا الوطن بلا استثناء. هجمة شرسة المؤيدون: تزيل التداخل في الأدوار وتحد من الرؤى والاجتهادات الفردية وتنسّق الجهود المجتمعية في البداية، قال «د.نواف الفُغُم» -عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى- إن فكرة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة المخدرات فكرة نبيلة، ومن حق المواطن المطالبة بتلك الهيئات والجمعيات التي تحميه»، مطالباً بإخراج هذه المؤسسة المقترح إنشاؤها من ممارسات العمل الحكومية واستقلاليتها في عمل خططها واستراتيجياتها وشفافية عملها ميدانياً، ومدى تعاونها مع الأجهزة الحكومية وآلية تناولها الخطط والبرامج التي رسمتها اللجنة العليا لمكافحة المخدرات والممثلة تقريباً من جميع الوزارات الحيوية، مضيفاً: «اقترح استحداث جمعية تُسمى الجمعية الوطنية لمكافحة المخدرات، تشارك فيها مؤسسات المجتمع الوطني ويكون دورها توعويا رقابيا، وتحتوي الباحثين والمتطوعين من أهل الاختصاص من محبي هذا العمل القابل لتفعيل دور أكبر في المستقبل»، مستشهداً بأدوار الجمعيات الوطنية. ارتباط حكومي وذكر «د.مضواح آل مضواح» -مدير الإصلاح والتأهيل بسجون منطقة عسير- أن هناك فرقا بين مسمى «لجنة» و»هيئة» وعند اسباغها بصفة «الوطنية» فهذا يعني أنه ينبغي أن تشمل بنشاطها جميع أجزاء ومدن المملكة، ويمكن لكل منهما أن تكون مستقلة عن الجانب الرسمي أو مرتبطة به، بحيث تكون مستقلة استقلالاً مادياً وتكون لها ميزانيتها المستقلة عن أي ميزانية جهاز حكومي آخر، مبيناً أن الارتباط التنظيمي والإشرافي والمراقبة تكون من قبل الجانب الرسمي للدولة طالما أن ميزانيتها تصرف من خزينة المال العام، أما إذا كانت ميزانيتها مشتركة بين الدولة والموارد الذاتية، فإن ارتباطها بالجانب الرسمي يتقلص إلى الحجم الذي يتناسب مع حجم الجزء من ميزانيتها التي تحصل عليها من الدولة، وحين تصبح ميزانيتها من مواردها الذاتية بالكامل، فإن الارتباط في هذه الجوانب يتقلص حتى يتلاشى، موضحاً الفرق بين أنشطة الهيئة واللجنة، حيث تمتاز أنشطة الهيئة على أنشطة اللجنة بكبر حجمها في الاتجاهين العمودي والأفقي، كما أن الهيئة تضم عدداً من اللجان الرئيسة بينما اللجنة تضم عدداً من اللجان الفرعية، وفي حالة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات نجد أنها تحصل على ميزانيتها من الميزانية المعتمدة لوزارة الداخلية، قائلاً: «لست أنظر إلى انفصالها عن الجانب الرسمي باعتباره شرطا لتحويلها إلى هيئة، فطالما أنها تحصل على ميزانيتها من الدولة فستظل مرتبطة بالجانب الرسمي سواء كانت لجنة أم هيئة، بل أنظر إلى هذا الانفصال باعتباره يتيح لها الحصول على ميزانية مستقلة عن ميزانية أي جهاز حكومي آخر، مما يعني توفر الإمكانيات المادية التي تمكنها من زيادة أنشطتها ورفع مستوى جودة هذه الأنشطة وشمولها جميع أجزاء الوطن وطبقات المجتمع، وهذا خلاف ما هي عليه اللجنة اليوم»، مشيراً إلى أنه رغم الجهود العظيمة التي تبذلها اللجنة، إلاّ أن نسبة كبيرة من أنشطتها تتمركز في مدينة الرياض، كما أن وارداتها من ميزانية «وزارة الداخلية» لا تكفي لتشمل بأنشطتها جميع أجزاء الوطن على حد سواء. وبيّن «د.المضواح» أن الهيئة يجب أن تكون ذراعاً علمياً لإمداد الأجهزة الرسمية لمكافحة المخدرات بالمعلومات العلمية التي تحتاجها في مكافحة المخدرات، إلى جانب مهمتها الأساسية عبر تكوين وعي صحي واجتماعي وثقافي لدى أفراد المجتمع بأضرار المخدرات وسوء استعمال المؤثرات العقلية، وتحقيق التناغم والانسجام وتنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بمكافحة المخدرات، وتعزيز المشاركة التطوعية لأفراد المجتمع المدني ومؤسساته في هذا المجال، مشيداً بفكرة تحويل اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى هيئة وطنية؛ لزيادة فاعليتها، وتوسيع نطاق جهودها، لأداء رسالتها على أكمل وجه ممكن. صعوبات وتحديات المعارضون: الحل ليس إدارياً أو زيادة أعباء مالية وإنما بناء «شراكة وعي» مع المواطن ولفت «د.عبدالله الشرقي» -استشاري الطب النفسي ورئيس الجمعية السعودية للطب النفسي بالمنطقة الوسطى- أن تحول اللجنة الوطنية لمكافحه المخدرات إلى هيئة، أمر تحتمه طبيعة المشكلة وتفاقمها وتعقيداتها المتعددة وانعكاساتها السلبية، مما يتطلب بذل أقصى الجهود لمكافحتها وعلاج وتأهيل من يتورط بالإدمان عليها، مشيداً بدور اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في الوضع الحالي لها، وما بذلته من جهود في ظل الإمكانات المتاحة لديها، حتى احتلت المملكة موقعاً مميزاً في مجال العمل على مكافحة المخدرات، إلاّ أنه أكد على أن هناك كثيرا من الصعوبات والتحديات التي تواجهها، تتمثل معظمها في تعدد القطاعات المعنية بهذه المشكلة المعقدة في ظل عدم وجود التنسيق الجيد والرؤية الموحدة والمنهجية الواضحة. وأكد على أنه يتوجب على اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات لتحقيق توجهاتها الإستراتيجية وتحقيق رؤيتها وأدائها لرسالتها بالشكل المطلوب، وتجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجهها، فإن عليها السعي لإعداد دراسة متكاملة ورفيعة المستوى؛ لإيجاد هيئة عُليا ذات شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة، ليكون لديها اختصاصات وصلاحيات واضحة تعمل على وضع استراتيجية وطنية موحدة تجمع الشتات وتختصر الجهد وترفع العبء عن كاهل الوزارات والجهات المعنية بهذا الموضوع، وتحقق تطلعات المهتمين في هذا المجال؛ لإيجاد منهج واضح مع السعي إلى تطويره. فكرة مطروحة وكشف «د.أسعد صبر» -استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان- أنه تم قبل عدة سنوات مناقشة دراسة تحويل اللجنة إلى هيئة وطنية لمكافحة المخدرات، وذلك على مستوى عال، واستعرضت خلالها آراء المختصين من أطباء وأخصائين، وضباط من «وزارة الداخلية»، ومندوب من وزارة المالية، وتمت مناقشة فكرة التحول لهيئة وطنية، وماهية السلبيات والإيجابيات، مضيفاً: «أرى أن الحل في تشكيل هيئة مستقلة بميزانيتها وإدارة تتعامل مع المشكلة من جميع جوانبها، وهذه الفكرة كانت وراء مقترح اللجنة لإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات، ورفعت التوصيات لمجلس الوزراء، ومجلس الشورى، وجاء القرار بتشكيل لجنة عليا مشكلة من عدة وزراء، واللجنة التنفيذية يكون فيها مندوب من كل وزارة، وما زالت لم تفعل كهيئة وطنية مستقلة»، مشدداً على أن مشكلة المخدرات متشعبة، ولن يجدي أن تكون تحت وزارة واحدة، وإنما يجب أن تكون هناك جهة عليا تنظم جميع أطراف القضية، وتتعامل وتعطي كل جزء حقه من الاهتمام، مع ضرورة أن يكون هناك تنسيق بين الفروع المختلفة للمشاكل والحلول، مضيفاً: «الآن كل جهة تحاول أن ترمي الكرة في ملعب الجهة الأخرى، فالجهات العلاجية ممثلة في وزارة الصحة تؤكد على أن كثرة تهريب المخدرات سبب في زيادة أعداد المدمنين، وإدارة مكافحة المخدرات تلوم ضعف برامج الإعلام في توعية الشباب بمخاطر المخدرات، في الوقت الذي يؤكد فيه الإعلام القيام بدوره الكامل في التوعية ولكن المخدرات تحتاج لجهات أمنية تساعد في الموضوع وتمنع انتكاسة المريض بعد علاجه، ووزارة الشؤون الاجتماعية تقول إن المشاكل الاجتماعية الناجمة عن المخدرات بدايتها وجود مخدر ومستهلك، مما يساعد على انتشار المشاكل الأسرية والاجتماعية في المجتمع»، مؤكداً على أن كل جهة عندما تشعر أن المخدرات ليست قضيتها، فلن ترصد ميزانية لها مما يعيق القضاء عليها. غير مجدية! ووصف «د.جبرين بن علي الجبرين» -أستاذ الدراسات الاجتماعية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود- أن أي جهد لتنظيم العمل في مجال مكافحة المخدرات سوف يترك أثراً إيجابياً، إلاّ أنه لم يتفاءل بجدوى تحويل اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى هيئة وطنية لمكافحة المخدرات، قائلاً: «لن تكون الهيئة عصا موسى السحرية التي ستزيل خطر المخدرات، وذلك بسبب أننا مررنا بخبرات ليست إيجابية مع هيئات سابقة، انشغل أعضاؤها بالهيكل الإداري والكادر الوظيفي وغيرها، حتى أصبح كثير من هذه الهيئات عبئاً على الدولة دون أن تساهم في تغير فعلي وملموس في دورها ووظيفتها الاجتماعية، أو خدمة حقيقة للهدف الذي وجدت من أجله الهيئة»، موضحاً أن قضية المخدرات في المجتمع أكبر من أن يتم مناقشتها من خلال لجنة أو هيئة، فمحاربتها أصبحت واجبا وطنيا على كل إنسان يقوم به بشكل مباشر مثل رجال الأمن والعاملين في المنافذ الحدودية، أو بشكل غير مباشر من خلال تحمل الأسرة مسؤولية رعاية أبنائها وحمايتهم من الوقوع في المخدرات، وعدم ترك مهمة تربيتهم للشارع، وترك حمايتهم للدولة التي لن يكون بمقدورها تفتيش جيوب الشباب بشكل يومي لمنعهم من الحصول على المخدرات، مؤكداً على أن محاربة المخدرات بحاجة إلى وقفة وطنية، كلٌ بحسب موقعه، فالمعلم في المدرسة، والخطيب في المسجد، ورجل الأمن في الشارع، والأب في المنزل، والمواطن في الحي، والطبيب في المستشفى، وغيرهم الكثير من شرائح المجتمع التي تستطيع ان تشكل سداً منيعاً، وجبهةً صامدةً أمام أحد أكبر الأخطار التي تواجه المجتمع بصفتها ظاهرة خطيرة على حياة المجتمع واستقراره. حملات إعلامية وأشار «د.حمد الموسى» -الأستاذ المساعد في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إلى أن تحويل اللجنة إلى هيئة وطنية لمكافحة المخدرات سيعطيها بُعداً أوسع، وقدرة أكبر على تمثيل عدة مؤسسات، قائلاً: «المخدرات قضية مجتمع، ولذلك وسائل الاتصال فيها ضرورية، ولا يجب أن تترك لجهات رسمية، بل مطلوب تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني»، مبيناً أن الحملات الوطنية للتوعية بأضرار المخدرات لا يتم قياس التأثير فيها على المجتمع، موضحاً أن الاتصال التسويقي المتكامل نموذج حديث متطور للإتصال، ويستخدم في التسويق الاجتماعي، وهو النموذج الأفضل للتوعية بأضرار المخدرات، مضيفاً: «من الافتراضات الأساسية لهذا النوع من الاتصال أنه يبدأ من خلال التعرف على هذا الجمهور واحتياجاته بالنسبة لهذه القضية، وما هي الوسائل المناسبة، والتأثير فيها، وبناءً على ذلك يتم تصميم برامج تحقق أهداف الحملة، من أهمها استخدام جميع الوسائل الاتصالية التي يمكن من خلالها الوصول للجمهور».