قلنا أكثر من مرة إن العرب قديماً أهل عشق وشغف وغرام، على شرف وعفاف وبهدف الزواج، ومما يؤسف له أن كثيراً من العرب قديماً كانوا يرفضون تزويج العاشق حين يشتهر عشقه ويقول في فتاتهم شعراً ويتغزل بها، وذلك تجنباً للريبة، مع أن المسكين عفيف شريف، وزواج المحبين أكثر سعادة، ولكن تلك المأساة تتكرر دائماً في تاريخنا العربي وقد ذهب ضحيتها كثيرون أشهرهم مجنون ليلى وعروة بن حزام وتوبة الحميري وقوم لا يحصون أكثرهم من بني عذرة الذين نسب إليهم الحب العذري لشدة شرفهم وشغفهم بمن يهوون حتى مات منهم كثير عشقاً، ولكل أجل كتاب.. الشاهد هنا ان العاشق إذا فتن بامرأة ورفض الزواج من غيرها فإن أهله وأصدقاءه المخلصين له، يلومونه على هذا العشق الذي حال بينه وبين الزواج، وأصابه بالأمراض والأسقام، خاصة إذا كانت معشوقته قد (فاتت).. تزوجت غيره.. أو رفض أهلها ان يزوجوه منها. فهم يلومونه حبا له واشفاقاً عليه، يريدون له الخير، والبرء من مرض الحب، ونسيان المرأة بالزواج من أخرى مناسبة، وهذا عين العقل، ولكن متى كان العاشق المتيم في تمام العقل؟! ومن أجمل القصائد الشعبية التي غنى بها أكثر من مطرب خليجي في أصوات شجية أبيات الشاعر المهور محمد بن لعبون - رحمه الله - والتي يشرح فيها شدة حبه وتعلقه (بمي) ويذكر فيها لوم أهله له وجوابه عن ذلك اللوم.. وفيها يقول: «يا ذا الحمام اللي سجع بلحون وش بك على عيني تبكيها؟ ذكرتني عصر مضى وفنون قبلك دروب الغي ناسيها أهلي يلوموني ولا يدرون والنار تحرق رجل واطيها لا تطري الفرقى على المحزون ماداني الفرقى وطاريها اربع بناجر في يد المزيون توه ضحى العيد شاريها عمره ثمان مع عشر مضمون مشي الحمام الراعبي فيها يا من يباصرني انا مفتون روحي ترى فيها الذي فيها» وفي قصيدة أخرى يخاطب لائمة بصيغة أخرى فيها اعتراف: «يا لا يمي صدها ماهوب رمح اتلقاه بجنوبي خلتني اركض لها والوب مثل المهيبيل واهوابي ومن الوصل ما قضت لي نوب ومن السقم فصلت ثوبي صبراي لبلواي صبر ايوب واحزاني احزان يعقوب». قال العواذل ما الذي استحسنته منه... وما يسبيك قلت جميعه ويقول أبو الشيص (وتنسب لد وقله): يا لائمي في تمنع وصله عن حبه، أحلى الهوى ممنوعه قال العواذل: ما الذي استحسنته منه وما يسبيك؟ قلت جميعه! فهو يتحدى ويرى مجنون ليلى ان العاذلات في راحة وهو في عذاب فكيف يستطيع ان يسمع منهن: «وكيف اطيع العاذلات وحبها يؤرقني، وهن هجوع» وهو في معنى قول ابن لعبون: «أهلي يلوموني ولا يدرون والنار تحرق رجل واطيها» وهذا مؤكد فإن الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار، وعلى الأقل فإن الذي لا يحس بالمشكلة لا يقدرها. ومن عجيب شعر عمر بن أبي ربيعة قوله: «يقول العاذلون: نأت فدعها وذلك حين تهيامي وولعي أأهجرها واقعد لا أراها واقطعها وما همت بقطعي؟ واقسم لو حلمت بهجر هند لضاق بهجرها في النوم ذرعي» فعمر له غزل مترف يختلف عن هذا التشوق الحار، وهو يرد على الذين يلومونه وينصحونه بهجرها طالما نأت عنه. ويقول حمد الروضان (من الشعرا) من لامني في الهوى ومرودعات الوشام جعل النصايب على قبره يرزونها يا رجف قلبي عليها رجاف طي المقام أو رجاف خيل على الحاكم يعنونها يا برى حالي عليها بري عود الثمام وقع عليها الجراد وطار بغصونها»